حالة الصراعات في العالم.. حروب أكثر وضحايا أقل
![تطور الصراعات والحروب في العالم](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2019/7/16/60-212941-wars-afghanistan_700x400.png)
الحقبة الأولى من القرن الحادي والعشرين اتسمت بانتشار السلم، وتغير هذا الوضع مع بداية الحقبة الثانية بعد اندلاع العُنف في سوريا والعراق.
أصدر معهد بحوث السلام في أوسلو (PRIO) في يونيو/حزيران 2019 تقريرا بعنوان "اتجاهات الصراع المسلح 1946-2018"، رصد فيه تطور الصراعات والحروب والتغير في عددها وتوزيعها الجغرافي وعدد ضحاياها.
ويُميز التقرير بين الصراعات والحروب وفقاً لمعيار عدد الضحايا، فبينما يكون ضحايا الصراع بالعشرات وبعض المئات فإن ضحايا الحروب تتجاوز الآلاف. وأبدى مؤلفو التقرير الحذر من الأرقام الواردة فيه بسبب ندرة البيانات الدقيقة أو تضارب المعلومات المتاحة بشأنها.
وتُشير البيانات الواردة في التقرير إلى أربع اتجاهات عامة رئيسة وهي:
الاتجاه الأول:
هو ازدياد عدد الصراعات التي شهدها العالم عام 2018 مُقارنةً بالعام السابق زيادة طفيفة، إذ ارتفع العدد من 50 صراعًا في 33 دولة عام 2017 إلى 52 صراعًا في 36 دولة عام 2018.
ويرصد التقرير أن عام 2017 كان عاما استثنائيا في هذا الشأن، وأن عدد الصراعات في السنوات العشر السابقة اتجه للارتفاع. وكأن وتيرة الصراعات في العالم في هذه الفترة كانت في تصاعُدٍ باستثناء عام 2017. أما بالنسبة للحروب التي تخلف آلاف الضحايا فقد انخفض عددها في عام 2018 إلى 6 حروب مُقارنة بعدد 10 حروب في عام 2017، وكان منها الحروب في سوريا واليمن والصومال وأفغانستان التي بلغت نسبة ضحاياها 82% من إجمالي عدد الضحايا في عام 2018.
وسجل التقرير أن الحقبة الأولى من القرن الحادي والعشرين اتسمت بانتشار مناخ السلم في العالم وانخفاض ضحايا الحروب والصراعات، وتغير هذا الوضع مع بداية الحقبة الثانية بعد اندلاع أعمال العُنف في سوريا والعراق لكي يكون أكثر عُنفًا.
الاتجاه الثاني:
يشير إلى أنه بينما اتجه عدد الصراعات إلى الازدياد، فإن ضَراوة الاقتتال وأعداد ضحاياها انخفض في عام 2018 مُقارنة بمُتوسط أعداد الضحايا في سنوات ما بعد انتهاء الحرب الباردة في عام 1990، وأن هذا العدد انخفض بنسبة 23% عن عام 2017، إذ انخفض عدد الضحايا من 69 ألفا إلى 53 ألفا، مُقارنة بعام 2014.
وأرجع التقرير هذا الانخفاض بدرجة كبيرة إلى تراجع أعمال العُنف في سوريا والعراق. وأن أغلبية الضحايا ارتبطت بالحروب الأهلية التي شاركت فيها قوى خارجية، وأن القتال في أفغانستان هو أكثر الحروب دمويةً في العالم، حيثُ مثل عدد ضحاياه في عام 2018 نسبة 48% من إجمالي الضحايا في هذا العام، وبنسبة زيادة 30% عن السنوات العشر السابقة. وشغلت الحرب في سوريا المرتبة الثانية من حيثُ عدد الضحايا الذي بلغ 11 ألفا عام 2018.
وسجل التقرير فارقا هاما بين حالة الحرب في أفغانستان وسوريا، فبينما تدور المعارك في أفغانستان بصفة رئيسية بين التنظيمات المُعارِضة والحكومة، فإن سوريا تشهد نوعين من المعارك واحدة بين الحكومة والتنظيمات المعارضة والأخرى بين تلك التنظيمات وبعضها، فأشار التقرير إلى أن عدد ضحايا المعارك بين التنظيمات المُعارضة بلغ 7300 شخص أي بنسبة 66% من إجمالي عدد الضحايا في سوريا.
