المركزي يقود حملة مراجعة قواعد الاستثمار الأجنبي في مصر
الخلافات الناشبة بين المركزي والمستثمرين الأجانب حول تأخر تحويل أرباح للخارج دفع المركزي لإعادة النظر في قواعد الاستثمارات الأجنبية
يبدو أن مصر مُقبلة على إعادة النظر في سياسات وقواعد جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بضغوط من طارق عامر الذي تولى قيادة البنك المركزي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين وهو يتخذ قرارات مصيرية تحدد مستقبل الاقتصاد المصري؛ إذ شملت قراراته ملفات السياسية النقدية وسعر الصرف والاستيراد.
فعلى مدار الأيام القليلة الماضية فضّل عامر الظهور الإعلامي والإدلاء بتصريحات تمس مفاصل الاقتصاد بعد التحرير الجزئي لسعر الجنيه عبر خفضه 14% دفعةً واحدة مقابل الدولار الشهر الماضي.
وتركز شق كبير من تصريحات محافظ البنك المركزي على ضرورة إعادة النظر في قواعد تنظيم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكونها تستهلك نقد أجنبي من البلاد يفوق حجم الاستثمارات التي تضخها خلال فترة إنشاء استثماراتها في الداخل، هذا حسب رؤية عامر.
وتقف وراء تصريحات عامر، كواليس امتدت لقرابة عام تمارس فيها الشركات الأجنبية ضغوطًا على البنك المركزي للحصول على النقد الأجنبي لأغراض الاستيراد وتحويل الأرباح خارج البلاد.
وهذه الكواليس انعكست في تأكيد عامر على أن الشركات حققت كثيرًا من الأرباح من عملها في مصر، وعليها تحمل الظروف الصعبة الآن التي تمر بها موارد مصر من النقد الأجنبي.
هذا فضلاً عن رؤيته بأن بعض هذه الشركات قامت بتهويل الموقف لمجرد تراجع العائد على رأس المال وليس تكبد الخسائر بسبب قلة موارد النقد الأجنبي اللازمة لاستيراد مدخلات الإنتاج.
وهناك اتجاهًا للعب البنك المركزي دورًا أكبر في ملف الاستثمارات الأجنبية المباشرة، عبر دراسة يجريها الآن لتأسيس برنامجًا جديدًا لشركات الاستثمار الأجنبي الجديدة بشأن تحويل الأرباح بهدف أن تخضع لمظلة البنك المركزي.
"اتفق مع جانب من رؤية محافظ البنك المركزي في ضرورة إعادة النظر في قواعد الاستثمار الأجنبي، بحيث ينبغي أن الحديث مع الشركات الأجنبية بشأن الاعتماد على الشركات الأم في توفير جانب من احتياجاتها من النقد الأجنبي لأغراض الاستيراد" حسب الدكتور محمد نادر الأمين العام لجمعية شباب رجال الأعمال، ورئيس شركة آرشر للاستشارات المالية في مجال التمويل وإعادة الهيكلة.
ولكن استدرك نادر حديثه بالتأكيد على أن هذا الاتجاه لا يمكن أن يكون بناءً على قواعد صارمة يحددها القانون، بل تكون بناءً على اتفاقيات ودية نظرًا لكون تدبير التمويل من الشركات الأم قرارًا داخليًا.
وأضاف أن الأمر ذاته ينطبق على توجه الشركات الأجنبية للبنوك الخارجية للحصول على قروض تمويل توسعاتها الاستثمارية بضمانة الشركات الأم بدلاً من الاعتماد على البنوك المحلية.
ويأتي ذلك بعد انتقاد عامر لمنظومة عمل الاستثمارات الأجنبية التي تعتمد على الجهاز المصرفي المحلي في تمويل جانب من مشروعاتها، وهو ما يحرم البلاد من دخول نقد أجنبي من الخارج، بل واستنزاف جزء من الأصول الأجنبية النقدية المحلية.
وبرأي الأمين العام لشباب رجال الأعمال فإن هيكلة منظومة الاستثمارات الأجنبية تتطلب إعادة وضع استراتيجية شاملة أكثر من وضع قواعد محددة، فمثلاً يجب الاستفادة من روح قوانين بعض دول الخليج التي تلزم مشاركة مستثمر محلي بنسبة 51% في أي مشروع، ما يضمن اكتسابهم خبرات من الأجانب، وكذلك عدم تحويل كامل الأرباح إلى خارج البلاد.
وتابع: من الممكن التفكير في كيفية إشراك المصريين بحصص مساهمة في مشروعات الشركات الأجنبية داخل البلاد، ولكن يجب أن يتم الأمر بناءً على صيغة محل اتفاق مع شريحة من المستثمرين الأجانب المهتمين بالاستثمار في مصر تفاديًا لحدوث خلاف يؤثر بالسلب على الاستثمارات بأكملها.
