10 أيام على زلزال سوريا.. خسائر كارثية تستعصي على الإحصاء
بعد مرور نحو 10 أيام على الزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا وسوريا، ما زالت عمليات اكتشاف وإحصاء الأضرار مستمرة لكنها عاجزة عن الوصول لسقف.
يأتي ذلك بالتوازي مع عمليات الكشف على المباني وجرد المتضرر منها، سواء لهدمه، أو ترميم ما يمكن ترميمه، بعد أن انتهت فرق الإنقاذ من عمليات انتشال العالقين تحت الركام، ومع استمرار انتشال جثث الضحايا.
الأرقام التي يتم تحديثها على مدار الساعة، تكشف جانباً صادماً، سواء بعدد الضحايا، والذي وصل في سوريا، وفق آخر إحصاءات معلن عنها قابلة للزيادة بشكل مستمر، إلى نحو 3700 قتيل و15000 مصاب، موزعين على محافظات أربع رئيسية (إدلب ومناطق في الشمال السوري خارجة عن سيطرة الحكومة، وحلب وحماة واللاذقية)، بالإضافة إلى تشريد مئات الآلاف الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى، بسبب انهيار بيوتهم أو تضررها أو رعبهم من العودة إليها بسبب عدم الكشف عنها بعد، كما طاولت الأضرار محافظات أخرى من بينها طرطوس وريف دمشق.
وتسبب الزلزال، أو بمعنى أدق الزلازل الثلاثة التي ضربت البلدين، وما تبعها من هزات ارتدادية مازالت مستمرة بقوة متفاوتة بين 3 و5 درجات على مقياس ريختر، بخسائر كبيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية في سوريا التي تعيش حرباً اندلعت قبل نحو 12 عاماً، مرفقة بحصار اقتصادي تفرضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، علماً أن واشنطن قامت بتجميد بعض عقوباتها المتعلقة بعمليات إرسال الأموال، بعد حملات شعبية ضاغطة.
التعليم
وسُجلت خسائر كبيرة في قطاعي التعليم، والتعليم العالي، حيث تعرضت مئات المدارس لأضرار متفاوتة، بينها أكثر من 300 مدرسة في اللاذقية وحدها، وفق مديرية تربية اللاذقية، بالإضافة إلى خسائر بشرية في الكادر التعليمي. كذلك سُجلت أضرار في بعض الجامعات، وخسائر أيضاً في الكوادر التعليمية، لم يتم إحصاءها بدقة بعد.
وعلى صعيد الأبنية السكنية المتضررة، ما تزال عملية إحصاء الأضرار قائمة ومستمرة، حيث تقوم لجان فنية بعمليات مسح وكشف لجميع المباني المبلغ عنها، ويتم بشكل يومي إخلاء مبان في حلب واللاذقية بسبب خطورتها، كما يتم تنفيذ عمليات هدم مستعجلة للمباني شديدة الخطورة في حلب.
وعانت حلب بشكل كبير من الزلزال بسبب تعرض أبنيتها لأضرار كبيرة خلال سنوات الحرب التي عاشتها المدينة، حيث شهدت سقوط عدد من الأبنية بعد انتهاء الحرب، تسببت بمقتل وإصابة وتشريد المئات، الأمر الذي دفع إلى تشكيل لجنة خاصة أحصت تضرر مئات المباني، وتم وضع خطة إخلاء لها تم تنفيذ بعض خطواتها، قبل أن يضرب الزلزال المدينة، ويفاقم من حجم الكارثة.
البنية التحتية
وفي قطاع البنية التحتية، تسبب الزلزال بأضرار بالغة في عدد من الطرق الرئيسية، وفي شبكتي الكهرباء والهاتف، حيث ذكرت وزارة الكهرباء في بيان لها أن الخسائر المبدئية تصل إلى نحو 14 مليار ليرة سورية (يبلغ سعر صرف الدولار في سوريا حوالي 6700 ليرة وقت إعداد هذه المادة)، في حين سجلت شركة مياه الشرب انهيار وتضرر عدد كبير من خزانات المياه وأنابيب الضخ، كما تعرضت بعض المناطق الأثرية (مثل قلعة حلب و15 موقعاً أثرياً في حماة) لأضرار بعضها جسيم، بالإضافة إلى عشرات المساجد ودور العبادة.
