صحيفة "السفير" باقية ومستمرة؟
ثلاث كلمات لا غير: "السفير باقية ومستمرة".. ثلاث كلمات كتبها بعض الصحافيين في "السفير" صباح الأحد، في إشارة إلى حلّ أزمة إقفال المؤسسة.
ثلاث كلمات لا غير: "السفير باقية ومستمرة".. ثلاث كلمات كتبها بعض الصحافيين في "السفير" صباح الأحد، في إشارة إلى حلّ أزمة إقفال المؤسسة المزمع في 31 مارس الجاري.
لم يكتب الزملاء أي شرح أو توضيح لتعليقاتهم التي كتبوها على "فايسبوك"، ولم يخرج أي إعلان رسمي عن إدارة الصحيفة، إلا أن مصدرا فيها أكد لـ"العين" أن "هناك أنباء شبه مؤكدة عن توفير تمويل جديد يساعد المؤسسة على الاستمرار ويجمّد قرار إقفالها".
لكن المصدر عينه اعتبر أن "التراجع عن قرار الإقفال كارثة بحد ذاته، إذ معنى ذلك أن الإدارة تاجرت بنا وتسوّلت باسمنا لتحصل على تمويل إضافي..".
بطبيعة الحال، أي قرار ستتخذه إدارة المؤسسة لن يخفف من هول ما يحصل فعلاً، لأنه في كل الأحوال، أحدث القرار والغموض الذي يلف خلفياته وآليته وتعويضات الزملاء، شرخاً بين المؤسسة والعاملين بها وفجّر قنبلة في الوسط الصحافي اللبناني الذي لم يستوعب حتى الآن قرار إقفال أعرف المؤسسات الصحافيه فيه، ولا يصدق فعلاً "أزمة الضائقة المالية" التي لم تجد أي حل لها..سوى الإقفال.
ويأتي كل هذا وسط موجة عارمة من حملات الرثاء للصحيفة وتاريخها من الصحافيين العاملين فيها والخارجين منها والوسط الصحافي اللبناني والعربي. لكن الرثاء لم يكن سمة هذه الحملات الوحيدة، إذ امتلأت الصحف والمواقع الإخبارية والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي بتحليلات لقرار الإقفال وحال الصحافة في ظل التمويل السياسي من جهة وثورة الإنترنت من جهة ثانية، وحملات تضامنية مع الزملاء في الصحيفة، الذين من المرجح ألا يتلقوا أي تعويضات مالية تعينهم على الصمود في بطالتهم.
ولم يرحم الوسط الصحافي "السفير" وإدارتها من الانتقاد الحاد لعدم دفع أي تعويضات لفريق العمل، وتحويل التمويل الذي يدفع للصحيفة للحسابات الخاصة لمالكيها..
وهو ما دفع أحد الزملاء بمطالبة أصحاب المؤسسات الصحافية والإعلامية بـ"جردة
بممتلكاتهم وممتلكات عائلاتهم الشخصية، ومن بعدها فليحدثونا عن "الضائقة الاقتصادية" و"الأزمات العالمية". وأضاف "نقابة المحررين مدعوة اليوم إلى الاستقالة طالما أنها تقف موقف المتفرّج من "المجزرة" التي تستهدف أكثر من 150 زميلاً وزميلةً في لقمتهم. لا نريد نقابة كرافاتات وصور وبيانات. نريد نقابة تدافع عن حقوقنا".
وكان للصحافي المعروف حسام عيتاني مقالاً نُشر في جريدة "الحياة" عنونه "ليتوقف هذا النواح"، انتقد مضمون "السفير" وخطها السياسي ومتاجرتها بالقضية الفلسطينية، فكتب " لقد انغمست الصحافة اللبنانية بكل أشكالها في الاقتتال الأهلي وفي النزاعات الإقليمية إلى العنق. ووصلت بها الرعونة في الأعوام القليلة الماضية حد التحريض المذهبي والطائفي والدعوة الصريحة لحرب أهلية جديدة". وأضاف "وإذا كانت الصحافة لا تهتم إلا بالتعرض لخصوم مموليها ولا هدف لها غير تملّق هؤلاء الممولين والتذلل لهم وتغيير سياستها يومياً لتتلاءم مع ضرورات المموّل حتى لو كان مجرم حرب وسارقاً للمال العام وتفوح رائحة فساده في البلاد بأسرها، فللقارئ الحق في التساؤل عن معنى وجود هذه الصحيفة أو تلك، باستثناء تأمينها الجرعة الصباحية من الكراهية والانغلاق والحقد".
وتساءل عيتاني "أي خدمة عامة تؤمنها الصحافة؟ أي قيم تروج لها؟ أهي المقاومة والممانعة ورؤية سطحية للقضية الفلسطينية جرى استهلاكها وغسلها وكيّها ثم بيعها وشراؤها وعرضها في أسواق المزايدة والمناقصة على مدى عقود؟
لا شفافية
وكتب الصحافي فداء عيتاني تقريراً موسعاً نشره على مدونته الخاصة تحت عنوان "عن المهنة ومؤسساتها"، تناول فيه عدم شفافية مصادر تمويل المؤسسات الإعلامية. وقال "تتسرب أموال المؤسسة إلى حسابات أصحاب المؤسسة، العائلة المؤسسة المصرفية، ويتحول صاحب المؤسسة إلى ثري، يبيع الجمهور المتابع لمؤسسته إلى هذه الجهة السياسية أو تلك"، وأضاف "لا يمكن لأحد أن ينكر أن إعلام لبنان يتعيّش من المصادر المالية المعروفة ولكن السرية بنفس الوقت، لم تنشأ جريدة في لبنان أو محطة تلفزيون دون أن يضع مؤسسها في رصيده مبلغا ماليا كافيا للتأسيس من جهة داعمة، ممولة، محددة أيضا لسياسته، وهو ما يعرفه أبسط مواطن لبناني، وبالتالي فإن الكل يعلم سلفاً أن المؤسسات إنما تنطق بلسان من يدفع لها، وليس بلسان مصلحة مواطنين، أو نخب، أو مبادئ أو غيرها من الشعارات الرنانة والفضفاضة".
