وزير شؤون القدس عدنان الحسيني في حوار لـ "العين" يحذر من أن الأسوأ قادم مع التصعيد الإسرائيلي في القدس
"الأسوأ قادم" هذا هو التحذير الأبرز لوزير شؤون القدس عدنان الحسيني في حواره الخاص مع "بوابة العين الإخبارية"، والذي شمل أيضا تحذيره من أن جملة الإجراءات والمخططات الإسرائيلية التي تستهدف القدس والمسجد الأقصى.
واعتبر الحسيني أن دعوات إسرائيل للتهدئة "زائفة"، لافتا الانتباه إلى أن الأوضاع بالمنطقة، تتجه نحو الانفجار؛ بسبب ممارسات الاحتلال، وقال: لذا نحن نتوقع أن الأسوأ قادم، والتصعيد في القدس سيزيد الأمور تعقيدًا، وعندما تتصاعد الأحداث في القدس سينتقل الأمر للإقليم كله".
ومع إدراكه لمعادلة الفعل ورد الفعل؛ ينبه وزير القدس في حواره مع "العين"، إلى أن إسرائيل تصعد في الأراضي الفلسطينية وخصوصا في القدس، وتحاول استدراج الفلسطينيين لمواجهة عسكرية، "لأنها ستكون لصالحها"، في إشارة لتأكيد تمسك السلطة الفلسطينية بخيار المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة تصعيد الاحتلال.
وعود كاذبة
ولا يخفي المسؤول الفلسطيني إحباطه من جملة ما تمخض عن جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المستمرة، واتصالاته مع نتنياهو مؤخرًا، قائلاً: "لم يتغير شيء في الأقصى، ووعود نتنياهو كاذبة.. المسجد الأقصى معروف أنه إسلامي لا ينتظر من أحد السماح للمسلمين بالصلاة فيه.. لا يعقل أن يأتي هؤلاء لتغيير وضع الأقصى الحالي".
وشدد على أن كيري لم يأت من أجل التهدئة، إنما جاء من أجل مساعدة الحكومة الإسرائيلية، وانتشالها من ورطتها في مواجهة الهبة الشعبية الفلسطينية التي تسببت في حرج شديد لإسرائيل، وتشويه صورتها.
ولا يتردد المسؤول الفلسطيني عن القول: "دائما أمريكا ضد الفلسطينيين منذ نشوء القضية"، بما يعكس إحباط المستوى الرسمي من الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل.
الوضع القائم .. مفاهيم متعاكسة
وينبه الوزير الفلسطيني إلى مسألة يراها مهمة تتعلق بمفهوم الوضع القائم، الذي تم تداوله مؤخرًا ضمن مساعي التهدئة التي قادها كيري، متهمًا نتنياهو بأنه "يتلاعب بالألفاظ، مفهومه للحفاظ على الوضع القائم في الأقصى يقصد به الوضع الذي كان قبل دقائق من إعلانه"، بخلاف الرؤية الفلسطينية.
وقال: "نحن نقصد الحفاظ على الوضع القائم، أي العودة للوضع الذي كان عليه قبل عام 67 وبعده بقليل".
وحول تشخيصه لواقع الحال في المسجد الأقصى هذه الأيام، أكد المسؤول الفلسطيني بمرارة أنه "محاصر بالكامل، كل شيء يدخل إليه يتم بإذن إسرائيلي، دخول المصلين وأعمارهم تتحكم فيه سلطات الاحتلال، حتى تهذيب شجر المسجد وإدخال أي ترميمات في جدرانه وتنظيفه ممنوع علينا القيام به، يتم بصعوبة بالغة جدا، حتى سماعات وإضاءة المسجد ممنوعة.. ممنوع وضع بلاطة واحدة حال احتجنا تغيير بلاطة".
ومع ذلك، يشدد الحسيني أن "المسجد (الأقصى) للمسلمين وسيبقى لهم، والمجموعات المتطرفة التي تقتحمه يوميا معينة من قبل الحكومة لهذه المهمة؛ من أجل تغيير الواقع الحالي في الأقصى .. نحن نتصدى لهم بكل قوة".