وبنظرة على تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد وصلت إلى ذروتها في 2007/2008 بتسجيل 12 مليار دولار، ثم تراجعت تدريجيًا تحت وطأة الأزمة المالية العالمية وثورة 2011، حتى انخفضت إلى 4 مليارات دولار في 2013/2014 قبل أن ترتفع إلى 6.4 مليار دولار في العام المالي الماضي، ومع ذلك لم تحقق المستهدف الذي قدرته وزارة الاستثمار بنحو 10 مليارات دولار.
ولا يبدو أن الحكومة قادرة على تحقيق هذا المستهدف خلال العام الجاري، رغم ارتفاع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف من 2015/ 2016 إلى 3.1 مليار دولار مقابل 2.6 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام المالي الماضي.
وقال رئيس شركة آرشر للاستشارات المالية، إن استعادة التدفقات الأجنبية يجب أن يتم بصورة مختلفة عبر التركيز على جذب استثمارات صناعية بدلاً من العقارات التي تعتمد على ضخ استثمارات لمرة واحدة أثناء الإنشاءات، ثم تخرج حصيلة البيع بالنقد الأجنبي للخارج بكميات مضاعفة لحجم الاستثمارات.
وأشار إلى أن التوجه نحو إنشاء قاعدة صناعية بمساهمة الاستثمارات الأجنبية سيساهم في تحقيق جانب من مطالب البنك المركزي بتحقيق عائدات من تصدير الشركات الأجنبية للخارج.
ومع ذلك فإن نادر يرى أن هناك ضلعًا ناقصًا ربما يخالف توجهات البنك المركزي، وهو إعطاء المزيد من الحوافز للشركات للتصدير للخارج مثل إعادة إنشاء مناطق صناعية حرة تتمتع بإعفاءات ضريبية وجمركية.
ولا يخالف هذا الاقتراح خاصةً فيما يتعلق بالضرائب توجه المركزي فقط بل الحكومة أيضًا التي فرضت العام 2015 ضرائب 22.5% على المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، وينطبق القرار على المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مقارنة بضرائب 10% على المناطق التي تأسست قبل القرار.
وربما تلقى منح حوافز جمركية قبولاً من الدولة؛ إذ تتمتع منطقة قناة السويس ببعض الحوافز، وكذلك هناك مفاوضات بين رجال الأعمال ووزارة الصناعة والتجارة لوضع استراتيجية تصنيع السيارات تتضمن وضع حوافز جمركية لتشجيع الشركات على التحول من مفهوم تجميع السيارات إلى التصنيع ثم التصدير على غرار تجربة المغرب.
وربما هذا أيضًا يكون ردًا على استفسار محافظ البنك المركزي بشأن استهلاك شركات السيارات العالمية في مصر موارد النقد الاجنبي في استيراد المكونات من الخاج، ثم إعادة البيع في السوق المحلية للاستفادة من حجم السوق دون النظر لتحويلها لقاعدة تصدير لأسواق إفريقيا.
من جانبه، قال أيمن أبوهند رئيس قطاع الاستثمار المباشر بشركة كارتل كابيتال الأمريكية بأسواق الشرق الأوسط، إنه قبل المطالبة بإصدار قواعد جديدة منظمة لعمل الشركات الأجنبية ينبغي تحرير سعر الصرف ليعبر عن القيمة العادلة للجنيه حتى لا تتعرض الاستثمارات الأجنبية للخسائر، وكذلك من حق الشركات التمتع بحرية تحويل الأرباح للخارج.
وطالب أبوهند بأن تمتد نظرة الحكومة للاستثمارات الأجنبية التي ما زالت خارج البلاد دون الاقتصار على الاستثمارات الحالية، نظرًا لأن حجم التدفقات الأجنبية للبلاد لم تصل إلى المستوى المطلوب حتى الآن.
واقترح تركيز مصر على جذب الشركات التي تصدر منتجاتها للبلاد، حيث إن الشق الأول يتضمن توفير النقد الأجنبي المخصص للاستيراد، ثم منح الشركات تسهيلات ضريبية وسهولة تأسيس المشروعات مقابل التزامها بوضع حد أدنى للصادرات سنويًا.
وعلى الجانب الآخر، هناك مطالب بالتشديد على الشركات الأجنبية فيما يتعلق بالتزامها الضريبي؛ إذ أكدت نيرمين علي محللة مالية أن هناك شركات أجنبية تتحايل في سداد الضرائب.
وأضافت أن من أبرز أشكال التهرب الضريبي هو تسجيل تكلفة استيراد مكونات الإنتاج من الشركة الأم بأسعار تفوق الأسعار الحقيقية، ما يعرضها للخسائر ما يعفيها من سداد الضرائب، ثم تقوم برفع رأس المال لضمان استمرار النشاط، وهذا الأمر ينطبق على بعض شركات تصنيع المياه الغازية.
aXA6IDMuMTQ0LjIxLjIwNiA=
جزيرة ام اند امز