واستذكر عيتاني (الذي عمل في السفير سابقاً)، جلسة بينه وبين رئيس تحرير الصحيفة طلال سلمان حول هذا الموضوع، فكتب:
"يومها قال لي طلال سلمان حرفيا جوابا على موضوع التمويل: أبو أسعد (صاحب بسطة دخان أمام مبنى الجريدة) يعرف مصادر تمويلنا، لم نُخف يوما من أين نأخذ المال، سواء في بداية انطلاقتنا أو اليوم، أخذنا من دول ومن منظمات ومن شخصيات، كيف يمكن أن ندفع الرواتب وأنت تعرف الأحوال؟"
وكتب الصحافي في "السفير" وسام متى "من حسنات أزمة حقوق العاملين في "السفير"، أنها قطعت كل ما يربطني عاطفيا بهذه الجريدة إلى الأبد، وبطريقة ممتازة تبدو أقرب إلى الطريقة التي يتبعها طبيب الأسنان في خلع ضرس نخره السوس".
وكتب الصحافي ثائر غندور "١٥٩ عاملا في جريدة السفير هم من نتضامن معهم في وجه إدارة قررت استعمال نفوذها للحفاظ على ثروتها وحرمانهم من تعويضاتهم".
من جهته توقف الصحافي جهاد بزي مطولاً عند حقوق الموظفين وكتب "ما دامت المؤسسة تخسر، لماذا لا يقسم ملكيتها بالتساوي بين الموظفين "جميعا". فليشاركوه الخسارة، بعدما لم يشاركوه لمرة الغنائم والمكاسب والأرباح وخلافه مما يعلم ونعلم "جميعا"؟ ربما اجترحوا حلولا أفضل من القضاء على وظائفهم وعلى الجريدة معا، ومن دون تعويض لائق لا لهم ولا للجريدة. ربما يتوافقون على انتخاب إدارة جديدة تجرب إنقاذ الصحيفة، وتكون بديلة عن الحالية التي تكتفي بالطلب قبل أسابيع من الكل المشاركة بـ300 كلمة في نعي الصحيفة، وتظل إلى اليوم الأخير ممتنعة عن تبليغهم رسميا بما ستقرره من تعويضات، لأنها على الأرجح تستحي بهذا القرار، وتريد رميه في وجوههم بعد الارتياح إلى أن العدد الأخير خرج من المطبعة. هذه الإدارة التي ترى أن العدد الأخير أهم بكثير من الموظفين، لأن هؤلاء "زائلون"، بينما العدد الأخير سينضم إلى ألبوم صور العائلة. لا. العدد الأخير ليس أهم ممن سيصنعونه".
وكتب الصحافي مصطفى رعد "هذه معركة حقوقية بحتة. النوستالجيا لا تقدم ولا تؤخر عندما يرمى الصحافيون خارج المؤسسة التي ساهموا في نهضتها لا ساهمت في نهضتهم. الصحافيون أبناء المهنة لا أبناء المؤسسة. هذه المعركة تطالنا جميعا، والحال أن جميع المؤسسات معرضة للإقفال وقضم الحقوق. المرحلة المقبلة: من سيشتري السفير؟ وما قصة المليون دولار التي تعهد أحد الوزراء بدفعها للصحيفة؟ وما قصة الزيارات المكوكية لوزير العمل إلى الصحيفة؟".
ولفت أحمد ياسين إلى أن "التّباكي على إقفال صحيفة "السّفير" لما تحمله الصّحيفة من رمزية، يجب أن لا يُنسينا من صنع رمزية الصّحيفة، أي العمال والصّحافيين العاملين فيها. ناشر السفير سيقفلها وفي حساباته البنكية ما يكفيه ليعيش مرتاحاً، لكن، من يعطي ١٥٠ عاملاً فيها حقوقهم؟ مقالاتٌ وداعية أم عددٌ أخيرٌ للذكرى؟ الذكرى ما بطعمي خبز، أنا#متضامن_مع_الزملاء_في_السفير".
أما رسام الكاريكاتير المعروف سعد حاجو والذي زينت رسوماته صفحات "السفير" لسنوات طويلة، فاختار رسماً لاذعاً يصور فيه مواطناً مسكيناً يحاول أن يتلمس طريقه في ظل جشع وغطرسة المالك- السلطة، وهو رسم منشور سابقاً في السفير، لكن حاجو عنونه هذه المرة بـ "من أرشيف من أرشيف لهم"، مصوّباً سهامه إلى المؤسسة التي ترفع شعار "صوت الذين لا صوت لهم".
aXA6IDE4LjIyNy4xOTAuMjMxIA== جزيرة ام اند امز