أزمة حرب أكتوبر.. تركي الفيصل يقدم حلا سريعا للخلاف السعودي الأمريكي
قدم رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل حلا بسيطا وسريعا لتجاوز الخلاف الأمريكي السعودي، مستندا إلى خلاف حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
الأمير تركي الفيصل، وهو السفير السعودي الأسبق في واشنطن، كان يتحدث أمام مؤتمر المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية، حيث تطرق لأزمات عالمية وإقليمية.
قال رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، إن المملكة والولايات المتحدة "تشاركتا بالتضحية بالدماء في الحرب ضد الإرهاب والعدوان"، ما يعني اعتماد ذلك كنقطة انطلاق للمضي قدمًا لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية.
واستعان بأزمة سعودية - أمريكية عمرها عقود كدليل على إمكانية تجاوز الخلاف الحالي، لافتا إلى أنه في خضم الحظر النفطي خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وصلت رسالة من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إلى الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عبر رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في المملكة.
وأضاف: "كانت الرسالة موجزة ولكنها واضحة تمامًا: جلالة الملك، إذا استمر الحظر النفطي، فإن الولايات المتحدة ستسعى لإيجاد سبل لتصحيحه"، مؤكدا أنه لا يمكن أن يكون التهديد أكثر وضوحًا من ذلك.
ومضى في حديثه: "كان من واجبي إيصال هذه الرسالة إلى والدي الراحل بينما كان يستعد للنوم.. استمر الحظر لبضعة أشهر أخرى، حتى اتخذت الولايات المتحدة إجراءات فعالة للتأثير على الانسحاب الإسرائيلي على جبهة السويس ومرتفعات الجولان".
لكن بعد أسابيع قليلة، قاد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وفداً كبيراً من المسؤولين في المملكة إلى واشنطن لتوقيع اتفاق تعاون بشأن العديد من القضايا مع الولايات المتحدة.
وهنا ختم الأمير تركي الفيصل تعليقه بقوله: "الرجل الذي وقع الاتفاقية من الجانب الأمريكي هو نفس هنري كيسنجر، الذي هدد قبل بضعة أشهر بغزو المملكة العربية السعودية".
هجوم إيراني
الأمير تركي الفيصل تحدث عن قلق أمريكي- سعودي مشترك بشأن التهديد الموثوق الأخير بهجوم إيراني على المملكة، قائلا: "هذا لا يثير الدهشة ويظهر ما كرره الرئيس جو بايدن مرارًا أن واشنطن تقف إلى جانب المملكة للدفاع عنها من أي هجوم".
السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن أعاد التذكير بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أشهر قليلة، إلى المملكة ولقائه بقادة عرب، باعتبارها "فرصة لإزالة كل الشكوك حول الالتزامات الأمريكية بالسلام والأمن في منطقتنا".
زيارة بايدن أيضا مثلت "إعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع حلفائها وأصدقائها من خلال تقاربهم الاستراتيجي"، بحسب الأمير تركي الفيصل، الذي دعا إلى "إعادة هذه الثقة.. ما زلنا نؤمن بأهمية هذه العلاقة.. هذا أمر ثابت وسط كل الشكوك".
من بوتين للخليج
وفي حديثه عن الأزمات التي تضرب العالم، علق رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق على فلاديمير بوتين قائلا: "رئيس دولة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان أول من أجاب على هذا السؤال بعملية عسكرية في أوكرانيا متجاهلاً القانون الدولي رغم كل مزاعمه".
وتابع: "كانت أوكرانيا أول ضحية لهذا التصور للفراغ الاستراتيجي الدولي ونقص القيادة العالمية وضعف التحالفات الدولية.. الرئيس بوتين ليس الوحيد الذي يحاول استغلال مثل هذا الوضع لفرض إرادته على المسرح العالمي وتغيير الوضع الدولي الراهن".
وقال: "يبدو أن هذه الحرب، من خلال الإنذار الذي أحدثته في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وحلفائهم، أعاد تنشيط وتهدئة الشكوك المتزايدة حول القيادة الأمريكية العالمية والتزاماتها تجاه حلفائها".
إلا أنه عاد ليقول: "لكننا في الشرق الأوسط، وخاصة في منطقة الخليج، نريد أن نرى مثل هذا الالتزام بسلام وأمن منطقتنا.. تسلط الحرب في أوكرانيا الضوء على استمرار الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج للعالم أجمع فيما يتعلق بأمن الطاقة واستقرار الاقتصاد العالمي. لذلك فإن الحفاظ على سلامها واستقرارها ضرورة دولية".
