ما بين مؤيد ومعارض.. "العين الإخبارية" ترصد ظاهرة الورش الإبداعية بمصر

الورش الإبداعية تنتشر خلال السنوات القليلة الماضية في عالمنا العربي بهدف نقل خبرات الكتاب المتمرسين إلى المبتدئين من الشباب
انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية في عالمنا العربي الكثير من الورش الإبداعية بهدف نقل خبرات الكتاب المتمرسين إلى المبتدئين من الشباب، وأدى انتشار هذه الورش إلى طرح عدة أسئلة حول جدواها وقيمة ما تنتجه من أعمال تتفاوت في جودتها، فضلا عن المكاسب التي يجنيها المدربون معنويا.. "العين الإخبارية" ناقشت بعض المبدعين الذين خاضوا هذه التجربة.
البداية كانت مع الروائي محمد عبدالنبي، الذي قال: "حتى اللحظة لا تزال مسألة تعليم وتعلم الكتابة الإبداعية لا تجد ترحيبا كبيرا في الأوساط الأدبية بعالمنا العربي، لأسباب ودعاوى عديدة، منها مثلا أن الإبداع الأدبي لا بد أن يعتمد في الأساس على الموهبة الفطرية والسليقة، وأن التوجيه قد يشوّش تجربة المبدع العفوية الحرة".
ويرد الكاتب الذي وصلت روايته "في غرفة العنكبوت" للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية بأنه "لا يوجد فن في غنى عن التدريب لممارسته، لكن حين يتعلق الأمر بالكتابة ستلاحظ الامتعاض والنفور إزاء مبدأ التدريب والتعلُّم، كأن الإنسان إمَّا أن يولد كاتبا كبيرا وإما أنه لن يستطيع أن يكتب سطرا جيدا أبدا، وهي أسطورة علينا هزيمتها بداخلنا الآن وفورا".
ويكمل عبدالنبي متحدثا عن ورشته التي أقامها بعنوان "الحكاية وما فيها"، واستمرت لعدة دورات موضحا أن "تعليم الكتابة الحقيقي لا يفرض على المتعلم أي شكل أو أسلوب لكتابته، بقدر ما يمنحه الأدوات اللازمة لاكتشاف صوته الخاص وتطوير أسلوبه وامتلاك التقنيات، وعليه فمن الطبيعي أن نجد كاتبين حضرا نفس الورشة ويقدمان منتجين مختلفين من حيث المستوى الفني".
ويتابع: "كان من بين نتائج هذا التوجه الإقبال على قراءة نوعية خاصة من الكتابات البعيدة عن الأعمال النقدية الرصينة والغامضة على المبدتئين غالبًا، تلك الكتابات التي تهدفُ إلى الأخذ بأيدي شباب الكتّاب أو الراغبين في التطوّر من أصحاب التجارب".
ومن جهته يقول الكاتب المصري المقيم بالإمارات وليد علاء الدين، والذي أقام عدة ورش إبداعية بمصر والإمارات العربية المتحدة: "الورشة الإبداعية انتشرت عربيا وبشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وهي في المجمل ظاهرة صحية، تنم عن زيادة وعي بدور الكلمة المكتوبة، حتى لو كان الأمر نتيجة لطلب متزايد على كتابة أنواع أدبية بعينها طلبا للشهرة أو أملا في الحصول على ما يُرصد لها من جوائز مغرية، وأيا كان الدافع، ففي النهاية الفرز متروك للزمن، ولا مشكلة إذا زاد الكمُّ وتراجع الكيف مؤقتا، لأن هذا الكم يشكل بيئة ثرية ووسطا مفيدا، يسمح بظهور إنتاج نوعي مميز".
ويضيف علاء الدين: "في مقدمة تلك الفوائد وجود هذا الكم الكبير من محاولات الكتابة، وهي وثائق اجتماعية دالة، وشهادات غنية على ملامح العصر من زوايا عديدة وخلفيات متنوعة ثقافيا واجتماعيا ودينيا وربما عرقيا، وشهادات لا يمكن توفيرها بأي حال من الأحوال وبموجب أي رغبة من الرغبات داخل تجربة ميدانية أو بحث علمي مهما بلغت ضخامة الميزانيات المرصودة له".
