الحرب الروسية الأوكرانية.. بين أمل "الحياد" وزخم "اللا نهاية"
بين زخم يدفع نحو مزيد من الانخراط في الصراع وأمل في "حياد" يوقف نيران الحرب لا تزال معضلة الحرب الروسية الأوكرانية غير قابلة للحل.
وقال تحليل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن الحرب الأوكرانية قد يكون من المستحيل إيقافها، وسبب رئيسي فى ذلك هو الولايات المتحدة.
ونقل الكاتب كريستوفر كالدويل عن "هنرى جيانو" وهو مستشار بارز سابق للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي تحذيره في مقال بصحيفة "لو فيجارو" من أن الدول الأوروبية، تحت "قيادة قاصرة" من الولايات المتحدة، "تسير نائمة نحو الحرب" مع روسيا، فى اصطلاح ورد فى الأصل على لسان كريستوفر كلارك فى تحليله لاندلاع الحرب العالمية الأولى.
- تزويد أوكرانيا بصواريخ "متقدمة".. لهذه الأسباب تراجع بايدن
- عتاد ألماني لليونان مقابل تزويد أوكرانيا بمدرعات سوفيتية
وقال جيانو إن "روسيا هي المسؤولة بشكل مباشر عن الصراع الحالي في أوكرانيا، فهى التى حشدت قواتها على الحدود في الخريف والشتاء الماضيين قبل أن تبدأ القصف في 24 فبراير/شباط".
وتابع: "لكن الولايات المتحدة ساعدت في تحويل هذا الصراع المأساوي والمحلي والغامض إلى (حريق عالمي محتمل). ومن خلال سوء فهم منطق الحرب، فإن الغرب بقيادة إدارة بايدن يعطي الصراع زخما قد يكون من المستحيل إيقافه".
انتفاضة يانوكوفيتش وضم القرم
واتفق كالدويل فى تحليله بـ"نيويورك تايمز" مع وجهة نظر جيانو. ففي عام 2014، دعمت الولايات المتحدة انتفاضة ضد الحكومة الأوكرانية المنتخبة شرعيا برئاسة فيكتور يانوكوفيتش، الموالية لروسيا، فقامت روسيا، بدورها، بضم شبه جزيرة القرم، وهي جزء من أوكرانيا تتحدث الروسية تاريخيًا وكانت منذ القرن الـ18 موطنًا لأسطول البحر الأسود الروسي.
وفي السنوات الأخيرة، بدا أن السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم توفر ترتيبًا إقليميًا مستقرًا، لكن الولايات المتحدة لم تقبله. وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وقعت الولايات المتحدة وأوكرانيا "ميثاق شراكة استراتيجية" دعا أوكرانيا للانضمام إلى الناتو ، وأدان "العدوان الروسي المستمر" وأكد "التزامًا ثابتًا" بإعادة دمج شبه جزيرة القرم في أوكرانيا.
هذا الميثاق ربما "أقنع روسيا بوجوب إما أن تهاجم أو سوف يتم مهاجمتها". فقد قال بوتين في حفل النصر السنوي في روسيا يوم 9 مايو/أيار: "كانت هناك إمدادات مستمرة من أحدث المعدات العسكرية" ، في إشارة إلى التسليح الأجنبي لأوكرانيا. و"الخطر كان يتزايد كل يوم."
تسليح غربي عال المستوى
وأثبت المسار الصعب للحرب في أوكرانيا حتى الآن صحة حديث بوتين، إذ أنه بحلول عام 2014 ، كانت أوكرانيا بالكاد تمتلك جيشًا حديثًا على الإطلاق. لكن بدأت الولايات المتحدة في تسليح وتدريب الجيش الأوكراني بتردد في البداية في عهد الرئيس باراك أوباما، ثم بدأت الأجهزة الحديثة في التدفق خلال إدارة ترامب، واليوم أصبحت البلاد مدججة بالكامل.
ومنذ عام 2018، تلقت أوكرانيا صواريخ جافلين المضادة للدبابات من صنع الولايات المتحدة، ومدفعية تشيكية وطائرات دون طيار تركية من طراز بيراقدار وغيرها من الأسلحة المعقدة.
وأرسلت الولايات المتحدة وكندا مؤخرًا مدافع هاوتزر "إم ٧٧٧" البريطانية الحديثة التي تطلق قذائف "إكساكاليبور" الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي، ووقع الرئيس بايدن للتو على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليار دولار.
وربما تحاول الولايات المتحدة بذلك الحفاظ على الوهم القائل بأن "تسليح الحلفاء ليس مثل المشاركة في القتال". لكن في عصر المعلومات، يتزايد هذا التمييز بشكل مصطنع أكثر فأكثر. إذ قدمت الولايات المتحدة معلومات استخبارية استخدمت لقتل الجنرالات الروس. وقدمت معلومات الاستهداف التي ساعدت في إغراق طراد الصواريخ الروسي من البحر الأسود موسكفا، وهو الحادث الذي قتل فيه حوالي 40 بحارًا، بحسب التحليل.