نداء أممي
وأمام الأوضاع الكارثية، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نداء طارئاً لجمع نحو 400 مليون دولار لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، في وقت تتابع المطارات السورية استقبال طائرات المساعدات، والتي تجاوز عددها وفق آخر إحصائية (وقت كتابة هذه المادة) المئة طائرة، بينها ثلاثين طائرة من الإمارات، حملت على متنها مساعدات غذائية وإغاثية مستعجلة، كما تدفقت مساعدات عبر البر من جول الجوار (لبنان والعراق والأردن)، بالإضافة إلى مساعدات مالية تم إرسالها عبر شركات الحوالات من سوريين مغتربين لأقربائهم ولمنظمات محلية وفعاليات أهلية تقوم بعمليات الإغاثة، في وقت تم فيه فتح معبرين إضافيين مع تركيا لتمرير المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة في شمال غربي البلاد.
تحسن الليرة
وبالتوازي مع تدفق المساعدات، شهدت الليرة السورية تحسناً طفيفاً في سعر الصرف مقابل الدولار، حيث تراجع سعر الصرف حوالي 300 ليرة سورية وفق أسعار مصرف سوريا المركزي للحوالات الخارجية، غير أن هذا التحسن لم ينعكس على أسعار المواد في الأسواق، والتي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، قبل أن تعاود الليرة السورية خسارة بعض قيمتها مجدداً.
وبعيد وقوع الكارثة، أطلق مجلس الوزراء خطة عمل طارئة، بالتوازي مع إعلان المحافظات الأربع التي تعرضت للزلزال منكوبة، حيث تضمنت الخطة عمليات متوازية على مستويات عدة، إغاثية وطبية واقتصادية، بالإضافة إلى وضع خطط لترميم بعض البنى التحتية، وتأمين بدائل للسكن لمئات آلاف المواطنين الذين تسبب الزلزال بتشريدهم.
خبير اقتصادي: نحتاج دعماً دولياً
أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري، يرى خلال حديثه إلى "العين الإخبارية": "أن سوريا تعرضت خلال 12 سنة من الحرب لأضرار ودمار كبيرين جداً خلال الأعوام الماضية، وجاء الزلزال الكارثي ليضاعف من المأساة".
ويتابع: "أما مسألة تحديد الحجم الحقيقي لأضرار الزلزال ماتزال مبكرة، وتحتاج إلى وقت طويل بسبب حجم الكارثة الكبيرة، ولا يوجد أي جهة رسمية أو غير رسمية قادرة على إعطاء رقم صحيح ولو نسبياً".
ويشير الدكتور حزوري إلى أن: "الزلزال الذي ضرب جميع القطاعات الاقتصادية في سوريا، وخاصة في المحافظات المنكوبة حلب، اللاذقية، ادلب وحماة، وأثر بشكل مباشر على قطاع البنية التحتية والسكن بشكل خاص، وما نتج عنه من تأثير مباشر وغير مباشر على المنظومة الكهربائية والتعليمية والصحية والدفاع المدني الذي ثبت ضعفه بسبب العقوبات المفروضة".
ويضيف قائلاً: "الزلزال تسبب بتشريد مئات الآلاف من السكان، أصبحوا بلا مأوى، وبلا غذاء أو كساء، ومعظمهم لجأ إلى مراكز إيواء مؤقتة وإلى المساجد والكنائس".
حزوري، والذي يعتبر من أبرز الوجوه الاقتصادية الناشطة في مدينة حلب التي تعرضت لأضرار بالغة جداً جراء الزلزال، يقول: "في الوقت الحالي الأولوية لتأمين المواد الإغاثية للمتضررين، وتأمين مساكن بديلة بأقصى سرعة ممكنة".
