في فرنسا "مهد حقوق الإنسان".. لا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب
اعتقالات وإقامة جبرية.. واستطلاع للرأي يؤكد تأييد الأغلبية للإجراءات
تصف فرنسا نفسها بأنها "بلد الحقوق والحريات" لكنها في الأسبوع الماضي ركزت على تقييد هذه الحقوق، إذ فرضت الحكومة قيودًا على الحريات
تصف فرنسا نفسها بأنها "بلد الحقوق والحريات" لكنها في الأسبوع الماضي ركزت على تقييد هذه الحقوق، إذ فرضت الحكومة قيودا كاسحة على الحريات الأساسية في أعقاب مذبحة باريس.
وفي الأيام التي أعقبت هجمات 13 نوفمبر التي قُتل فيها نحو 130 شخصًا أعلنت الحكومة "حربًا على الإرهاب" ومددت حالة الطوارئ التي فُرضت عقب الهجمات لثلاثة أشهر وطرحت مقترحات لكتابة مزيد من القيود في الدستور.
ويشكو أنصار الحريات المدنية من أن الحملة قد تؤدي إلى تقليص الحقوق الأساسية حتى بعد زوال الأزمة ولكن من الصعب سماع اعتراضاتهم وسط النداءات التي تطالب بتشديد القوانين والتفاصيل التي تتكشف عن الهجمات والأنباء عن غارات قصف انتقامية شنتها فرنسا على مدينة الرقّة معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا.
وأقرّت الجمعية الوطنية أو المجلس الأدنى في البرلمان الإجراءات الأمنية الكاسحة الجديدة يوم الخميس الماضي بشبه إجماع، إذ وافق عليها 551 عضوًا، ولم يرفضها سوى ستة. وفي مجلس الشيوخ في اليوم التالي كان عدد الأصوات الموافقة 336 ولم يعترض أحد.
وفي استطلاع للرأي العام لمؤسة "إيفوب" نشر يوم الثلاثاء الماضي قال 84% ممن شاركوا في الاستطلاع إنهم "لا يمانعون في قبول مزيد من القيود وبعض التقييد للحريات".
وقال نويل مامير، أحد النواب الذين صوّتوا برفض الإجراءات الجديدة: "الحكومة تقدم ضمانات الأمن لمجتمع مصدوم يطلب المزيد والمزيد من الأمن ولو كان الثمن التضحية بحرياته".
وقال لـ"رويترز" إنه "في غضون بضعة أشهر سيفيق هؤلاء الناس على الآثار ويدركون أنه باسم مكافحة الإرهاب أصبحت البلاد في حالة انعزال وانتُهكت حرياتنا الفردية والجماعية".
في حين تقول الحكومة التي صُدمت بالهجمات وتخشى وقوع المزيد إنه ليس لديها وقت تضيّعه، واستشهد الرئيس فرانسوا أولاند بإعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 -وهو وثيقة تتيح لفرنسا الزعم بأنها مهد حقوق الإنسان- للدفاع عن الإجراءات الصارمة في كلمة ألقاها يوم الاثنين الماضي.
وقال إن هذا النص التاريخي يعلن "أن الأمن ومقاومة الطغيان حقان أساسيان، ولذلك يجب علينا ممارستهما".
وقال رئيس الوزراء مانويل فالس، في المناقشة التي جرت بشأن الإجراءات الجديدة يوم الخميس الماضي: "الأمن له الأولوية بين كل الحريات".
سلطات أوسع
وتمنح حالة الطوارئ -التي أُعلنت بادئ الأمر لمدة 12 يومًا لكن تم الآن تمديدها حتى 14 من فبراير/ شباط- الشرطة سلطات واسعة لتفتيش الناس والمنازل إذا ثار اشتباه بوجود أي نشاط تآمري.
وقالت وزارة الداخلية أمس (الجمعة): "إن الشرطة استخدمت هذه السلطات استخدامًا واسعًا الأسبوع الماضي، فداهمت 793 مبنى، واعتقلت 90 شخصًا، وصادرت 174 قطعة سلاح وكمية من المخدرات و250 ألف يورو نقدًا، وتم وضع نحو 164 شخصًا رهن الإقامة الجبرية".
ويمد القانون الجديد العمل بهذه السلطات ثلاثة أشهر أخرى، ويتيح للسلطات صلاحيات أخرى مثل حل أي جماعة تعتبر خطرًا على النظام العام. وهي صياغة يبدو أنها تشير إلى الشبكات التي يشتبه بأنها جهادية.
كما يمنح القانون السلطات صلاحيات أوسع لاحتجاز أفراد إذا اعتبر سلوكهم خطرًا، وهو أوسع من القانون القديم الذي يتركز فحسب على الأنشطة التي تنطوي على خطر.
ويعتزم أولاند أيضًا عرض تعديل دستوري أوائل العام القادم يشمل صلاحية جديدة لتجريد مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية إذا انضمّوا إلى جماعة متشددة، ومنع المتشددين الفرنسيين من العودة من الخارج.
وعبّرت صحيفة "لوموند" ذات النفوذ، عن تشككها، لكنها لم تصل إلى حد الرفض. وقالت في افتتاحية لها: "ما زلنا غير مقتنعين. فالأمن ضروري ولكن ليس بأي ثمن".
وتقرّ جماعات الحريات المدنية مثل "رابطة حقوق الإنسان" أو "منظمة العفو الدولية" بأن حالة الطوارئ المبدئية لمدة 12 يومًا ضرورية، لكنها انتقدت بشدة مدّها لثلاثة أشهر وخطط أولاند لمزيد من الإجراءات الأمنية.
وقال جون دالوسين، مدير "العفو الدولية" لشؤون أوروبا وآسيا الوسطى: "من المفارقة تعطيل حقوق الإنسان من أجل حمايتها".
طوارئ إلى متى؟
وشبّه مامير -وهو من أنصار الحفاظ على البيئة البارزين- القانون الجديد بقانون الوطنية الذي وسّع صلاحيات التجسس وأقرته الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001.
وقال: "الولايات المتحدة كانت أول من دخل هذه الدوامة التي لا تطاق بإصدارها قانون الوطنية".
وسئل مامير: لماذا كانت مناقشات الرأي العام لهذا الوضع محدودة للغاية؟ فأوضح أن الفرنسيين بخلاف الأمريكيين يتطلعون إلى الدولة لتحميهم وتساندهم، وقال: "هنا الدولة هي الحامية، ولكنها بدأت تتحول إلى خطر".
وأضاف أن ما يخشاه الآن هو أن يُنظر إلى المسلمين باعتبارهم "طابورًا خامسًا"، وأن يستخدم السياسيون المناهضون للمهاجرين الهواجس الأمنية لمنع دخول المهاجرين الذين يتدفقون على أوروبا الآن ومعظمهم مسلمون من الشرق الأوسط.
وقال إنه يرى أن حالة الطوارئ قد تبقى وقتًا أطول من الأشهر الثلاثة التي وافق عليها البرلمان. وأضاف: "حينما تقترح الحكومة رفعها سيسأل أناس مثل اتحادات الشرطة والسياسيون: لماذا؟".
وتابع: "إن الهدف منها هو مكافحة الإرهاب والجميع يعرفون أن خطر الإرهاب لن يزول في الأشهر الثلاثة".
aXA6IDUyLjE1LjE4NS4xNDcg جزيرة ام اند امز