ومضى في حديثه: "قد يكون هذا حافزا للأمريكيين والأوروبيين لإعادة النظر في ترددهم تجاه النزاعات في المنطقة والوقوف في وجه التهديدات البارزة لأمن المنطقة واستقرارها، ولا يمكن تحقيق ذلك دون التزام حقيقي وجاد بالأمن الإقليمي وأمن شركائهم المهمين مع الاحترام الكامل لسيادتهم وخياراتهم الوطنية".
الأمم المتحدة وأوكرانيا
الأمير تركي الفيصل شدد على أن هناك حالة ارتباك استراتيجي دولي ناجمة عن سلوك وسياسات ونفاق القوى العظمى على رأس النظام الدولي الذي يُفترض أنه قائم على قواعد.
ونبه إلى أن السلام والأمن العالميين النسبيين اللذين "تمتع بهما" العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتعددية، والاقتصاد العالمي المترابط، والعولمة، والإنجازات البشرية خلال وقت السلم، كلها مهددة بشكل خطير من قبل حالة عدم اليقين هذه.
وتابع: "عالمنا اليوم ليس عالم عام 1945، لذلك، فإن التفكير في نهج جديد، خالٍ من عقلية الحرب الباردة، ضروري لإدارة عالمنا المتحول متعدد الأقطاب بطريقة منظمة، وسلمية للهروب مما يسميه جراهام أليسون: فخ، والذي يناقش مستقبل العلاقات بين أمريكا والصين".
وشدد على أنه مثل الكثيرين في هذا العالم، كان يدعو إلى الحاجة لإصلاح نظام الأمم المتحدة، خاصة إعادة هيكلة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليعكس تطلعات المجتمع العالمي وللتعبير عن التغييرات الهيكلية التي تحول عالمنا".
ورأى أن الحرب الكارثية المؤسفة على أوكرانيا ليست سوى حالة واحدة قيد البحث تُظهر مدى هشاشة العالم حاليا ومدى الاحتياج إلى التمسك بمبادئ القواعد والقوانين الدولية.
وعلق على الأزمة الأوكرانية، قائلا: "آمل أن تنتهي هذه الحرب قريبا مع الحفاظ على استقلال أوكرانيا وسلامتها وسيادتها.. ومع ذلك، فإن المزيد من التصعيد، والمزيد من الاستقطاب العالمي، والمواجهات الأوسع، والعودة إلى ما تمليه الجغرافيا السياسية، وسياسات القوة، ومجالات النفوذ، وعودة ممارسات الغزو المنسية منذ زمن طويل، هي وصفة لاستمرار عدم اليقين".
واختتم حديثه، قائلا: "لن يكون أي بلد آمنا في حالة الفوضى هذه.. لذلك، قد تصبح مبادئ المساعدة الذاتية والبقاء على قيد الحياة هي نظام السياسة الدولية إذا فشلت القوى العظمى اليوم في مسؤولياتها في الحفاظ على السلام والأمن العالميين".
أزمة "أوبك+"
وفي تعليقه على أزمة "أوبك+" بين المملكة والولايات المتحدة، قال الأمير تركي الفيصل: "المملكة في بناء تنميتها الجيو-اقتصادية ليس فقط لمصلحتها الخاصة ولكن لمصلحة منطقتها والعالم".
وعبر عن أمله في أن "تستمر الولايات المتحدة في أن تكون جزءًا من نجاحنا المستقبلي كما كان في نجاحنا السابق.. لم تكن الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية السعودية مع الدول الأخرى على حساب علاقتنا مع واشنطن.. دعونا نعمل سويًا عندما تتلاقى مصالحنا الوطنية وندير خلافاتنا عندما نختلف من خلال الحوار الرسمي الجاد كما فعلنا منذ ثمانية عقود".
واختتم حديثه قائلا: "أكرر ما أشرت إليه مرات عديدة على هذه المنصة.. نحن في المملكة حريصون على الشعور بالمسؤولية والنوايا النبيلة، وكما أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في جميع المناسبات، سنتعاون مع كل من يعنى بالخير. من أجل التعامل مع كل التحديات التي تواجهنا. الهدف هو تحقيق الأمن والاستقرار والسلام لبلداننا وشعوبنا من أجل مستقبلنا".
aXA6IDMuMTM4LjEyNC4xMjMg جزيرة ام اند امز