وربما تلعب الولايات المتحدة دورًا مباشرًا بدرجة أكبر. وهناك الآلاف من المقاتلين الأجانب في أوكرانيا.
وتحدث أحد المتطوعين إلى هيئة الإذاعة الكندية هذا الشهر عن القتال إلى جانب "الأصدقاء" الذين "يأتون من مشاة البحرية، من الولايات المتحدة". تمامًا كما أنه من السهل تجاوز الحد الفاصل بين كونك موردًا للأسلحة وأن تكون مقاتلًا، فمن السهل تجاوز الخط من شن حرب بالوكالة إلى شن حرب سرية.
وقال كاتب التحليل إنه "حتى لو لم نقبل ادعاء بوتين بأن تسليح أمريكا لأوكرانيا هو سبب اندلاع الحرب في المقام الأول، فمن المؤكد أن هذا هو السبب الذي جعل الحرب تتخذ الشكل المتفجر والقاتل. دورنا في هذا ليس سلبيًا أو عرضيًا. لقد قدمنا للأوكرانيين سببًا للاعتقاد بأنهم قادرون على الانتصار في هذه الحرب المتصاعدة".
التزام أمريكي بالتصعيد
ولقي آلاف الأوكرانيين حتفهم وكان من المحتمل ألا يموتوا لو تنحيت الولايات المتحدة جانبًا. وقد يخلق ذلك بشكل طبيعي بين صانعي السياسة الأمريكيين إحساسًا بالالتزام الأخلاقي والسياسي - للبقاء على المسار، ولتصعيد الصراع.
وأضاف التحليل أنه مع تطور الوضع في ساحة المعركة في أوكرانيا، تكبدت كل من روسيا وأوكرانيا خسائر فادحة. لكن كل منها حقق مكاسب أيضًا. فتمتلك روسيا جسرًا بريًا يؤدي إلى شبه جزيرة القرم وتسيطر على بعض الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة في أوكرانيا ومخزونات الطاقة، وفي الأيام الأخيرة احتفظت بالانتصار الميداني فى ساحة المعركة.
وفى المقابل، يمكن لأوكرانيا أن تتوقع المزيد من دعم الناتو ومساعدته الفنية والتكنولوجية والعسكرية - وهو حافز قوي لعدم إنهاء الحرب في أي وقت قريب.
لكن إذا لم تنته الحرب قريبا، فإن مخاطرها ستزداد. والولايات المتحدة لا تقدم أي تنازلات حتى لا تفقد ماء الوجه. فهناك انتخابات قادمة. لذا فإن الإدارة تغلق سبل التفاوض وتعمل على تصعيد الحرب.
وبمرور الوقت، قد يؤدي الاستيراد الضخم للأسلحة الفتاكة، بما في ذلك المخصصات الجديدة المصرح بها البالغة 40 مليار دولار، بالحرب إلى مستوى مختلف. وحذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب وجهه للطلاب هذا الشهر من أن "أكثر أيام الحرب دموية قادمة".
"الحياد" هو الأمل للسلام
وفى مقال آخر، بمجلة "فورين أفيرز"، قال صامويل شاراب وهو باحث رفيع بمؤسسة راند كوربوريشن الأمريكية إن مبادرة إسطنبول التي قدمت مع لقاء المفاوضين من الجانبين الروسي والأوكراني فى أواخر مارس/آذار الماضي تقدم آلية مختلفة للغاية لضمان أمن أوكرانيا، معتبرا أن "الحياد هو السبيل الوحيد للسلام فى تلك البلد".
ووفقًا للبيان الذي تم تسريبه إلى الصحافة، فإن الاقتراح التركي سيؤسس لأوكرانيا كدولة محايدة بشكل دائم ويوفر ضمانات قانونية دولية لوضعها غير النووي وعدم الانحياز.
وسيشمل الضامنون للمعاهدة جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي - الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة - بالإضافة إلى كندا وألمانيا وإسرائيل وإيطاليا وبولندا وتركيا.
وفي حالة وقوع هجوم على أوكرانيا، فإن هذه الدول الضامنة، بعد تلقي نداء رسميا من كييف وإجراء مشاورات عاجلة، ستقدم المساعدة لأوكرانيا، بما في ذلك، إذا لزم الأمر، استخدام القوة المسلحة "بهدف استعادة أمن أوكرانيا كدولة محايدة بشكل دائم ".
وقال الكاتب إنه بطبيعة الحال، فإن مثل هذه الاتفاقية ستنطوي على تحديات كبيرة للولايات المتحدة. فحياد أوكرانيا والحظر المفروض على القواعد والتدريبات الأجنبية من شأنه أن يشكل معضلات خاصة للجيش الأمريكي. فنهج البنتاجون المعتاد لضمان الالتزامات الأمنية - يشمل عمليات النشر الأمامية والوصول الكامل إلى الأراضي ودرجة معينة من التخطيط التشغيلي مع الشركاء - وهذا لن يكون ممكنًا في هذه الحالة.