ترويع المدنيين.. يوميات رعب حوثية في شهادات يمنية
"لم نكن نتذوق طعم النوم، وكل ما كنا نفكر به هو اللحظة التي ستسقط فيها قذيفة أو صاروخ يطلقه الحوثيون على مساكننا".
هكذا يستعيد محمد علي بكري، اليمني القاطن في مدينة حيس جنوبي الحديدة غربي اليمن، مشاعر الرعب التي عاشها المدنيون طيلة السنوات الماضية.
رعب يختبره اليمنيون منذ انقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن قبل سنوات، في ترويع لا يزال مستمرا يوثق جرائم مليشيات وينتهك القانون الدولي الإنساني.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، تطرق محمد علي إلى جرائم القصف التي ارتكبتها مليشيات الحوثي في هذه المدينة والتي كانت تجعله يعيش أحداثها باستمرار إلى حد أنها سيطرت على مخيلته ودفعته للعيش في خوف دائم لسنوات.
ويضيف أن مشاعر الخوف من قذائف الحوثي طغت على سكان حيس كما هو الحال في مدن أخرى، مشيرا إلى أن تلك البلدة كانت ممرا مهما وطريقا للقوافل التجارية قبل عقود زمنية، قبل أن تعبث بها المليشيات.
وشاءت الأقدار أن ينشأ محمد علي في تلك المنطقة الزراعية، وكان يعتقد أنه محظوظ كسائر سكان تلك البلدة الريفية، لكن شيئا ما غير من الأجواء الهادئة وقلب حياة السكان رأسا على عقب.
وشكّل قدوم مليشيات الحوثي إلى البلدة بمثابة "الفأل النحس" وفق محمد علي الذي قال متحدثا عن ذلك: "فجأة بدأنا نتلقى القذائف، وكانت أصوات الانفجارات مرعبة".
وتابع أن تلك الأصوات كانت بمثابة دعوة تحذير للسكان بإخلاء مساكنهم لإعادة السيطرة عليها من قبل مليشيات الحوثي، وتحويلها إلى مراكز إطلاق القذائف والصواريخ على مناطق أخرى، مستعرضا صورة قاتمة لبلدته التي حولتها القذائف إلى مكان رعب وتهديد متواصل لسكانها.
محمد علي تحدث عن تفاصيل حزينة شكلت مأساة جماعية، قائلا إن "مليشيات الحوثي قامت بإمطار الأحياء السكنية بالقذائف وسقط عدد من المدنيين جراء ذلك، لكن الشيء المهم الذي كان يسيطر على تفكيرنا هو متى سيحل موعد سقوطها، ومن هو الضحية القادم".
رعب لا ينتهي
طيلة نحو أربع سنوات، عانى سكان الحديدة اليمنية ويلات القذائف التي تطلقها مليشيات الحوثي، وعاشوا في أجواء مرعبة بانتظار الضحية التالية.
يقول فهد راشد وهو مواطن آخر من المحافظة: "عشنا أجواء رعب حقيقي، وكنا نعيش على وقع الهلع من قدوم القذائف، وأكثر من عانى من السكان هم الأطفال، إذ كانت أصوات الانفجارات تحول لياليهم إلى جحيم".
وأضاف فهد، وهو أب لخمسة أطفال، متحدثا لـ"العين الإخبارية"، أن الكثير من الأطفال تأثروا بحوادث الانفجارات، وكان البعض منهم يبكي في أوقات لاحقة بلا أسباب حتى وإن كانت الأجواء هادئة.
ولفت إلى أن ما يعاني منه الأطفال ناجم عن تأثرهم بحوادث الانفجارات العنيفة التي كانت تهز المنازل، و"عرفنا لاحقا أنها حالات نفسية نتيجة الخوف الشديد من الأصوات المدوية، وما يقلقنا هو أن تترك تأثيرا طويلا على حياتهم".
حوادث مميتة
عادة ما تكون الرسائل المتبادلة بين السكان عبر تطبيق "واتساب" حول أسماء الضحايا صادمة، خصوصا في الأحياء البعيدة، حيث تورثهم رعبا قاتلا من أن يكونوا الضحية التالية، وهو ما يكبل يومياتهم ويشحنهم بمشاعر سلبية غالبا ما تقود نحو إصابات جسدية بالأمراض.
يقول فهد (45 عاما): "تلقيت ذات يوم رسالة عن سقوط أحد أصدقائي بقذيفة هاون أطلقتها مليشيات الحوثي، كان ذلك في أحد المساءات المرعبة".
وتابع: "شكل الخبر صدمة كبيرة، بل أشعرني بأنني الضحية القادمة، ولهذا تملكتني مشاعر الخوف وسيطرت على حياتي بشكل كلي"، مشيرا إلى أن "أكثر ما كان يخيفني هو تعرض أسرتي لسوء، وبالرغم من تزايد الهجمات إلا أنه لم يكن بمقدورنا النزوح إلى مناطق أخرى، لأن ذلك يكلف مبالغ مالية ونحن غير قادرين على توفيرها".
ولفت إلى أنه وعائلته كانوا "يختبئون في الغرف السفلية، وكنا نتجمع في مكان واحد وبشكل متلاصق، وهو ما يثير مخاوف الأطفال ورعبهم بشكل أكبر".
وشدد على أنه "من الصعب جدا إخفاء مشاعر الخوف أمام أطفالك، ورغم المواقف التي تستدعي إظهار قدر أكبر من الشجاعة أمام الأطفال، إلا أن دوي الانفجارات يجعلك تتخلى عما يفترض أن تكون عليه".
تحقيقات أممية
في محافظات أخرى على غرار مأرب وتعز وشبوة، شكلت قذائف الحوثي وصواريخها الباليستية التي تطلقها على الأحياء السكنية والطائرات المسيرة رعبا من نوع آخر للمدنيين، إذ لا تزال تقض مضاجعهم وتنشر أجواء من الخوف والذعر.
وبحسب تقرير أممي جرى تقديمه مؤخرا لمجلس الأمن الدولي، حقق الخبراء بشأن اليمن في 8 هجمات استخدم فيها الحوثيون ذخائر متفجرة بصورة عشوائية بمناطق مأهولة بالسكان في مأرب وتعز، ما أسفر عن مقتل 33 شخصا بينهم 8 أطفال، وإصابة 51 آخرين بينهم 11 طفلا.
ووفقا للخبراء، فإن هذه الهجمات تؤكد تجاهل الحوثيين لمبدأ التمييز ومبدأ حماية المدنيين، حيث لوحظ استخدام المليشيات للطائرات المسيرة الدقيقة للغاية في هجوم واحد على الأقل.
واعتبر التقرير أن الهجمات الحوثية الممنهجة على المناطق المأهولة بالسكان في تعز ومأرب على مسافة من الخطوط الأمامية النشطة، تشكل أعمالا تهدف إلى نشر الرعب بين السكان المدنيين، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني.