سباق المعادن النادرة.. ماليزيا محور للطموحات الأمريكية والصينية
قال تحليل نشرته صحيفة «واشنطن بوست» إن المنافسة الجيوسياسية تتصاعد بين الولايات المتحدة والصين على موارد عناصر الأرض النادرة.
هذه المعادن الحيوية تستخدم في التقنيات العسكرية والطبية والإلكترونية، من الصواريخ والطائرات المقاتلة، إلى السيارات الكهربائية وأجهزة تنظيم ضربات القلب. وفي قلب هذا الصراع، تبرز ماليزيا -الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا- باعتبارها ساحة التنافس الأكثر حساسية، بعدما تحولت منشأة أسترالية قديمة نسبياً إلى الركيزة التي تعوّل عليها واشنطن في محاولتها كسر قبضة بكين المحكمة على هذه السلسلة الصناعية الدقيقة.
رهان أمريكي
وتتركز الأنظار على منشأة "لايناس" للمعالجة في ولاية باهانغ الماليزية، وهي أكبر مصفاة لمعادن الأرض النادرة خارج الصين. والمنشأة تديرها شركة أسترالية، وموّلت إنشاؤها شركة يابانية مملوكة للدولة، فيما تستعد لإضافة مصنع مغناطيسات حديثة من تطوير كوريا الجنوبية. وبالنسبة لواشنطن، تمثل هذه المنشأة النموذج المثالي لتعاون الحلفاء بهدف بناء سلسلة إمداد بديلة تُضعف الهيمنة الصينية.
وكان وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قد صرح بوضوح هذا الشهر، قائلاً: "سنخرج من تحت السيف الذي تلوّح به الصين، وقد جمعنا حلفاءنا هذه المرة".
وتتحكم بكين اليوم فيما يقرب من 70% من عمليات التعدين عالمياً و90% من عمليات المعالجة، مع سيطرة شبه كاملة على المعادن الثقيلة الأكثر حساسية مثل الديسبروسيوم. وقد استخدمت هذه الهيمنة أداة ضغط مرتين هذا العام عبر فرض قيود تصدير واسعة، ما أحدث ارتباكاً عالمياً.
مشروع ماليزيا
وعلى الأراضي الأمريكية، تضخ واشنطن مليارات الدولارات لبناء قدرات محلية جديدة، بينها دعم منشأة جديدة لـ«لايناس» في ولاية تكساس. لكن التقدم بطيء؛ فقد أعلنت الشركة في أغسطس/آب أن مستقبل المشروع «غير مؤكد». وباتت القناعة تسود في الدوائر الأمريكية بأن الطريق الأسرع لإنشاء سلاسل توريد موثوقة يكمن خارج الولايات المتحدة.
ولهذا، وُصفت منشأة لايانس بأنها «حاملة الشعلة» لهذا التوجه. ومنذ افتتاحها عام 2012، تقوم المنشأة بمعالجة الخامات القادمة من غرب أستراليا، ومع حلول مايو/أيار الماضي أصبحت أول منشأة تجارية خارج الصين تنتج معادن ثقيلة مكررة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت توسعاً بقيمة 117 مليون دولار وشراكات جديدة لتزويد الصناعات الدفاعية الأمريكية.
وتذكر تقارير الشركة أن أكثر من 90% من موظفيها ماليزيون، وأن سلاسل التوريد المحلية تزداد اتساعاً. وهذا يمنح ماليزيا موقعاً مرشحاً لقيادة السوق العالمي خارج الهيمنة الصينية.
وخلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكوالالمبور الشهر الماضي، حصلت بلاده على تعهد ماليزي بعدم فرض قيود على صادرات المعادن النادرة الأمريكية الوجهة، والعمل على تنمية القطاع عبر شراكات مع شركات أمريكية.
كما أرسلت وكالة DARPA خبراء لتقييم التكنولوجيا القابلة للاستخدام. لكن هذا التقدم لا يجري في فراغ، إذ على الجانب الآخر، استثمرت الصين لعقد كامل في ترسيخ نفوذها داخل ماليزيا. ويؤكد مسؤولون ماليزيون وأمريكيون أن بكين تدخلت مراراً لمنع خامات ماليزية من الوصول إلى سلاسل منافسة؛ من ذلك إيقاف شركات صينية توريدَ قطع غيار لآلات تستخدمها "لايناس"، ما أجبر الأخيرة على تصنيع بدائل مكلفة.
ويحذّر مسؤولون سابقون في واشنطن من أن الولايات المتحدة لا تقدّر بعد مدى قدرة الصين على تعطيل أي منافسين محتملين، سواء عبر الضغط الاقتصادي أو إغلاق الإمدادات الحيوية.
موقف ماليزيا
ورغم التقارب مع واشنطن، لا تريد كوالالمبور الانحياز بالكامل. فوزير التجارة الماليزي تنكو زافرول قال بوضوح: «لسنا بصدد بناء سلسلة بديلة تنافس الصين. نحن ندعو الشركات الصينية للمجيء أيضاً».
وتتحرك الصين على الأرض سريعاً. فقد حصلت شركة صينية-ماليزية مشتركة (MCRE) على إعفاء حصري لتصدير الخامات إلى الصين -رغم الحظر الماليزي العام على التصدير- بعدما تلقت الشركة «اتصالاً من الصين» أوقف قراراً بإرسال الخامات إلى منشأة لايناس، وفق وزير ماليزي سابق. واليوم، تعتمد الشركة بالكامل على المعدات والخبرة الصينية، ويؤكد مسؤولوها أنهم «لا يملكون السيطرة الكاملة» على قرارات التوريد.
إغراءات الصين
تطرح الصين عروضاً مغرية: إنشاء مصافٍ داخل ماليزيا دون نقل التكنولوجيا، عبر ما يُعرف بـ«الصندوق الأسود»، حيث يدير مهندسون صينيون العمليات دون الكشف عن الأسرار التقنية؛ وهي آلية استخدمت سابقاً في مناجم النحاس الأفريقية.
لكن مسؤولين ماليزيين ينقسمون بشأن القبول بهذا النموذج. فبينما يراه البعض خياراً لا يمكن تجاهله، يحذّر آخرون من أن الاندماج العميق مع السلاسل الصينية سيجعل ماليزيا مجرد مصدر خامات دون قيمة مضافة حقيقية.
وفي قمة دولية عُقدت مؤخراً في كوالالمبور، ناقش خبراء التعدين ومستثمرو القطاع كيف يمكن للعالم مواجهة التفوق الصيني. الإجماع: لا يوجد حتى الآن أي منافس حقيقي للخبرة الصينية، سواء في الكوادر البشرية أو المعدات أو التكنولوجيا -وحتى البدائل الغربية تفوق أسعارها ثلاثة أضعاف.
ويؤكد خبراء ماليزيون أن إنشاء منجم جديد قد يستغرق عقداً كاملاً، وهو مجرد بداية سلسلة صناعية أكثر تعقيداً احتاجت الصين إلى 40 عاماً لبنائها. وبحسب قول أحد المسؤولين الماليزيين: «العدو الأكبر لطموحات واشنطن ليس الصين… بل الوقت».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTYg جزيرة ام اند امز