وبمقارنة هذه النتائج بمثيلاتها الصادرة عن مراكز بحوث أخرى، نجد تقارباً بين النتائج التي أوردها هذا التقرير وما ورد في تقارير بحثية أخرى. وعلى سبيل المثال فإن "مشروع توثيق أماكن وأحداث الصراعات المسلحة (Armed Conflict Location and Event Data Project)، الذي بدأ في جامعة ساسكس Sussex البريطانية ثم وصل نشاطه من عام 2014 كهيئة مستقلة في مدينة نيويورك الأمريكية -رصد في عام 2018 حدوث انخفاض ملحوظ في أعداد الضحايا الناتجة عن الصراعات المسلحة، بينما زادت أماكن الصراعات بنسبة 11%، وعدد الأطراف المشاركة فيها بنسبة 16%، وذلك عما كان عليه الوضع في 2017. وذكر أن 70% من أحداث العُنف في عام 2018 حدثت في 4 دول هي أفغانستان وسوريا واليمن والعراق، وأن أكثرها دموية هي أفغانستان.
الاتجاه الثالث:
يتصل بطبيعة هذه الصراعات والحروب وأطرافها، فتوصل التقرير إلى أن المصدر الرئيسي للعنف في العالم ينبع من نوعين من الصراعات والحروب: الأول هو الحالات التي تم تدويلها وتشارك فيها دول أجنبية.
ولاحظ التقرير ازدياد عدد الدول الإقليمية والدولية المتدخلة والمتورطة من خلال الدعم المالي والعسكري واللوجستي لأحد أطراف الصراع وذلك في الخمسة عشر عاماً الأخيرة، مضيفا أن التدويل يمكن أن يؤدي إلى زيادة أمد الصراع، وذلك نتيجة لتعدد الأطراف والأجندات والأهداف ما يترتب عليه تعقد الصراع وصعوبة الوصول إلى تسوية أو حل له. وأنه في أحيانًا أخرى يؤدي إلى تخفيض حدة الصراع وزيادة فرص حله، وأن العنصر الحاكم في تأثير التدويل هو مدى وجود توافق بين الدول الكبرى المتدخلة في الصراع أو التعارض بين أهدافها. أما المصدر الثاني للصراعات والحروب بحسب التقرير فيتمثل في الحالات التي تقوم فيها أطراف من غير الدول بدور مهم مثل المليشيات والتنظيمات المُسلحة، فمثل هذه الأطراف عادة ما تتكاثر ويتزايد عددها بسبب الانقسامات والانشقاقات الداخلية التي تجمع في أعضائها بين المؤمنين بهدف سياسي أو أيديولوجي ما و"أمراء الحرب" الذين يحققون ثروات ومكاسب طائلة من جراء استمرار القتال.
الاتجاه الرابع:
يتصل بالعوامل أو المحددات المحفزة للصراعات والحروب واستخدام العنف، ويعد التقرير أن التنظيمات السياسية التي توظف الدين لأغراض التعبئة السياسية بهدف الوصول إلى الحكم ونزع الشرعية عن خصومها التي وصفها بحركات "الإسلام السياسي" هي أهم مصدر للعنف. فسجل أن 9 من كل 10 ضحايا في عام 2018 كان في سياق صراعات وحروب، وكان أحد أطرافها يمتلك طموحًا سياسيًا مؤسسًا على منطلقات متشددة مثل تطبيق الشريعة وإقامة ما يُسمى بـ"الدولة الإسلامية" أو الصراع المذهبي بين طوائف دينية. ويلي ذلك عامل الصراعات القومية والنزوع إلى الحُكم الذاتي أو الاستقلال مثل حالة الأكراد في تركيا وإيران، والجماعات الإثنية في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية.
ويتعرض التقرير لحالات الحروب في المنطقة العربية، فأشار إلى الحرب في اليمن مبينًا ارتفاع عدد ضحاياها في عام 2018 ليصل إلى 4500 شخص وذلك مقارنة بعدد 2000 شخص خلال عامي 2016 و2017 ثم عرض الحرب في الصومال التي تدور بين الحكومة وحركة الشباب فذكر أن عام 2018 هو الأكثر سوءًا من حيث عدد الضحايا منذ أن بدأت الحرب عام 2008، وأنه منذ ذلك الوقت تراوح عدد الضحايا من عام لآخر فكان أدناه 900 وأقصاه 2700 شخص.