ويتابع: "علماً أن عمليات الكشف على المباني المتضررة والمتصدعة نتيجة الزلزال ماتزال مستمرة وأعداد المباني التي ثبت تعرضها لأضرار بالغة كبير جداً، وتقرر يومياً لجان السلامة العامة هدم عدد من المباني التي أصبحت غير صالحة للسكن، ما يعني أننا نواجه أزمة تتعلق بتشرد عدد كبير من المواطنين، يتزايد بشكل شبه يومي، بالإضافة إلى الذين وجدوا أنفسهم خلال الدقائق الأولى في الشارع نتيجة الزلزال، الأمر الذي يتطلب جهداً استثنائياً مضاعفاً لمواجهته، ويحتاج دعم دولي كبير للدولة السورية، التي تعتبر إمكانياتها متواضعة جداً أمام حجم الكارثة".
وعن الوضع المعيشي للناس والأسعار وسعر الصرف، يرى الخبير الاقتصادي، أننا: "بالأساس نعاني من تضخم مفرط وغلاء يومي للأسعار، وتدني في القدرة الشرائية لدخل المواطن، ثم جاء الزلزال، الذي سبقه بأسبوع تقريباً قرارات في السياسة النقدية أصدرها البنك المركزي، ساهمت في تحسن كمية الحوالات الواردة عبر شركات الصرافة، وترافق ذلك مع زيادة تحويلات السوريين في الخارج لأهاليهم بعد الزلزال يضاف لها تدفق المساعدات الخارجية والتعاطف الشعبي العربي والعالمي مع المأساة السورية، ساهم في تحسين سعر صرف الليرة السورية".
ولضمان التحسن يقول الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب: "على الجهات المعنية أن تقوم بالسرعة القصوى للاستفادة منه، والعمل على إعادة دوران عمليات الانتاج في القطاعات المنتجة الصناعية والزراعية بشكل خاص التي تؤمن السلع والخدمات الضرورية للسكان".
ويستطرد: "كما نعلم سبب تراجع سعر الصرف سابقاً هو الحرب التي تجاوز عمرها الـ 12 عاماً، والتي نتج عنها حرمان سوريا من مواردها الطبيعية من النفط والغاز كونها خارج سيطرة الحكومة السورية، وأيضاً الأضرار البالغة في القطاعات المنتجة الصناعية والزراعة بشكل خاص التي كانت تؤمن اكتفاءً ذاتياً للسوق المحلية مع وجود فائض للتصدير يساهم في تأمين القطع الأجنبي، أما الآن فالتصدير قليل جداً وإن تم يكون عملياً على حساب الأمن الغذائي وهو أحد أسباب ارتفاع الأسعار في سوريا وتدهور الوضع المعيشي، كونه يتم على حساب حاجة الناس الحقيقية من أجل الحصول على القطع الأجنبي".
ويشير إلى أن: "التراجع الذي طرأ على تحسن الليرة السورية في اليومين الماضيين سببه تخوف الناس من الصرف المباشر لمدخراتهم لدى البنوك وشركات الصرافة، خوفاً أن يسألوا عن مصدر الأموال ولاسيما أننا لا نزال خاضعين لأحكام المرسوم 3 الذي يمنع التداول بغير الليرة السورية، والذي يحتاج إلى تعديل بأسرع وقت ممكن، وكذلك عن محاولة بعض التجار وممن يملكون سيولة بالليرة السورية، شراء القطع الأجنبي من السوق السوداء، مستغلين انخفاض سعر الصرف، مما ساهم بزيادة الطلب على القطع الأجنبي".
ويرى الدكتور حزوري: "المفروض العمل باتجاهين، الأول: ضرورة التصدي للمضاربين بحزم، والثاني: مراقبة الأسواق ومنع الاحتكار والضرب بيد من حديد لكل يحاول استغلال الظروف الراهنة ورفع الأسعار بشكل كبير جداً وشبه يومي".
aXA6IDMuMTQ1LjY4LjE2NyA= جزيرة ام اند امز