ويشير علاء الدين إلى أنه يباشر تنظيم ورشة "اقتناص الخيال" خلال معرض الإسكندرية الدولي للكتاب الذي بدأت أعماله حاليا، ويقول: "علينا تأمل انشغال الشباب بمحاولات التعبير عن أنفسهم بالكتابة، أو الحصول بواسطتها على نظرة احترام وتقدير اجتماعي، والتفكير فيها بديلا للانكفاء على الذات والإحباط، أو الانخراط في تيارات التطرف والإرهاب لمعاقبة المجتمع الذي أهملهم".
ويتعجب علاء الدين من موقف الرافضين لهذه الورش، قائلا: "في ظني أن هذا الرفض الذي يبدو لي متعاليا، يعود في أساسه إلى خلل في المفهومين الأساسيين لعملية الكتابة الإبداعية، وهما: الكتابة، والإبداع. أضف إلى ذلك وجود خلل متوارث في مفهوم الموهبة ملتبس بأوهام حول أنها منحة من قوى أعلى في مساحة تشبه الوحي السماوي أو المدد الشيطاني".
ويرى الكاتب سامح سليمان مدرب التنمية الثقافية، وجود علاقة وثيقة بين العلوم والفنون وبين الفنون وبعضها البعض، وبين تنمية المهارات الشخصية والكفاءة العقلية والذهنية، معتبرا أن الموهبة أو تواجد الرغبة أو امتلاك الكاتب لمعرفة تقنيات الكتابة الأدبية أو الفكرية بأنها عناصر غير كافية.
ويوضح صاحب كتاب "صناعة المسخ" أن الهدف هو الوصول بالكاتب إلى إنتاج معالجات جديدة لموضوعات قديمة، وكسر الأطر المستهلكة ثم خلق أطر جديدة مرنة، أيضاً قوة الملاحظة وامتلاك ذاكرة سمعية وبصرية دقيقة، والربط بين عدد من الأحداث والأفكار التي يكتنفها ظاهريا عدم الترابط، والتحليل والوصول إلى استنتاجات يصعب على الكثيرين الوصول إليها".
وذكر أن من مريدي مدرسة إعداد الكاتب من خرج عمله الأول إلى النور بالفعل، مثل أيمن فاروق "رواية حلقات مفرغة"، ونورهان عبد الله "في عرس رجل أحببته"، ونسرين يوسف "قراءات نقدية".
أما الكاتب الصحفي والشاعر محمد خير، فقال إن الفكرة بدأت عندما طلبت منه الناشرة كرم يوسف تقديم ورشة عن القصة القصيرة بـ (الكتب خان)، وهو ما وافق رغبة كانت لديه في الفترة ذاتها تقريبا.
ويقول رئيس تحرير موقع "زحمة" الإخباري بشفافية كبيرة: "لم أحضر ورشة للقصة في حياتي ناهيك عن أن أشرف على واحدة، اطلعتُ سرًا على ورش دراما مطبوعة واكتفيت في العلن بالسخرية من الفكرة، لنقل إنني وافقتُ بسهولة على اقتراح كرم لأنه يوفر لي أشد ما يمكن أن يغريني: سلطة استعراض آرائي في الأدب والحياة دون أن يقاطعني أحد".
وتابعنا إلى التجربة إلى أن وصلنا لإصدار النصوص المختارة في كتاب أطلقت عليه عنوان "حكايات المعادي" نسبة إلى المنطقة التي يوجد فيها مقر الورشة، آملا بذلك خداع بعض سكان المنطقة لشراء الكتاب، لكن ذلك العنوان قررته فيما بعد، أما في البداية فقد أطلقنا على الورشة مؤقتا الاسم الذي كان يشغلني موضوعه "القصة: الفكرة والحكاية".
ويكمل "ناقشنا في ورشتنا الحكاية بمعناها الكلاسيكي، والفكرة بوصفها بذرة لا أكثر، والحق أن بعض الكتاب يخلط بين الأمرين، ومشينا على خطين شبه متوازيين، صنعنا مروحة أفكار واسعة في البداية وانتقينا بعضها، بدأنا نطوّر الأفكار ونخلق عالمها ونصل بها إلى مكان ما، في كل لقاء كانت الحكاية تتخذ أبعادها الجديدة، بعد أن انتهى كل مشارك من نسج حكايته وكتابتها، طلبت من كل منهم أن يكتب نصًا قصيرًا منفصلا ينتمي إلى عالم حكايته نفسها".
وأوضح أن المنتج الإبداعي لكل واحد من أعضاء هذ الورشة التفاعلية جاء كان شبيها بطبيعته التي رصدها خلال تفاعلهم سويا على مدار أكثر من 5 مرات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز