«جاي الزمان».. مرثية بصرية وثائقية لأشهر كتاب أغاني العندليب
«جاي الزمان» فيلم وثائقي طويل عن كاتب الأغاني الشهير محمد حمزة يطمح في استعادة عصر بأكمله بأبطاله وأغنياته وأحلامه وآماله وآلامه
في سينما أمير بالإسكندرية، وفي السادسة من مساء السبت 26 مارس، يُعرض الفيلم التسجيلي الطويل «جاي الزمان»، من إنتاج ماريان خوري، وسيناريو وإخراج دينا حمزة، عن والدها الشاعر الغنائي الراحل محمد حمزة؛ أشهر كتّاب أغاني العندليب عبدالحليم حافظ، خاصة في سنواته الأخيرة.
يعد حمزة جزءا ركينا من ذكريات وصبا أجيال عدة من المصريين؛ بدءا من سبعينيات القرن الماضي صعودا إلى الأجيال الجديدة في الألفية الثالثة، خاصة أن اسمه ارتبط بحزمة من أجمل أغاني عبد الحليم حافظ، فضلا عن ارتباطه بأسماء نجوم الغناء العربي في ذلك الوقت؛ وردة، وشادية، ونجاة، وعفاف راضي، ومحمد العزبى.. وكان حمزة رفيق مشوار الملحن العبقري بليغ حمدي، وشكلا معا ثنائيا فنيا خطيرا.
ألّف محمد حمزة الذي توفي في يونيو من العام 2010، ما يقرب من 37 أغنية لعبد الحليم حافظ وحده، ما زالت تعد إلى الآن من أجمل الأغنيات التي تحافظ على حضورها ورونقها في أذهان المستمعين، وما زالت تحظى بإعجاب كثيرين لدى إذاعتها عبر أثير البرامج الإذاعية والفضائيات المختلفة، وبلغت أعمال حمزة حوالي 1200 أغنية.
عنوان الفيلم مأخوذ من مقطع شهير من أغنية كتبها حمزة بعنوان "أي دمعة حزن لا"، من ضمن كلماتها "وقال إيه جاي الزمان يداوينا".. وهي واحدة من أشهر أغنيات عبد الحليم حافظ كتبها له ضمن مجموعة أخرى من الأغاني التي ما زال يرددها عشاق العندليب حتى الآن؛ منها على سبيل المثال: "موعود"، و"حاول تفتكرني"، و"زي الهوا"، و"مداح القمر"، و"نبتدي منين الحكاية"، و"سواح"، و"العيون السود"، و"جانا الهوى".. وغيرها.
من أشهر أغنيات حمزة أيضا التي كتبها لألمع مطربي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، "يا حبيبتى يا مصر" التي غنتها شادية، و"العيون السود" و"أحلى طريق" لفايزة أحمد، و"زي العسل" و"التحدي" لصباح، و"عيون بهية" لمحمد العزبي، و"جرحونا يابا" و"لا لا يالخيزرانة" لمحمد رشدي، و"حكاية وردية" لمدحت صالح..
في الفيلم التوثيقي «جاي الزمان» ثمة محاولة بصرية، ترجمت مشاعر دينا الشخصية تجاه والدها إلى "صورة"، الفيلم لا يعد إحياء لذكرى والدها فقط وإنما أيضًا محاولة للتغلب على صدمة موته.
يبدأ الفيلم بشابة تخلع حذاءها بتؤدة ثم تصعد حافيةً على طاولة وتلقي بنفسها من الشرفة منتحرةً. بعدها تعترف المخرجة أمام مجموعة علاج نفسي ذاتي أنها كانت تحلم بانتحارها. ولكنها تقول أنا بخير ثم تضع على وجهها ابتسامة مستسلمة، لا تخفي حزنها. من هنا، اعتبر شريف عبد الصمد في مقاله المهم عن الفيلم، أن «جاي الزمان»، يعد محاولة لمنح الموت مكانًا في الحياة، أو كما قالت إحدى المشاركات في جلسة لمجموعة المساعدة الذاتية التي كانت تحضرها دينا: "يجب على الإنسان ألا يستسلم أمام فناء الموت". وهكذا يشير الفيلم إلى أن الميراث الموسيقي لحمزة سيحافظ على الذاكرة الثقافية لمصر لفترة طويلة، كما يقوم فيلم دينا المليء بالشغف والمشاعر بالتأثير بصورة مريحة على المشاهد.
في مقاربته للفيلم، يكشف عبد الصمد أن دينا تظل معظم الوقت في الخلفية، في حين تفسح مجال الحديث لأختها التوأم دعاء وأخيها محمد وأصدقاء أبيها. تقول دينا أنا في رحلة بحث عن أبي لأني أفتقده، ولكني لا أريد زيارته وهو في قبره. وهكذا بدأت في البحث عن الأماكن التي كانت تربطها به مثل مبنى الإذاعة في ماسبيرو، أو شقة صديقه حليم المهجورة. كما نقبت عن التسجيلات المصورة لأعياد الميلاد التي تجمعهما، حيث كان يتواجد في خلفيتها. لقد كان يسعى دائمًا لأن يكون لدينا كل شيء، وكان يفضل أن يبقى في الخلفية، حسب وصف دينا الذي تسترجعه من ذكرياتها.
وعن طريق صور مثل مصعد خشبي يهوي ببطء إلى الأعماق ويمثل الماضي، أو أمواج متلاطمة في كل الاتجاهات تشير إلى كل شيء عدا إلى وجودٍ يسير في خط مستقيم، ترسم دينا صورة لحال من الحزن ولأجواء الفقد والفراغ.
وفي تسجيل نادر يوضح كيف كانت تتحدث مع أختها التوأم في شقتهم المهجورة، توضح الأخت أنها قررت بعد وفاة الأم أن تؤسس أسرة خاصة بها، لأنها كانت تعلم أن اليوم سيأتي الذي يتركهم فيه الأب أيضًا. في حين تعترف دينا أنها لم تضع في حساباتها وفاة الأب أبدًا.
الفيلم "مؤثر"، وفكرته جميلة، بذل فيه صنّاعه جهدا كبيرا، وهو جدير بالمشاهدة، بالرغم من ملاحظات أخذها البعض على السيناريو تحديدا، ولكنها في المجمل لا تقلل من موهبة دينا حمزة، ولا من طموحها في استعادة عصر بأكمله، بأبطاله، وبأغنياته، وبأحلامه، ويكون شفاء الروح في هذه الاستعادة المأمولة.
aXA6IDEzLjU5LjIuMjQyIA== جزيرة ام اند امز