لماذا وصلت قمة فارنا التركية الأوروبية إلى طريق مسدود؟ لأن كل طرف تمسك بما يقوله ويريده وكرر مواقفه المعروفة
لماذا وصلت قمة فارنا التركية الأوروبية إلى طريق مسدود؟ لأن كل طرف تمسك بما يقوله ويريده وكرّر مواقفه المعروفة، وانتقل النقاش من موضوع العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي، وخارطة الطريق المعلنة بهذا الخصوص؟ إلى البحث في سبل تخفيف التوتر وإلغاء قرارات تجميد التفاوض دون الوصول إلى أي تفاهمات واضحة حتى بهذا الخصوص .
ولأن جداول الأعمال تضاربت وتناقضت واختلفت غاية القمة وأهدافها بالنسبة لكل جانب، ولم نسمع بطرح تصور مشترك ينتشل العلاقات من الحضيض وتراجع المؤسسات السياسية الأوروبية عن تشددها ضد انقرة وسياساتها .
ولأن أوروبا تذهب إلى طاولة الحوار بعد ساعات على بيان رفض عملية غصن الزيتون وسياسة تركيا في شمال سوريا، وتنتهي القمة ليتحرك الرئيس الفرنسي ماكرون باتجاه مد اليد إلى قوات سوريا الديمقراطية في قصر الإليزيه متحدياً السياسة التركية في عفرين ومنبج .
ولأن النتيجة التي أُعلنت من قبل القيادات الأوروبية كانت عبارة عن قرار التفاهم حول مواصلة الحوار باتجاه العودة إلى طاولة الحوار في يوليو 2018 المقبل ، مقابل ما قاله الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية "تركيا ليست الدولة التي تنتظر أمام البوابة الأوروبية " .
القمة التركية الأوروبية التي دعا اليها رئيس الوزراء البلغاري بويكو بورتيسوف في محاولة لامتصاص التوتر المتصاعد بين الجانبين والتي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برأسي الترويكا الأوروبية الفاعلة رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك ومفوض شؤون التوسعة جان كلود يانكر ، انفضت محملة بالوعود والتمنيات والأحلام لا أكثر .
ما الذي تغير في المواقف والقرارات حتى نخرج متفائلين من قمة فارنا البلغارية؟ وهل الرد على هذا التصعيد والتوتر التركي الأوروبي سيكون حقاً عبر ما قاله أردوغان، حيث أشار مهدداً أوروبا باحتمال فتح الحدود مجدّداً أمام تدفّق اللاجئين العرب والأفارقة والآسيويين في اتّجاه العواصم الأوروبية؟
أردوغان خرج من اللقاء ليعلن "نأمل أننا تجاوزنا مرحلة صعبة في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي"، تصريح يعكس حقيقة أن المادة الوحيدة على طاولة المباحثات كانت البحث عن فرص جديدة باتجاه "بناء الثقة مجددًا بيننا وبين الاتحاد الأوروبي، ولكن القول إننا اتخذنا هذه الخطوة ليس كافيًا وإنما يجب أن تكون هناك إجراءات ملموسة " . في المقابل قيادات أوروبية تتساءل اليوم أين هي الوعود التركية المقدمة إلى بروكسل في العام 2003 وما الذي نُفّذ منها في قضيا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ؟
المجموعة الأوروبية تقول عودوا إلى ما قبل 15 عاما والوعود المقدمة، وتركيا تقول ارفعوا التأشيرات عن المواطنين الأتراك وخففوا قيود الاتفاقية الجمركية وقفوا إلى جانبنا في الملفات الإقليمية ونريد الصراحة والشفافية والصدق في الإجابة هل ستأخذوننا أم لا؟
بعد أيام فقط على مغادرة أردوغان لقمة فارنا البلغارية أغلق القضاء التشيكي ملف مطالبة تركيا بتسليم صالح مسلم المتهم بالوقوف وراء عمليات إرهابية في الداخل التركي، وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستقبال وفد رفيع من قيادات قوات سوريا الديمقراطية، مغضباً الأتراك، ودعت دول غربية مثل النمسا وألمانيا تركيا للبحث عن حلول أخرى في تنظيم علاقاتها بأوروبا غير انتظار العضوية، وكان البرلمان الأوروبي يوصي باتخاذ تدابير التصعيد ضد أنقرة بسبب سياساتها الداخلية والإقليمية .
