"رميات سياسية" بملعب كأس العالم.. قمصان وشارة و"نيران صديقة"
لطالما كان الفصل واضح بين كرة القدم والسياسة، لكن يبدو أن "الساحرة المستديرة" تفتح فصلا جديدا في علاقتها مع جماهيرها حول العالم.
وبعد أن كانت الكرة ترفع البطاقة الصفراء بوجه السياسة، تغير الحال، وبات المستطيل الأخضر محل لمحاولات حثيثة، وأحيانا مبتكرة لإرسال رسائل سياسية مختلفة.
وانطلاقا من بولندا والدنمارك مرورا بإيران ووصولا إلى البرازيل، تحاول السياسة فرض نفسها على كأس العام 2022 المقرر انطلاقه في منتصف نوفمبر/تشرين ثاني المقبل.
البداية من بولندا، حيث تعهد قائد المنتخب، روبرت ليفاندوفسكي، بارتداء شارة قيادة تحمل ألوان علم أوكرانيا خلال كأس العالم، تضامنا مع كييف في الحرب الدائرة مع روسيا.
وفي الملعب الوطني في وارسو، تسلم ليفاندوفسكي شارة القيادة من قائد منتخب أوكرانيا السابق، أندريه شيفتشنكو، في سبتمبر/أيلول الماضي، وتحدث عن "بادرة تضامن مع كييف".
وتنضم هذه الخطوة إلى قرارات ذات طابع سياسي طالت كرة القدم منذ بداية الحرب في فبراير/شباط الماضي، وكان أبرزها استبعاد منتخب روسيا من التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم بأوروبا.
"هجمة الدنمارك"
ومن وارسو، ركلت السياسة كرة القدم إلى الدنمارك، إذ قرر اتحاد كرة القدم في الأخيرة أن يرتدى لاعبو المنتخب الدنماركي المصنف العاشر على العالم، قمصانًا بشعارات مطموسة، كـ"انتقاد لسجل حقوق الإنسان في الدولة المضيفة قطر".
كما قررت الدنمارك تدشين قميص احتياطي أسود للمنتخب الدنماركي، لتكريم العمال المهاجرين الذين لقوا حتفهم أثناء أعمال بناء منشآت بطولة كأس العالم المنتظرة.
وتبدو الخطوة محاولة لتنفيذ وعد قطعه الاتحاد الدنماركي في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، بارتداء ملابس رياضية تحمل بعض الرسائل في بطولة كأس العالم.
وفي محاولة للالتفاف على قواعد الاتحاد الدولي "الفيفا" التي تحظر حمل القمصان رسائل سياسية، قررت الدنمارك أن تكون رسالتها عبر وضع شعارات الاتحاد والشركة المصنعة بشكل باهت على القمصان، وتدشين قميص حداد أسود.
بدورها، أعلنت اللجنة المنظمة لكأس العالم، رفضها ما ورد على لسان الشركة المصنعة لقمصان منتخب الدنمارك وما حملته القمصان من رسائل حول سلامة العمال المشاركين في بناء منشآت البطولة.
ونقلت صحف إسبانية عن اللجنة المنظمة قولها إن الاتهامات غير صحيحة على الإطلاق، وإن الدوحة تلتزم بحماية العمال.
"ضغط عالٍ إيراني"
لكن يبدو أن السياسة لم تكتف من مداعبة كرة كأس العالم عند هذا الحد، إذ أرسلت بينية عميقة إلى قلب طهران، وتماهت مع الأوضاع السياسية في البلاد والانتقادات لحالة حقوق الإنسان.
إذ دعت مجموعة حقوقية معروفة باسم "أوبن ستاديومز"، إلى منع المنتخب الإيراني من المشاركة في بطولة كأس العالم 2022، وأرسلت خطابا بذلك للاتحاد الدولي لكرة القدم.
وطالبت المجموعة في الخطاب بحظر مشاركة إيران في البطولة، عقابا لها على انتهاكات حقوق الإنسان، ومنع النساء من دخول ملاعب كرة القدم في البلاد رغم ضغوط الاتحاد الدولي رفع هذا الحظر.
وتساءلت في الخطاب "لماذا يمنح الاتحاد الدولي فرصة لمنتخب إيران، للظهور في البطولة العالمية، في وقت ترفض فيه السلطات الإيرانية احترام حقوق الإنسان وتقوم بتعذيب وقتل الشعب؟".
"مرتدة برازيلية"
بيد أن تمريرة السياسة البينية لم تجد طريقها إلى مهاجم يضعها في المرمى، إذ لم تستجب الفيفا إلى هذه الدعوات، وبالتالي ركلت السياسة الكرة إلى ملعب آخر؛ وبالتحديد في أهم ملعب للساحرة المستديرة.
فقميص منتخب البرازيل الأكثر تتويجا بكأس العالم في التاريخ، بات محل تجاذبات سياسية، ويعكس الانقسام الذي تعيشه البلاد بالتزامن مع انتخابات رئاسية يتنافس فيها اليسار واليمين على الحكم.
ومجرد شراء قميص المنتخب البرازيلي الذي طرحت نسخته الجديدة في الأسواق في أغسطس/آب الماضي، بات ينظر إليه كإشارة لدعم حكومة الرئيس اليميني جاير بولسونارو، في مواجهة مرشح اليسار للرئاسة، لولا دا سيلفا.
ويقول ماتيوس جامبا توريس، أستاذ التاريخ في جامعة برازيليا في تصريحات صحفية: "لقد أصبح قميص المنتخب البرازيلي ملطخًا بالمعنى السياسي منذ عام 2014".
فقبل ثماني سنوات، خرج ملايين البرازيليين إلى الشوارع للاحتجاج على الرئيسة آنذاك، ديلما روسيف، وهم يرتدون ألوان قميص البرازيل (يعكس ألوان العلم) وهم يطالبون بإقالة ممثلة اليسار من الرئاسة.
وفي عام 2018، استخدم الرئيس الحالي، بولسونارو، ألوان قميص البرازيل مرة أخرى كرمز لحركته السياسية.
وهذا العام أيضًا، كانت الألوان الأصفر والأخضر الممثلة لقميص منتخب البرازيل، هي الألوان الرئيسية في مؤتمرات بولسونارو الانتخابية.
ويقول جامبا توريس: "أصبح القميص الأخضر والأصفر رمزًا لتلك للسياسات المتعلقة بحكومة بولسونارو، مما يعني أن جزءًا كبيرًا من السكان لم يعودوا يتعاطفون معه" في ظل التأييد الشعبي الكبير للولا دا سيلفا.