أما بالنسبة للعراق، فقد كان تقدير مؤلفي التقرير أن الوضع في عام 2018 تحسن كثيرا ولم يعُد من الممكن وصفه بحالة الحرب، فقد انخفض عدد الضحايا من 10 آلاف شخص عام 2017 إلى 831 شخصا في العام التالي أي بنسبة 83%.
من الواضح أن الصراعات والحروب التي ركز عليها التقرير تنتمي إلى دول تسكنها أغلبية مسلمة، ما يشير إلى أنه يعدها "المخزن" أو "المستودع "الأساسي للعنف في العالم. وهو اعتقاد تؤكده إحصاءات المفوضية السامية للاجئين بالأمم المُتحدة التي أعلنت في تقرير لها عام 2019 أن عدد اللاجئين والنازحين في عام 2018 قد ازداد بنحو 2.3 مليون شخص عما كان عليه في عام 2017. وبصفة عامة فإن ما يقرب من ثلثي عدد اللاجئين والنازحين في السنوات العشر الأخيرة أتوا من بلاد عربية وتصدر السوريون القائمة.
وعندما انتقل التقرير إلى دول أخرى كان أولها ميانمار، وللغرابة فإنه يضعها ضمن قصص النجاح في التعامل مع الصراعات، وأنها نجحت في الوصول إلى اتفاق بوقف إطلاق النار عام 2014، وأن عدد الضحايا فيها انخفض إلى أقل من 100 شخص عام 2018.
يتجاهل التقرير سياسات الاضطهاد التي اتبعتها سلطات ميانمار تجاه أقلية "الروهينجا" وهي أقلية قومية تدين بالإسلام؛ ما دفع ما يقرب من مليون منهم إلى اللجوء إلى دولة الجوار الجغرافي المباشر وهي بنجلادش، وهو عدد يفوق قدرة السلطات المحلية في هذه الدولة على استيعابهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية. ويعيش هؤلاء في ظروف معيشية وإنسانية سيئة ما دفع بنجلادش في مارس/آذار 2019 إلى الاستغاثة وطلب مساعدة الأمم المتحدة للتخفيف من أوضاع اللاجئين.
أشار التقرير إلى حالات أخرى في العالم، فذكر أن الصراع المُسلح في كولومبيا عاد إلى النشاط عام 2018 مُقارنة بالعام السابق، وكانت هي الدولة الوحيدة في أمريكا الجنوبية التي شهدت صراعا مسلحا في هذا العام.
ماذا عن مستقبل الصراعات في العالم؟ يشير التقرير إلى أنه من الصعب التنبؤ بهذا المستقبل في ضوء تعدد العوامل والأطراف المؤثرة على مسار الصراعات، ولكن من الأرجح أن يستمر الوضع الراهن خلال عام 2019.
وفي الحقيقة من الصعب للغاية التنبؤ بمستقبل صراعات لا تزال مشتعلة، وعلى سبيل المثال فإن الشهور الأولى من عام 2019 شهدت تصعيدا للقتال في سوريا على مختلف الجبهات خاصة في إدلب، كما شهدت تصعيدا مماثلا من تنظيم داعش في العراق وحملة الجيش في الصحراء ضده لاستئصال ما تبقى له من أوكار.
ويخلص التقرير إلى أنه باستثناء الوضع المأزوم في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان فإن أغلب الصراعات في العالم هي صراعات محدودة من حيث النطاق، وعدد ضحاياها يقدرون بالعشرات وذات تأثير ضعيف على الإقليم التي توجد فيه، ناهيك عن تأثيرها على السلم العالمي.
كما أضاف مؤلفو التقرير أن هذه النتيجة تؤكد ضرورة فهم ديناميات عملية الصراع ودورة حياته، وأهمية الإدارة الصحيحة لها بقصد تسكينها والتخفيف منها وصولًا إلى تسويتها وحلها في حالة نشوبها، أو الحيلولة دون اندلاعها أو منعها أصلاً.