حاملة القنابل اليدوية.. المقاتلة الأكثر تكريما في التاريخ
خلال حقبة الحرب العالمية الأولى، وقفت امرأة على منصات التكريم مرارا، لا لجاذبيتها، بل كأكثر الجنود شجاعة في ميدان المعارك القاسي.
إذ تنازلت امرأة صربية، تدعى ميلونكا سافيتش، عن شعرها المجدول وأظافرها المطلية بألوان جذابة، والتقطت قنابلها اليدوية وخرجت للقتال ضمن صفوف جيشها الوطني بكل ضراوة.
بالعودة إلى عام 1912، اتحدت دول البلقان معا لطرد الإمبراطورية العثمانية من أوروبا، وإنهاء نفوذها. ونجح تحالف البلقان في تكوين جيش مشترك يضم أكثر من 750 ألف رجل، وامرأة واحدة على الأقل.
وكان على الصرب استدعاء 255 ألف رجل، أي نحو 9% من إجمالي السكان في ذلك الوقت، لذلك وسع الجيش الصربي البحث عن المجندين على أراضيه.
وفي قرية كوبريفنيتشا، تم استدعاء ميلون سافيتش للجيش، وكان يعاني من السل، لكن لم تتنصل عائلته من واجبها الوطني، إذ كانت تُعرف هذه المنطقة من صربيا بأنها بؤرة للوطنية الصربية.
وبدأت هنا القصة، قامت شقيقة ميلون، ميلونكا سافيتش، بقص شعرها وارتداء الزي الرسمي وانطلقت لتشارك في القتال مكان شقيقها مستخدمة اسمه،.
وكانت هذه مغامرة كبيرة بالنظر إلى أن قريتها لم يكن بها سوى 20 شخصا.
في ذلك الوقت، جرى تقسيم الصرب إلى أربع مجموعات، حارب الجزء الأكبر منها الجيش الغربي العثماني بالقرب من نوفي بازار، خارج قرية سافيتش.
بعد ذلك، انضمت سافيتش (في سن الـ24) إلى الفوج الحديدي، الذي تحرك على الفور إلى معركة كومانوفو، واحدة من أكبر معارك الحرب، في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1912.
وشملت الحرب هجوما عثمانيا مفاجئا في البداية، وصمودا صربيا في ميدان المعركة، ثم حصار الصرب للعثمانيين جنبا إلى جنب مع حلفائهم في الجبل الأسود واحتلوا شمال ألبانيا حتى انتهاء الحرب.
وبعد سبعة أشهر، انتهت المعركة الكبرى الأولى للمقاتلة سافيتش بطرد الأتراك بشكل أساسي من أوروبا، لتدخل إلى حربها الثانية سريعا.
وبسبب الغنائم، انقلبت بلغاريا على حلفائها، وتم إرسال الفوج الحديدي الذي يضم ميلونكا، في يوليو/تموز 1913، لأكبر معركة في حرب البلقان الثانية، حيث اشتبك ما يقرب من مئات الآلاف من الصرب مع أفضل المقاتلين في بلغاريا.
وكانت خطة البلغار هي مفاجأة الجيش الصربي، وحاولوا ضرب وسط الخطوط الصربية، والتي تصادف وجود سافيتش فيها.
وتمثلت قوة سافيتش الكبرى في قدرتها على إلقاء قنابل يدوية على العدو، وقد فعلت ذلك مرارًا وتكرارًا في هذه الحرب، حيث ركضت مباشرة (بقنبلة) إلى قوات هجومية 10 مرات.
ونظرا لمساهماتها، حصلت على ميدالية البسالة ونيشان قنبلة يدوية على الصدر.
ونقلت سافيتش إلى المستشفى الميداني لإصابتها بشظايا، حيث اكتشف الجيش الصربي سرها، لكنهم لم يقوموا بتسريحها؛ بل منحوها ترقية.
بعد ذلك، انتقل الصرب بعد انتصاراتهم المتتابعة إلى المرحلة الكبرى، الحرب العالمية الأولى، إذ كانوا مقتنعين بأن البوسنة والهرسك تنتمي إليهم، وليس إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية، التي ضمتها في عام 1908.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، قاتلت سافيتش بضراوة في معركة كولوبارا التي جمعت النمسا وصربيا عام 1914.
وانطلقت سافيتش حاملة قنبلتين يدويتين وبندقيتها، وقامت بتطهير خندق نمساوي بمفردها بهذه القنابل اليدوية.
وفي مشهد تظنه دراميا، ركضت إلى الخندق التالي، حيث استسلم 20 جنديا من قوات النمسا، لتعود بهم كأسرى.
ولم تتوقف عند هذا الحد، إذ اعتدت على خندق آخر بالقنابل اليدوية، ولم تنته ضراوتها في أرض المعركة حتى أصابتها شظايا قذيفة مدفعية في رأسها.
ولشجاعتها في كولوبارا، حصلت سافيتش على أعلى ميدالية يمكن أن تمنحها صربيا، نجمة كاراجوردجي مع السيوف.
وخسرت النمسا المعركة واضطرت للانسحاب من صربيا، لكن لم تنته مسيرة ميلونكا سافيتش، إذ كانت صربيا محاطة بالمخاطر، بلغاريا والنمسا وألمانيا والإمبراطورية العثمانية، وقاتلتهم سافيتش جميعا
وفي عام 1916، حصلت على نجمة كاراجوردجي أخرى مع السيوف، لدورها في تنظيف الخنادق المليئة بالبلغاريين عن طريق إلقاء القنابل اليدوية عليهم، كما تمكنت من القبض على 23 أسيرا.
وأصيبت سافيتش بما مجموعه 9 مرات خلال حروبها الثلاث. كما حصلت على 12 ميدالية، بما في ذلك وسام الشرف الفرنسي، وصليب سانت جورج الروسي، والميدالية البريطانية من وسام القديس مايكل، وميدالية ميلوس أوبيليتش الصربية.
وكانت ميلونكا المرأة الوحيدة في كل الحرب العالمية الأولى التي حصلت على وسام كروا دي غور الفرنسية.
وعرضت فرنسا عليها إقامة في باريس بمنزل ومعاش تقاعدي بعد الحرب، لكنها لم ترغب في مغادرة صربيا.
وبدلا من ذلك، أصبحت سافيتش عاملة مصنع وطباخة ثم ممرضة وبواب في صربيا، وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت تدير مستشفى.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4zIA== جزيرة ام اند امز