عام على حكم رئيسي في إيران.. مسار نووي "متعثر" وقمع لا يهدأ
تحل الذكرى الأولى لتولي الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، السلطة وسط مسار مفاوضات نووية متعثرة وقمع لا يهدأ للمعارضين.
وتشهد إيران حملة أمنية تتخللها إعدامات بأعداد غير مسبوقة منذ سنوات واعتقالات واسعة لمعارضين للنظام استهدف بعضها عددا من أبرز المخرجين السينمائيين ومحاكمات لمواطنين أجانب نددت بها عائلاتهم على اعتبارها صورية.
ويبدو أن أيا من شرائح المجتمع لم يسلم من قبضة السلطات، بحسب ناشطين، إذ طالت الحملة ناشطين في نقابات العمال وآخرين يعارضون إرغام النساء على وضع الحجاب فضلا عن أتباع الأقليات الدينية.
ويواجه رئيسي والمرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي، أزمة اقتصادية ترافقت مع سلسلة كوارث بما في ذلك انهيار مبنى أسفر عن سقوط قتلى في آبادان في مايو/أيار ما أشعل تظاهرات قليلة الحدوث.
وتعود المشاكل الاقتصادية في معظمها إلى العقوبات التي فرضت على إيران لدفعها للحد من برنامجها النووي. لكن لا توجد مؤشرات حتى الآن تدل على إمكانية اقتراب القوى الدولية والسلطات الإيرانية من تحقيق اختراق في المفاوضات الرامية لإحياء اتفاق العام 2015 النووي.
وقال خبير الشؤون الإيرانية في "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" والجامعة الأمريكية في بيروت علي فتح الله نجاد إن "الحملة الأمنية الحالية مرتبطة بشكل وثيق بتصاعد الاحتجاجات في إيران".
ولفت إلى أن الاحتجاجات التي خرجت في مختلف أنحاء البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2017 ونوفمبر/تشرين الثاني 2019 تركت بصمتها على القيادة الإيرانية. وبينما كانت في أساسها مدفوعة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنها "سرعان ما تحولّت إلى سياسية واستهدفت المؤسسة (الحاكمة) برمّتها".
وأكد لوكالة فرانس برس أن "التظاهرات الشعبية ما زالت تشكّل تهديدا لاستقرار النظام".
بث الخوف
وكان الازدياد الكبير في عدد الإعدامات لافتا إذ أعدمت إيران في النصف الأول من العام 2022 ضعف عدد الأشخاص الذين أعدمتهم في العام السابق، بحسب منظمة "حقوق الإنسان في إيران" Iran Human Rights غير الحكومية التي تتخذ من النرويج مقرا. وسجّلت المنظمة 318 عملية إعدام شنقا نفّذت هذا العام.
وقالت منظمة العفو الدولية إن إيران تشهد "فورة إعدامات" إذ باتت عمليات الشنق حاليا تمضي بـ"وتيرة مروعة". وذكرت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" أن عمليات الإعدام شملت عشر نساء، شنقت ثلاث منهن في يوم واحد في 27 يوليو/تموز بعد إدانتهن بتهمة قتل أزواجهن.
في الأثناء، استأنفت إيران أيضا قطع أصابع السجناء المدانين بالسرقة، إذ تعرّض منذ مايو/أيار شخصان على الأقل لهذه العقوبة المنفّذة بواسطة مقصلة وضعت خصيصا لهذا الغرض في سجن إيوين في طهران، بحسب منظمة العفو.
وفي 23 يوليو/تموز، نفّذت إيران أول إعدام علني على أراضيها منذ عامين.
ويشير مدير منظمة "حقوق الإنسان في إيران" محمود أميري مقدّم إلى أن "السلطات تستخدم الإعدامات واسعة النطاق لبث الخوف في المجتمع لمنع أي تظاهرات جديدة مناهضة للحكومة".
رد فعل قمعي تلقائي
وتتنامى حركة داخل إيران وخارجها تستخدم وسم #اعدام نكنيد (#edam_nakon) أي "أوقفوا الإعدام" تطالب بوقف استخدام عقوبة الإعدام في إيران.
وكان المخرج محمد رسول آف من بين الشخصيات الأبرز الداعية لوقف الإعدامات. وفاز فيلمه المؤثر المناهض لعقوبة الإعدام "لا وجود للشيطان" بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 2020.
