زها حديد أشهر معمارية في العالم توفيت اليوم عن عمر يناهز 65 عامًا إثر أزمة قلبية.
لم يعد الحزن مخيمًا على عيني زها حديد، المهندسة المعمارية العراقية؛ فاليوم يفتش العرب والغربيون معًا عن أعمالها التي استطاعت أن تغزو العالم، أكثر من ذي قبل، وتنضم إلى مصاف عظماء المعماريين في العالم.
ذلك الحزن الذي عبرت عنه "زها" في أحاديث صحفية سابقة، بسبب تأخر قبول أعمالها في الأوساط المعمارية قبل سنوات، وانتقاد البعض لتصميماتها، لن يكون موجودًا بعد وفاتها اليوم عن عمر يناهز ٦٥ عامًا إثر إصابتها بأزمة قلبية في أحد المستشفيات بالولايات المتحدة، إذ تسابق المعماريون على شبكات التواصل الاجتماعي للتعريف بها وإعادة نشر تصميماتها باعتبارها "أسطورة المعمار العربي والغربي معًا".
زها التي تحمل أيضًا الجنسية البريطانية، وصفت نفسها بعبارة تلخص واقع التحدي الذي تمرست عليه وهي تغزو ميدان المعمار الذي يهيمن عليه الرجال قائلة "لم يتعودوا على العمل مع امرأة"، واستطاعت أن تخطف عيون العالم وتثير دهشة معماريون قالوا عنها في بداية مشوارها إنها "خيالية"، ونجحت بالفعل في تحويل هذا الخيال إلى أبنية يتأملها العالم اليوم، فالدعامات العجيبة والمائلة التي انتقدها غيرها أثبتت أن المستحيل ممكن مع زها.
وليس أدل على ذلك من متحف العلوم الذي شيدته في فولفسبيوج شمال ألمانيا، عام ٢٠٠٥، والذي لقي انتقادات قبل تنفيذه لا سيما أن كل ما صممته المعمارية زها كان بالنسبة لغيرها "مستحيلًا"، حتى تجرأ البعض واصفًا إياها بالمهندسة "القرطاس"، وهو ما فخرت به بعد ذلك زها إذ إنه كان بمثابة دليل واضح على عدم قدرة غيرها على التخيل.
ويعتبر النقاد أن أهم ما امتازت به أعمال زها عنصر "الانسيابية" فلا يمكن للمتأمل أن يحدد أي جزء عالٍ في البناية أو أي جزء منخفض، هو فقط يشعر بأنه يبحر عبر فن يعبر عما داخله، وهو ما قال عنه باترك شوماخر المعماري الألماني الشهير بأنه أشبه بـ"صرخة فيما قدمته منذ عقدين من أعمال في الرسم أو العمارة".
نجحت زها، والفائزة بجائزة "بريتزيكر" كأول أنثى معمارية، والتي تعد بمثابة "نوبل" في الهندسة المعمارية، في تصميم عشرات المباني حول العالم والتي أثارت جدلًا قبل تنفيذها من بينها محطة إطفاء الحريق بألمانيا عام ١٩٩٣، ومركز روزنثال للفن المعاصر في مدينة سينسيناتي بأمريكا عام ١٩٩٧، ومنصة التزحلق في أنسبروك عام ١٩٩٩، ومرسى السفن في "باليرمو" في صقلية 1999، والقبة الألفي في لندن في عام ٢٠٠٠، ومحطة البواخر في ساليرنو الإيطالية في عام ٢٠٠٠، ومركز العلوم في ولسبورج الألمانية في عام ٢٠٠٠، والمسجد الكبير في ستراسبورج عام ٢٠٠٠ ومحطة قطار مدينة ستراسبورج في ألمانيا عام ٢٠٠١، ومنصة التزحلق الثلجي في النمسا عام ٢٠٠٢.
لم تقتصر أعمال زها على الغرب، لكن العالم العربي كان له نصيب منها، حيث صممت متحف الفنون الإسلامية في الدوحة ودار الأوبرا في دبي، وجسر أبوظبي بالإمارات.
كما نجحت في تصميم مركز للألعاب الأوليمبية في لندن عام ٢٠١٢، واستاد الوكرة في قطر الذي من المفترض أن يستضيف كأس العالم لعام 2022، وكان من المفترض أن تشرف على بناء الملعب الأوليمبي للألعاب الأوليمبية في طوكيو عام ٢٠٢٠ والذي صممته حديد ليسع 80 ألف مقعد، غير أنه لم تتم الموافقة عليه بسبب تكلفته الباهظة الذي وصل إلى أكثر من مليار دولار.
زها التي لم يهزمها أي انتقادات، كانت تصرح دائمًا بأنها تعلمت من أهلها الكثير، وخاصة والدها السياسي الليبرالي محمد حديد الذي لطالما علمها قبول الآخر بمعزل عن مشابهته لها أو اختلاقه عنها، وهو ربما ما ساعدها على المضي قُدُمًا في تحقيق نجاح منقطع النظير أظهرته جائزة "ستيرلينغ" البريطانية وهي إحدى أهم الجوائز العالمية في مجال الهندسة، كما سمتها اليونسكو "فنانة للسلام" قبل أن تختارها مجلة التايم عام ٢٠١٠ ضمن ١٠٠ شخصية أكثر نفوذًا في العالم.
وتعتبر نقطة التحول في حياة زها حينما التحقت بالجمعية المعمارية في لندن، وتتلمذت على يد أبرز المعماريين مثل المعماري الهولندي ريم كولهاس الذي وصفها بأنها "كوكب يدور في مجرة وحدة".
ولكن مثل هذه الإخفاقات كانت بمثابة الطريق إلى النجاح الكبير، فبعد أن نفذت مشروع مركز الفن المعاصر في سينسيناتي أسكتت حديد كل الألسن التي كانت تزعم أن تصاميمها مجرد خيال جميل على الورق.
ووفاة زها اليوم، لن ينهي جمال المعمار الذي صممته، ليس لوجود أبنية صممتها بالفعل، ولكن لأن أبنية أخرى حملت تصميمها لم تنفذ بعد، وستشير كل حجارة بها إلى جمال العمارة التي شيدته زها.
aXA6IDMuMTQ0LjguNjgg جزيرة ام اند امز