وأشار إلى أن الشرطة الإسرائيلية غيرت من وضعها على أبواب المسجد، فبعدما كان يوجد شرطي أو اثنان، بات يقف على كل بوابة عشرات العناصر من الشرطة، وذلك لتأمين اقتحام مجموعات المتطرفين؛ ما يؤشر إلى اتجاهات تصعيد وليس تهدئة إسرائيلية.
اعتقالات بنية عقابية
وتوقف الحسيني عند الاعتقالات العشوائية في القدس منذ بدء الهبة الحالية مطلع أكتوبر / تشرين أول الماضي، مؤكدًا أنها أخذت منحى آخر يختلف عن الحملات التي نُفذت خلال السنوات الأخيرة، وذلك عبر إجراءات قمعية جديدة.
وقال :" كان أبرز أهداف تلك الاجراءات زج أكبر عدد ممكن من المقدسيين في السجون كإجراء عقابي وانتقامي، وليس ردعيا كما كانت تدعي في الاعتقالات السابقة".
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال اعتقلت أكثر من (700) مواطن مقدسي، جلهم من الأطفال والقاصرين؛ الأمر الذي يمثل سياسة ممنهجة تجاه الأجيال الجديدة، وتحديدا استهدفت من هم أقل من 14 عاما".
تغيير الواقع الديمغرافي
ومن أكثر ما يؤرق ويؤلم المسؤول الفلسطيني، سياسة التهويد الإسرائيلية الساعية لتغيير هوية المدينة وطابعها الديمغرافي، لافتًا في هذا الصدد إلى وجود 80 بؤرة استيطانية، والحي اليهودي داخل البلدة القديمة من القدس يشكلون 4000 نسمة، زرعوا داخل البلدة لمهمة اقتحام الأقصى يوميا.. لأنهم لا يبتعدون عنه سوى عدة دقائق سيرا على الأقدام.
وقال: "منذ أن احتلت إسرائيل مدينة القدس عام 1967، وهي تعمل جاهدة للسيطرة عليها وتغيير معالمها بهدف تهويدها، وإنهاء الوجود العربي فيها، واستخدمت لأجل ذلك الكثير من الوسائل"، مشددًا على أن الاستيطان في المدينة وفي الأراضي التابعة لها كان "أحد أهم الوسائل لتحقيق هدف إسرائيل الأساسي تجاه مدينة القدس".
ويشير الحسيني إلى إن إسرائيل سعت خلال العقود إلى استكمال مخططها الاستيطاني الهادف للسيطرة الكاملة على مدينة القدس، وعملت على تحقيق ذلك من خلال توسيع ما يسمى بحدود القدس شرقاً وشمالاً، وذلك بضم مستوطنة "معاليه أدوميم" التي يقطنها حوالي 35 ألف مستوطن، كمستوطنة رئيسية من الشرق، إضافة إلى المستوطنات العسكرية الصغيرة مثل "عنتوت، ميشور، أدوميم، كدار، كفعات بنيامين" من الجهة الشرقية، "والنبي يعقوب، كفعات زئييف، والتلة الفرنسية، كفعات حدشا، كفعات هاردار" من الشمال.
مخططات استيطانية
ويلفت إلى أن المخططات الاستيطانية لا تتوقف، كاشفاً عن وجود مخطط يطبخ هذه الأيام في الأروقة الإسرائيلية، يشمل شق نفق أسفل منطقة برج اللقلق، وهي واحدة من أكثر المناطق استهدافاً لمتاخمتها المسجد الأقصى من ناحيته الشمالية، وهو مشروع طرح عام 1996، وتسبب باندلاع مواجهات، ليتم تجميد العمل به؛ فيما يجري التحضير لإطلاقه مجددا.
وذكر أن المخطط المقترح داخل أسوار البلدة القديمة مرتبط بجهود الجماعات الاستيطانية المتطرفة؛ لتعزيز حضورها الديمغرافي في هذه المنطقة الحساسة من البلدة القديمة من القدس، وربط البؤر الاستيطانية في العقارات التي تم الاستيلاء عليها داخل البلدة القديمة وخارجها في هذا الحي.
الاستيطاني الجديد
وأكد أن الاحتلال اتخذ سلسلة من الخطوات من أجل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من أراضي القدس، فمنذ العام1967، قام قائد المنطقة الوسطى آنذاك رحبعام زئيفي بالتنسيق مع موشي ديان وزير الجيش الإسرائيلي في حينه، بضم أراضي 28 قرية ومدينة فلسطينية، وإخراج جميع التجمعات السكانية الفلسطينية من حدود المدينة.
وأضاف: "في العام 1993م، بدأت مرحلة أخرى من تهويد القدس، وهي عبارة عن رسم حدود جديدة لمدينة القدس الكبرى، (المتروبوليتان)، وتشمل أراضي تبلغ مساحتها 600 كم مربع أو ما يعادل 10% من مساحة الضفة الغربية، هدفها التواصل الإقليمي والجغرافي بين تلك المستوطنات لإحكام السيطرة الكاملة على مدينة.
ويؤكد المسؤول الفلسطيني أن التركيز الإسرائيلي الاستيطاني ينصب في مناطق سلوان ورأس العامود والشيخ جراح ووادي الجوز والبلدة القديمة، والتي تعرفها إسرائيل بمنطقة " الحوض المقدس " وهي تسمية عنصرية غريبة ، لا تعني سوى أن قدسية هذه المدينة تعود فقط لليهود وتغفل الجذور العربية الإسلامية المسيحية.
عبرنة الأسماء
وللتسميات حكاية أخرى ضمن معركة تغيير هوية المدينة، كما يؤكد المسؤول الفلسطيني، لافتًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية عملت على طمس أسماء القرى والمدن الفلسطينية وعبرنتها، وأصبح ذلك رسميًّا في سنة 1922، حين شكّلت الوكالة اليهودية لجنة أسماء لإطلاقها على المستوطنات الجديدة والقرى القديمة.
وقال: "منذ ذلك التاريخ حتى 1948م، تم تغيير أسماء 216 موقعاً، وفي أول ثلاث سنوات للنكبة قررت لجنة حكومية تغيير أسماء 194 موقعاً آخر، وفي السنتين التاليتين (1951-1953م) وبعد أن أُلحقت اللجنة بديوان رئيس الوزراء وانضم إليها 24 من كبار علماء التاريخ والتوراة، تم تغيير 560 اسمًا، وما زالت المحاولات سارية حتى اليوم.
وأكد أن الحكومة الإسرائيلية عملت على تغيير أسماء بوابات القدس التاريخية بقصد تهويدها.
أوضاع المقدسيين
وبموازاة قرارات التوسع الاستيطاني، اتخذت إسرائيل قرارات كثيرة بمصادرة الأراضي من أصحابها الفعليين، ففرضت القوانين العنصرية التي تسهل ذلك، ومن أهمها قانون أملاك الغائبين وفرض الضرائب الباهظة والمخالفات والقيود التعجيزية لاستصدار رخص البناء، وذلك بهدف دفع السكان إلى ترك أراضيهم طوعا، وبالتالي تسهل عملية السيطرة عليها والاستيطان بها، ضمن مخطط تغيير الواقع الديمغرافي في المدينة.
وأشار إلى أن عدد المقدسيين إبان الاحتلال (عام 1967 ) كان نحو سبعين ألف نسمة يعيشون في 9 كيلومتر مربع منهم نحو 40 % من المسيحيين، لم يتبق سوى 1.5 بالمئة، حيث اضطرت الغالبية الساحقة إلى الهجرة جراء الضغوطات والممارسات الاحتلالية الإسرائيلية.
وأكد أن السياسات الإسرائيلية المتبعة في القدس تهدف إلى تحقيق أغلبية ديموغرافية يهودية، وهو ما لم ينجح حتى اللحظة، خاصة في الشطر الشرقي من المدينة، التي أكد العالم أجمع على وضعها القانوني من حيث إنها أراض محتلة وتمثل العاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة.
وقال: "فشل الاحتلال بكل جبروته وآلته الحربية ببسط سيطرته على القدس الشرقية وإدارتها"، مشيرا إلى أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى وجود أكثر من 360 ألف نسمة من الفلسطينيين، بما نسبته 36 % من مجموع سكان المدينة بشطريها الشرقي والغربي.