لكن تم توقيف رسول آف مطلع يوليو/ تموز بعدما نشر مع مجموعة من المخرجين والممثلين رسالة مفتوحة في أواخر مايو/أيار تحض قوات الأمن على إلقاء أسلحتها" في وجه الاحتجاجات.
واعتقل بعد ذلك المخرج الحاصل على جوائز دولية عدة جعفر بناهي الذي بقي لسنوات غير قادر على مغادرة إيران، عندما ذهب بعد يومين للسؤال عن مكان تواجد رسول آف وقيل له إن عليه قضاء عقوبة بالسجن مدتها ست سنوات سبق وصدرت في حقه.
وينضم هؤلاء إلى معارضين معروفين آخرين خلف القضبان بينهم الناشطة الحقوقية نرجس محمدي التي تخشى مجموعات حقوقية من أن تكون في خطر بسبب مشاكل صحية أخفقت سلطات السجن في علاجها بشكل مناسب.
كذلك، شهدت الحملة الأمنية توقيف عدد من أقارب ضحايا قمع السلطات العنيف لتظاهرات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الذين طالبوا بالعدالة لأفراد عائلاتهم.
وقالت الباحثة المتخصصة بالشأن الإيراني لدى "هيومن رايتس ووتش" تارا سبهري فر إن "ما من سبب يدعو للاعتقاد بأن عمليات التوقيف تتعدى كونها خطوات خبيثة لردع الغضب الشعبي حيال إخفاقات الحكومة واسعة النطاق"، متهمة الحكومة باللجوء إلى "رد فعلها القمعي التلقائي القائم على توقيف المعارضين المعروفين".
أمر شائن
وشهد الشهران الماضيان أيضا عمليات توقيف استهدفت البهائيين، في إطار ما وصفها "مجتمع البهائيين الدوليين" بـ"أزمة متصاعدة في حملة الحكومة الإيرانية الممنهجة" ضد أكبر أقلية غير مسلمة في البلاد.
وما زال أكثر من 20 مواطنا أجنبيا أو من مزدوجي الجنسية قيد الإقامة الجبرية أو عالقين في إيران، بحسب "مركز حقوق الإنسان في إيران" CHRI ومقره نيويورك، في إطار سياسة تصفها عائلاتهم بأنها قائمة على احتجاز الرهائن بهدف انتزاع تنازلات من الغرب.
في يوليو/تموز، سمحت إيران للمواطنة الألمانية-الإيرانية ناهد تقوي بمغادرة السجن للخضوع إلى العلاج وأطلقت سراح المواطن الأميركي-البريطاني-الإيراني مراد طاهباز مع وضع سوار إلكتروني للمراقبة في كاحله. لكن ما زالا ممنوعين من مغادرة إيران، بينما يقبع في السجن أيضا مواطن بولندي وآخر بلجيكي إضافة إلى سويدي وفرنسيَين اثنين.
ومن بين المسجونين المواطن الألماني جمشيد شارمهد الذي خطف بحسب عائلته في الخليج في يوليو/تموز 2020 ويواجه الآن عقوبة الإعدام في محاكمة يتوقع بأن تُختتم في الأسابيع المقبلة.
وقالت ابنته غزال شارمهد لوكالة فرانس برس "هذه عملية ملفّقة هدفها اضطهاد المعارضين والصحفيين الذين يستخدمون حرية التعبير في العالم الحر.. السماح بحدوث ذلك أمر شائن".
يأتي ذلك أيضا بالتوازي مع مباحثات متعثرة مع القوى الكبرى الهادفة لإحياء الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي الذي انسحبت الولايات المتحدة أحاديا منه في العام 2018.
وفي ما يأتي أبرز التطورات المتعلقة بهذا الملف في عهد رئيسي الذي يتم الأربعاء عامه الأول في سدة الرئاسة.
مباحثات في فيينا
عند تولي المحافظ المتشدد رئيسي منصبه في الثالث من أغسطس/آب 2021، كانت المباحثات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي التي بدأت قبل أشهر في فيينا، معلقة منذ يونيو/حزيران.
أتاح الاتفاق المبرم بين طهران وست قوى دولية عام 2015، رفع الكثير من العقوبات عن إيران في مقابل تقييد أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها وعدم سعيها لتطوير سلاح ذري، وهو هدف لطالما نفته.
إلا أن مفاعيله باتت في حكم اللاغية اعتبارا من 2018، حين قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه وإعادة فرض عقوبات قاسية على طهران التي ردت اعتبارا من العام التالي، بالتراجع تدريجيا عن غالبية التزاماتها بموجب الاتفاق.