آخر التطورات كان التصعيد التركي اليوناني المتواصل في إيجه بسبب انفجار أزمة الجزر المتنازع عليها .
قمة فارنا لم تعلن أي تطور في موضوع رفع قرار تجميد التفاوض مع أنقرة أو التراجع عن مواقفها حيال ملفّات سياسية وقانونية، تتعلّق بقضايا الحرّيات والديمقراطية وقوانين الطوارئ المعلنة في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف شهر يوليو 2016 . فالواضح إذا هو أن لا أحد يريد رمي المنشفة وسط حلبة المواجهة لكن ارتدادات المنازلة ستكون مكلفة على الطرفين إذا ما استمرت عملية توجيه الضربات بهذه القوة .
منذ عام 1959 و تركيا تنتظر قرار قبولها عضواً دائماً في المجموعة الأوروبية، لكنها تدرك جيدا أن ظروف وأجواء ما قبل 60 عاما تختلف تماما عن الأوضاع الراهنة وأن أوروبا الدول الست وسعت انتشارها ونفوذها إلى بوابة شرق المتوسط مع قبول قبرص اليونانية في الاتحاد عام 2004 وتمددت بأكثر من اتجاه ، وأن قوتها الاقتصادية والبشرية والعسكرية تدفعها لمراجعة مسألة حاجتها الماسة لتركيا خصوصا إذا ما كانت ستتحول إلى عبء عليها بدل أن تكون فرصة ووسيلة في تكريس نفوذها وهيمنتها الاستراتيجية .
أنقرة تردد أنها لن تقبل بأقل من العضوية الكاملة بعد حوالي 6 عقود من التريث على بوابة بروكسل، واوروبا الاتحادية تقول إن معايير وشروط الانضمام معروفة وأن التفاوض لا يكون سوى على أساس التزام الدولة المرشحة الالتزام بتبني وتنفيذ هذه الشروط.
غالبية الأتراك يرون أن لا مكان لهم في المجموعة الأوروبية كعضو كامل، وأن هذه الدول تحاول فقط لعب أوراق الوقت والفرص مع أنقرة، وأن العامل الديني وحده يكفي ليكون حاجزاً أمام منح تركيا ما تريد . لكننا لانسمع أحداً في صفوف القيادات السياسية التركية يعلن استعداده لتحمل المسؤولية وتبعاتها في الإعلان عن قطع شعرة معاوية مع المجموعة الأوروبية رغم كل التلويح بكثرة الخيارات والبدائل الاستراتيجية، ورفض لعب دور خط الدفاع عن أوروبا من الأزمات والمشاكل الشرق أوسطية أو التهديد الروسي .
هناك من يعتقد في أنقرة أن المجموعة الأوروبية نفسها ذاهبة نحو التفسخ والتشقق والزوال، وأن التقارب التركي الروسي والتركي الإيراني الحالي قد يكفي ليكون بديلاً عن الحلم الأوروبي، ومع ذلك نرى الرئيس التركي يعلن تمسكه بخيار العضوية الكاملة وعدم التراجع عنه "الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي سوف يبقى هدفًا استراتيجيًا لتركيا التي لن تسمح بعرقلة تحقيق هذا الهدف" .
مرة أخرى يبدو أن فسخ عقد الخطوبة التركية الأوروبية هو الخيار الأفضل من عقد زواج مهدد في كل لحظة . وأن هناك خيبة أمل تركية – أوروبّية متبادلة في موضوع تقدّم العلاقات نحو قبول طلب الالتحاق التركي، فلمَ المماطلة والتطويل؟
أوروبا تريد من تركيا أن تتحلى بالشجاعة وتقبل حقيقة أن حلم العضوية بات بين المستحيلات لأن المسافة تزداد تباعدا بين الطرفين في المعايير والأهداف، وأنقرة تقول إذا كنتم لا تريدوننا فاعلنوا ذلك، لكن أحدا في الطرفين لا يريد أن يتحمل مسؤولية إعلان الفشل ومواجهة الحقيقة بشجاعة .
قبل أسابيع كان البرلمان الأوروبي يصوت على مشروع قرار تجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد ، والذي لا يعكس فقط حقيقة الوصول إلى نقطة اللاعودة في مسألة العضوية التركية، بل مستوى التأزّم الذي وصَلت إليه العلاقات التركية - الأوروبية وكان جان كلود يونكر، رئيس المفوضية يقول إنّ تركيا ليست في موقع يؤهّلها لنَيل عضوية الاتحاد الأوروبي في أيّ وقت قريب . وكان إبراهيم كالين الناطق باسم الرئاسة التركية يصف"قرارَ البرلمان الأوروبي بالمخزي، في الوقت الذي أخفقَت فيه أوروبا في معالجة القضايا الحقيقية من تنامي العنصرية وكراهية الأجانب والجماعات المناهضة للهجرة والتطرّف والعزلة والإسلاموفوبيا " . فما الذي تغير في المواقف والقرارات حتى نخرج متفائلين من قمة فارنا البلغارية؟ وهل الرد على هذا التصعيد والتوتر التركي الأوروبي سيكون حقا عبر ما قاله أردوغان،حيث أشار مهدداً أوروبا باحتمال فتح الحدود مجدّداً أمام تدفّق اللاجئين العرب والأفارقة والآسيويين في اتّجاه العواصم الأوروبية؟
مرة أخرى نقول يكفي الجانبين هذه العلاقة المطّاطة مثل حبّة العلك في الفم تَسحبها تَطول بقدرِ ما تشاء، إلى أن تنقطع فتعيدَ مضغَها وتجميعَها مجدّداً لتسحبِها مرّةً أخرى تتسلّى بها إلى أن تملّ .
الرئيس التركي طالب العواصم الاوروبية أكثر من مرة أن تهتم بشؤونها والتخلي عن أسلوب الكيل بمكيالين في مسائل الحريات وحقوق الإنسان "الغرب لا يريد لتركيا أن تكون دولة ديمقراطية قوية ". وتركيا تذكر الأوروبيين مرة أخرى أن الأسباب الحقيقية لعدم الرغبة في قبولها أوروبيا هي دوافع سياسية ودينية وعرقية وسكانية بالدرجة الأولى .
نتائج استطلاعات الرأي في تركيا لا تتغير تقريبا. أكثر من ثلثي الأتراك يريدون أن يروا تركيا عضواً كاملاً يأخذ مكانه بين المجموعة الأوروبية لكن أكثر من ثلثي الأتراك أيضا لا يثقون بالأوروبيين أنهم سيقبلون أن يروا تركيا بينهم، الاتفاق الوحيد الذي تم الوصول إليه كما يبدو هو عدم قطع شعرة معاوية في العلاقات بين الطرفين.
الذي لا يعرفه الكثير من الأتراك أن شرط قبول بلادهم عضواً كاملاً في المجموعة سيتطلب الإجماع و موافقة جميع دول الاتحاد على طلب العضوية، وأن ما تقوله القيادات السياسية في بعض دول المجموعة مثل النمسا وألمانيا وفرنسا وقبرص اليونانية، هو أن قبول الطلب التركي هو بين المستحيلات؛ وهو داخل ثلاجة الاتحاد ولن يخرج منها وسط هذه الظروف والمعطيات القائمة اليوم .
المراهنون على احتمال قبول أوروبا بتركيا شريكاً وعضواً كاملاً في مجموعتهم عليهم أن يتابعوا مشهد من يريد النزول عبر درج كهربائي صاعد متى سيصل، وكيف وبأية حالة سيكون عليها؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة