مشاكل اتحاد كتاب مصر تشرع السؤال عن أدوار الاتحادات العربية
أزمة اتحاد كتاب مصر طرحت السؤال عن وضعية اتحادات الكتاب في العالم العربي.. هل اتحاد الكتاب "نقابة" مستقلة أم "هيئة حكومية"؟
ما بين الاستقلالية والتبعية، الفعالية والتأثير والانشغال بشكليات فارغة.. دائما ما تثار التساؤلات حول حقيقة ووضعية الكيانات الثقافية التي عانت منذ البداية من ازدواجية وتناقض التأسيس، أبرزها في هذه الحالة اتحادات الكتاب في العالم العربي التي تعاني من أزمات ومشكلات مزمنة وطارئة على السواء.
ولعل الحالة المصرية هنا تبرز على السطح، كنموذج دال على ما تعانيه اتحادات الكتاب العربية.. أزمات لا تنتهي، معارك ومشاحنات، صراعات متأججة.. كلها أوصاف صارت ملازمة لأخبار ومتابعات كيان ينضوي تحته "كتّاب مصر"، باتت أخبار اتحاد الكتاب في مصر مادة مثيرة للسخرية والأسى معًا، أما السخرية فمما آلت إليه أوضاع واحدة من الكيانات القديمة التي تجمع تحتها طائفة الكتاب، مهنتهم الإبداع وأداتهم القلم ولا شيء آخر، يتصارع ويشتبكون ويتقدمون ببلاغات إلى النائب العام لحسم نزاع بين أهل الفكر والإبداع! وأما الأسى فهو من التسارع الدراماتيكي لاشتعال النزاع بين مجلس الإدارة الحالي ومعارضيه حول أمور يراها الطرفان تستحق الجذب والنزاع وتقريبا لا يكاد يراها أحد من خارجها!
تفاصيل مربكة، وبيانات مضادة، استقالات بالجملة والدعوة إلى انتخابات تجديد نصفي، تصعيد أعضاء لمجلس الإدارة بدلا من المستقيلين، وأخيرا الوصول إلى تشكيل كامل ونهائي لمجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، برئاسة الدكتور علاء عبد الهادي، ما اعتبره كتاب ومثقفون إفشالا لمخطط إخواني كان يستهدف إسقاط الاتحاد، ورآه المعارضون مزايدة ضد أعضاء أصلاء بالاتحاد لا يعني اختلافهم مع رئيسه الحالي أن يتهموا بأنهم "إخوان".
وحاليا، تشتعل أزمة اتحاد كتاب مصر، وكل طرف من الأطراف المتنازعة يستند إلى مواد قانونية، فالطرف الأول يستند إلى أن له الحق في انتخاب رئيس مجلس الإدارة، له الحق كذلك في سحب الثقة، بينما يستند الطرف الآخر إلى أن الجمعية العمومية هي الجهة الوحيدة المختصة بسحب الثقة أو تجديدها من مجلس الإدارة، وتتجدد القصة المكرورة، اللعب على تفسيرات وتأويلات محتملة، صحيحة أو غير صحيحة، لسيل من النصوص واللوائح والقوانين، كبيت عنكبوت عمره مئات السنين!
عشرة أشهر من الصراعات حول أشخاص لا مصالح عامة، اختفى أي التجاء للعقل والتذرع بالحكمة والتظلل بقيمة "الكتّاب"، غاب كل هذا، وبرز على السطح نزوع عنيف للصدام والالتجاء إلى التصعيد، والخروج بالأزمة من نطاق أروقة الاتحاد إلى ساحات المحاكم والصحف والفضائيات "وعلى عينك يا تاجر" أو "اللي ما يشتري يتفرج"!
الدكتور صلاح الراوي، أستاذ الموروث الشعبي بأكاديمية الفنون، والعضو السابق بمجلس إدارة الاتحاد (تقدم باستقالته في نوفمبر 2015) عقب على انتخابات التجديد النصفي الأخيرة بقوله "مستقبل الثقافة في مصر ليس منحصرا في تناول قضايا ومشكلات وأحوال اتحاد الكتاب، وخاصة بعد ما وصلت إليه أحوال نقابة مهمة تحمل اسم اتحاد كتاب مصر، وكان من شأنها أن تلعب دورا متميزا في ثقافة مصر لولا غلبة المصالح والأهواء"..
ما يحدث في اتحاد كتاب مصر، طرح سؤالا قديما/ جديدا عن وضعية اتحادات الكتاب في العالم العربي: هل اتحاد الكتاب "نقابة" مستقلة عن إدارة الدولة أم أنها هيئة حكومية تابعة للدولة؟
هذا الالتباس في تحديد الوضعية الدقيقة لكيانات اتحادات الكتاب في العالم العربي، ينكأ جراحا مكتومة؛ فطبيعة إنشاء كياني مؤسسي ينضوي تحته الكتاب والمشتغلين بالكتابة والإبداع، منذ البداية، انطوى على التباسات وإشكالات عالجها أكثر من كاتب وباحث لعلّ من أشهرهم الكاتب الصحفي والمؤرخ صلاح عيسى في كتابه الشهير «مثقفون وعسكر» والذي تتبع فيه بالتأريخ والرصد نشأة فكرة اتحاد الكتاب وتطوره والسياق السياسي والثقافي الذي ظهر فيه هذا الكيان.
بينما، وفي كتابه المثير للجدل «بين كتبة وكتاب ـ الحقل الأدبي في مصر المعاصرة»، يستعرض الأكاديمي والمترجم الفرنسي ريشار جاكمون ضمن إطار بحثه في نشأة الكيانات والمؤسسات الثقافية الحديثة، قصة إنشاء اتحاد الكتاب في مصر من مخاضه عام 1969 حتى قيامه عام 1976، ويحمل حملة ضارية على الرموز غير اليسارية (يوسف السباعي، ثروت أباظة، فاروق شوشة، فاروق خورشيد) ويشيد بسعد الدين وهبة.
ويرى جاكمون أن اتحاد الكتاب قد تفتت نتيجة التنافسات والتنازع على الصدارة، والشيء الأكثر مدعاة للقلق هو أن الكتاب الذين عبؤوا أنفسهم في تلك المناسبة كانوا في مجملهم عين الكتّاب الذين كانوا بالفعل في صدارة المعركة من أجل اتحاد مستقل للكتاب في الفترة الممتدة من عام 1965 إلى عام 1975، فخلافًا لذلك الزمن، تبدو اليوم الطلائع الأدبية الشابة اليوم في حالة من التسريح غير المألوف. وكأن الباحث الفرنسي قد رصد تماما إشكاليات والتباسات تكوين اتحادات الكتاب في عالمنا العربي (مصر نموذجا).
بسبب هذه الإشكالية والالتباس المزدوج في نشأة اتحادات الكتاب العربية، جعلت، بحسب الناقد والأكاديمي حسين حمودة، مسارات هذه الاتحادات، وخصوصا في مصر، غير فعالة بالدرجة الكافية ولا تقوم بأدوارها التي يفترض أنها أسست من أجلها، فضلا عن فقدان أهم ميزة يجب أن تكون حاضرة وبقوة في كيانات مثل اتحادات الكتاب، وهي "التمثيل الدقيق" للكتاب بالفعل، وفق ضوابط علمية ومحددات منهجية، لا تعتمد الإجراءات الشكلية لا الظواهر الكمية، بل تعتمد بالأساس على أطر واضحة ومقبولة ومحل اتفاق وتوافق بين جماعة الكتاب.
aXA6IDE4LjIyNC4zMS44MiA= جزيرة ام اند امز