وأبدى خلف ترامب جو بايدن الذي تولى منصبه في يناير / كانون الثاني 2021، عزمه على إعادة بلاده الى الاتفاق بشرط عودة إيران لكامل التزاماتها.
في أبريل/ نيسان 2021، بدأت في فيينا بتنسيق من الاتحاد الأوروبي، مباحثات بين إيران والدول الأطراف في الاتفاق (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
وفي أواخر نوفمبر /تشرين الثاني 2021، استأنفت إيران والقوى الكبرى المباحثات في فيينا.
عراقيل إيرانية
في فبراير/شباط 2022، أعطت التصريحات نفحة إيجابية بإمكان انجاز تفاهم لإحياء الاتفاق النووي. الا أن الحرب الروسية الأوكرانية اعتبارا من 24 فبراير/شباط، ألقت بظلالها على المباحثات في ظل التوتر بين موسكو والدول الغربية.
قرابة منتصف مارس/آذار، أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق المباحثات.
في 16 منه، أكدت طهران حل نقاط خلاف عدة، مع تبقي "موضوعين" ضمن "الخطوط الحمر" لإيران لم يتم التفاهم عليهما.
في 21 من الشهر ذاته، أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس أن التفاهم "ليس وشيكاً ولا مؤكّداً".
في 30 مارس/آذار، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على مزودين لبرنامج إيران للصواريخ البالستية، في خطوة اعتبرت طهران أنها تعكس "سوء نية" واشنطن حيالها.
في 25 مايو/أيار، كشف مفاوض إدارة بايدن في المباحثات النووية روب مالي أن احتمال نجاح المفاوضات هي "أقل" من احتمالات انتهائها بالفشل.
إدانة وكاميرات
في الثامن من يونيو/حزيران، أقر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قرارا طرحته الولايات المتحدة ودول أوروبية، ينتقد إيران على خلفية عدم تعاونها مع الوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
انتقدت طهران القرار بشدة، وتزامن اتخاذه مع قيامها بوقف العمل بكاميرات مراقبة تابعة للوكالة في بعض منشآتها النووية.
دعت الوكالة، ومقرها فيينا، إيران لاستئناف الحوار بينهما "على الفور".
في التاسع من الشهر ذاته، حضت برلين وباريس ولندن طهران على وقف "التصعيد النووي" فورا، في حين دعتها واشنطن إلى وفق "الاستفزازات"، محذّرة من "أزمة نووية متفاقمة".
في 16 يونيو/حزيران، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على منتجين إيرانيين للبتروكيماويات، في خطوة لقيت انتقاد الرئيس إبراهيم رئيسي.
وبعد أيام، أكدت الخارجية الإيرانية أن المحادثات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي "لم تخرج عن طريقها".
فشل جديد بالدوحة
في 28 يونيو/حزيران، استضافت الدوحة جولة من المباحثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران بتنسيق من الاتحاد الأوروبي الذي أكد اختتامها بعد يومين من دون تحقيق التقدم المرجو.
أعربت الولايات المتحدة عن خيبة أملها لعدم تحقيق تقدم، بينما دعت الدول الأوروبية المنضوية في الاتفاق النووي إيران الى وقف التصعيد والتعاون مع الوكالة الدولية.
في الرابع من يوليو/تموز، اعتبرت إيران أن الولايات المتحدة تفتقر الى "المبادرة السياسية" لإبرام التفاهم.
في 13 يوليو/تموز، حذّرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا من أنّ "نافذة الفرصة" المفتوحة لإنقاذ الاتفاق ستغلق في غضون "أسابيع".
وفي اليوم التالي، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارة إلى إسرائيل، الخصم الإقليمي اللدود لطهران، من أن واشنطن ستستخدم "كل عناصر قوتها الوطنية" للحؤول دون امتلاك إيران للسلاح النووي.
وفي 15 يوليو/تموز، أكدت طهران أنها باتت "أكثر تصميما" على حفظ مصالحها في الاتفاق بعد زيارة بايدن.
وبعدما شددت طهران في 25 يوليو/تموز على أنها لن تتسرع في المباحثات النووية على رغم الضغوط الغربية، أكد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في اليوم التالي أنه طرح على واشنطن وطهران مسودة تفاهم، محذرا من "أزمة نووية خطرة" في حال الفشل في إحياء الاتفاق النووي.
aXA6IDMuMTM1LjIwOC4xODkg جزيرة ام اند امز