ونبه المسؤول الفلسطيني إلى أن العقبة الكأداء التي تقف أمام عملية السلام وحل الدولتين هي المخططات الاستيطانية في مدينة القدس وحولها، حيث وضعت الحكومة الإسرائيلية يدها على ما نسبته 35 % من مساحة القدس للتوسع الاستيطاني، وأعلنت عن 30 % منها مناطق تنظيمية، و22 % منها مناطق خضراء لا يسمح البناء فيها، والإبقاء على ما نسبته 13 % لاستخدام المقدسيين، ما رفع نسبة المستوطنين إلى أكثر من 203 آلاف نسمة.
ثابتون صامدون
وشدد على أن 360 ألف مقدسي يعانون من وضع صعب جدا، ضمن سياسة إسرائيلية مقصودة تهدف إلى تشريدهم وتهجيرهم، مستعرضًا أنماطًا من هذه الممارسات؛ منها إصدار أوامر إدارية تجبر المقدسي على هدم منزله بيديه بدعوى البناء دون ترخيص بلدية، وفرض ضراب باهظة على التجار، حيث يوجد (1400) منشأة تجارية في القدس تعاني فرض ضرائب دون مسوغ لأتفه الأسباب.
وأشار إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عملت على تنفيذ توصية اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون القدس لعام 1973 برئاسة غولدا مائير، التي تقضي بأن لا يتجاوز عدد السكان الفلسطينيون في القدس 22% من المجموع العام للسكان، وذلك لإحداث خلخلة في الميزان الديمغرافي في المدينة.
وأكد أن سلطات الاحتلال لجأت إلى استخدام الكثير من الأساليب لتنفيذ هذه الوصية، التي كان آخرها سحب الهويات من السكان العرب في القدس، لافتًا إلى أنه بالرغم من إقدام السلطات على سحب الهويات من أكثر من خمسة آلاف عائلة مقدسية إلا أن الفلسطينيين يشكلون حوالي 35% من مجموع السكان داخل حدود المدينة، وذلك نتيجة عودة آلاف المقدسيين للسكن داخل حدود القدس.
ويشير المسؤول الفلسطيني إلى أن إسرائيل لا تتوقف عن ابتكار أساليب من أجل تهويد مدينة القدس، لافتاً إلى "إصدار ما يسمى بقانون التنظيم والتخطيط، الذي انبثق عنه مجموعة من الخطوات الإدارية والقانونية المعقدة والتعجيزية في مجالات الترخيص والبناء.
وأكد أن ذلك أدى إلى تحويل ما يزيد على 40% من مساحة القدس إلى مناطق خضراء يمنع البناء للفلسطينيين عليها، وتستخدم كاحتياط لبناء المستوطنات، كما حدث في جبل أبو غنيم، وقد دفعت هذه الإجراءات إلى هجرة سكانية عربية من القدس إلى الأحياء المحيطة بالمدينة، نظرا لسهولة البناء والتكاليف.
الدعم العربي الإسلامي
وحول الدعم العربي والإسلامي، يؤكد الحسيني أن ما يقدم "لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات المقدسيين"، لافتًا إلى أن السلطة تساعد قدر الإمكان رغم وضعها الصعب".
وأشار إلى أن الكثير من المؤتمرات التي رصدت مليارات الدولارات لتنفيذ مئات المشاريع الحيوية في القدس لدعم صمودها لم يتحقق منها إلاّ النذر اليسير، مؤكداً أن الدعم مطلوب لبناء مزيد من المدارس والمستشفيات والمؤسسات الثقافية والرياضية؛ لمواجهة سياسة التجهيل التي تمارسها إسرائيل.
ونوه إلى سلبيات الآليات المتبعة في الدعم العربي والإسلامي للقدس، والمحكومة بسياسات فردية لا تلبي الاحتياجات المطلوبة لتعزيز صمود الأهالي، والحفاظ على التواجد العربي الإسلامي والمسيحي في مدينة القدس، منتقدا التقصير العربي في الاهتمام بالمدينة ومجمل القضية الفلسطينية.
وأشار إلى الوعود المتكررة والممتدة منذ سنوات في تخصيص الأموال اللازمة التي تصطدم بشروط بعيدة المنال لا تخدم المصالح العليا للأمة العربية، وتعزز من السياسات الإسرائيلية الاستيطانية، داعيا إلى وقفة جدية تتصدى للبرنامج الإسرائيلي التوسعي في مدينة القدس .
aXA6IDE4LjIyMi40NC4xNTYg جزيرة ام اند امز