إن شهية بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي مفتوحة لمزيد من الانتصارات داخل الجغرافيا اللبنانية، ويبدو أن حرب الجيش الإسرائيلي على مليشيات حزب الله اللبنانية، سيدفع لبنان الدولة والمجتمع ثمنها أكثر فأكثر مع مرور الوقت.
لاسيما في الأيام المقبلة قبيل تنصيب دونالد ترامب رئيساً في واشنطن في الـ20 من يناير/كانون الثاني المقبل، ولأسباب وعوامل عدة سأختصرها من خلال النقاط التالية:
أولاً: قدرة إسرائيل على تفكيك بنية حزب الله العسكرية ليست بنفس القدرة على إنعاش المستوى السياسي للمليشيات، فـ تل أبيب قضت فعلياً على جميع قادة المليشيا وقتلتهم في أيام معدودات، والأمين العام الجديد للمليشيا نعيم قاسم فر هارباً إلى طهران خلال الزيارة الأخيرة لعباس عراقجي وزير خارجية إيران إلى بيروت.
ثانياً: مقدرة التواصل مع من تبقى من قيادات حزب الله اللبناني منعدمة بشهادة كبار المسؤولين اللبنانيين، وحتى نواب حزب الله في البرلمان اللبناني قد استجار قسم كبير منهم بمبنى مجلس النواب في قلب العاصمة بيروت.
فهم يأكلون ويشربون وينامون هناك رفقة عوائلهم، بحسب ما قاله فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية السابق في مقابلة تلفزيونية موثقة قبل أيام.
ثالثاً: التواصل بين مرتزقة المليشيات والكوادر القيادية إن وجدت شبه مستحيل، وعملية تفجير أجهزة البيجر قبيل مقتل حسن نصر الله كانت لها الكلمة الفصل في تحطيم منظومة القيادة والسيطرة داخل الميليشيات، وقد اعترف بنيامين نتنياهو بها وبما خلفته رسمياً ولأول مرة من على منبر الكنيست الإسرائيلي قبل ساعات قليلة.
رابعاً: لجوء إيران إلى إرسال أسلحة وذخيرة للميليشيات في لبنان عبر الحدود السورية اللبنانية أمر يمثل مخاطرة كارثية، وحتى سيارات {الڤان} كما يسميها اللبنانيون، تم اعتراض طريقها في بلدات ومدن لبنانية وهي تحمل السلاح القادم للحزب على قلته.
وهذا مؤشرٌ على صعوبة الوضع الميداني، ورصد إسرائيل لكل شاردة وواردة في هذا الصدد، ناهيك عن اعتماد قسم من اللبنانيين على ما يسمونه {الأمن الذاتي} في مناطقهم لمراقبة هذا التهديد خوفاً من غارات إسرائيلية محتملة عند مرور تلك القوافل الصغيرة.
خامساً: إسرائيل لم تعد معنية بهدنة حقيقية مع إيران على أرض لبنان على عكس ما يحاول فعله عاموس هوكشتاين مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى لبنان.
وحتى نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني بصفته ممثل عن حزب الله يسعى إلى إشاعة أجواء تفاؤل غير منطقية، خصوصاً وأن الإدارة الأمريكية الحالية راحلة بعد أسابيع قليلة، ونتنياهو لم يعد يهتم كثيراً لما تطلبه واشنطن، فهو ينتظر دخول الرئيس ترامب مكتبه البيضاوي لتدشين مرحلة جديدة، ربما تكون مختلفة تماماً وأكثر قسوة وإيلاماً لإيران.
سادساً: إسرائيل ترى في وقف إطلاق النار جنوبي لبنان الآن خسارة قد تنسف إلى المنجزات التي حققها جيشها وأجهزة استخباراتها، وهي تنوي إبادة مليشيات حزب الله، بحسب ما قاله مجدداً وزير دفاع إسرائيل الجديد يسرائيل كاتس.
بل وقال رئيس الأركان الإسرائيلي هيرفي خلال جولة له على قرى الجنوب اللبناني: إن جيش إسرائيل لا يستبعد اجتياح بيروت لإنهاء حزب الله إن تطلب الأمر.
سابعاً: الخوف الذي يهيمن على الطبقة السياسية في لبنان متعدد الأوجه، فالبرلمان مغلق حتى إشعار آخر بأمر من نبيه بري، وانتخاب رئيس الجمهورية تحت قبته مسألة ترفضها إيران وتعدها تنازلاً، وتوفد كل حين مسؤولاً كبيراً لمقابلة نبيه بري، والحكومة اللبنانية مشلولة تماماً، ومساحة تحركات رئيسها نجيب ميقاتي لا ترتقي أبداً لمستوى الكارثة، والكتل المعارضة لحزب الله و إيران تحولت إلى ظاهرة صوتية لا تقدم ولا تؤخر ولا تؤثر، والجميع ينتظر الحلول من الخارج.
أخيراً، ما يحتاجه الأمر لإنقاذ لبنان بحسب المراقبين ليس صعباً، بقدر كونه فصل المسار الرسمي للدولة عن مغامرات حزب الله الخادمة لإيران، والسعي لتطبيق القرارت الدولية ذات الصلة بجدية، والشروع بخطوات فعلية لنزع سلاح الميليشيات، أو أقله تبني هذا النهج الذي نص عليه اتفاق الطائف قبل عقود، وما سوى ذلك هو وهم سيحذف الكثير من فصول الاستقرار في لبنان، وسيجعل البلد برمته في مهب رياح العملية البرية العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة في وتيرة سريعة، والغارات الجوية التي تزيد يوماً بعد يوم لتشمل مناطق جديدة في العاصمة بيروت والمدن اللبنانية الأخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة