الأزمات الإقليمية تهدد عرش القضية الفلسطينية
تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية في ظل تصاعد الصراعات في المنطقة
بينما تصاعدت الأزمات في المنطقة، شهدت القضية الفلسطينية تراجعا من ناحية الاهتمام بها دوليا، والدعم الذي كانت تحظى به.
يرى فلسطينيون أن قضيتهم التي كانت لسنوات طويلة تحظى باهتمام عالمي تجلّى في أشكال التضامن والدعم الواسعين، تواجه بعض التراجع في بعض الساحات الدولية والإقليمية في السنوات الأخيرة، وهو ما يختلف الفلسطينيون حول تأثيرات على مجمل القضية الفلسطينية.
ففريق يرى أن القضية الفلسطينية تراجعت في الساحة الإقليمية والدولية جراء الانشغالات الداخلية في عدد من الدول، ويدلل على رأيه بضعف المساندة العربية والإسلامية والدولية للهبّة الشعبية الفلسطينية الحالية، وفريق آخر يرى أن القضية لم تتراجع وإن زاحمتها قضايا إقليمية عديدة، ويستشهد أصحاب الرأي الأخير بما حققته الدبلوماسية الفلسطينية من إنجازات على صعيد الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة ورفع العلم الفلسطيني في مقر المؤسسة الأممية مؤخراً.
لكن على الرغم من تباين الموقف بين الفلسطينيين، إلا أنهم ذهبوا إلى ضرورة تكثيف الجهد الفلسطيني بكل أشكاله وأدواته لتجنيد المزيد من الدعم الخارجي للقضية الفلسطينية التي تواجَه بحملات واسعة ومكثفة من قبل اللوبيات الصهيونية المنتشرة في مختلف الساحات، خصوصاً الغربية، ولم يغفل الفريقان تأثيرات الانقسام الفلسطينية على التحرك الخارجي.
انشغال عربي دولي
الناطق باسم الحكومة الفلسطينية السابقة نور عودة، ومدير مؤسسة التواصل الاستراتيجي والتأثير الإعلامي، ترى أن القضية الفلسطينية لم تتراجع أهميتها على الصعيدين الدولي والإقليمي، إنما هناك مزاحمة القضية الفلسطينية من بعض القضايا الإقليمية ذات البُعد الدولي والتي طفت مؤخرًا على المشهد، أدى إلى انشغال العرب عن تطورات المشهد الفلسطيني.
وأوضحت أن ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والعراق يكتسب اهتمامًا عالميًا لما لهذه الصراعات من تأثير مباشر على العالم، على اعتبار أن المعارك التي تدور رحاها في تلك البلدان هي انعكاس مباشر لمعارك نفوذ بين قوى دولية وإقليمية، مشيرةً إلى أن ضعف المنظومة العربية برمتها أسهم في الحيلولة دون إعطاء الأحداث الميدانية ما يلزم من الاهتمام الفوري والعملي.
توحيد الرسالة
وعن كيفية إمكانية استعادة "فلسطين" لمكانتها وتربعها من جديد على صدارة الاهتمام والمشهد الدولي، بينت "عودة" أن ذلك يتطلب العمل بخطين متوازيين، الخط الأول شعبي/إعلامي، أما الثاني فهو خط سياسي وهو ما يعمل عليه الفلسطينيون حاليًا من خلال مُضيّهم في خطوات دبلوماسية وقانونية ذات بعد استراتيجي كبير، نتائجها وانعكاساتها على القضية الفلسطينية لا تزال بحاجة إلى وقت وصبر إضافة إلى استمرار بذل الجهود.
أما فيما يتعلق بالخط الشعبي- الإعلامي"، فنوهت إلى أن عدة تحولات هامة طرأت على الرأي العام الدولي تصب في صالح القضية الفلسطينية، خاصة في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة تاريخيًا بانحياز الرأي العام فيها إلى إسرائيل دعمًا وتأييدًا، ما يتوجب على الفلسطينيين استثمار هكذا تحولات عبر توحيد الرسالة الفلسطينية الإعلامية والسياسية، وتركيزها حول المطالب الفلسطينية المشروعة والعادلة ومن أبرزها إنهاء الاحتلال.
طرق فعالة وعملية
وشددت عودة على أن المطلوب من أصدقاء الشعب الفلسطيني وداعمي قضيته في هذه اللحظات، العمل جديًا على إنهاء الاحتلال لا التعاطف مع الفلسطينيين فقط لأنه لن يضع حدًا للاحتلال الإسرائيلي مع أهميته الكبيرة، مبينةً أن الجهود جميعها يجب أن ترتكز على دفع الشعوب والاتحادات إلى مقاطعة إسرائيل على اعتبار أنها دولة مارقة، وليس هذا فحسب، فلا بد من العمل على دفع البرلمانات والمجالس التشريعية إلى سنّ قوانين تضع حد إلى أي دور محتمل لبلادها في دعم استمرار احتلال فلسطين، وهو ما يتوجب على الفلسطينيين ابتكار طرق فعالة وعملية لمواصلة النضال والتأثير على الرأي العام الدولي.
اتساع الفجوة
ويتفق دبلوماسي فلسطيني يعمل في أمريكا اللاتينية مع عودة في أن القضية الفلسطينية لا تزال محل اهتمام العالم رغم تشتت الاهتمام الدولي بقضايا مختلفة، خاصة أزمات الشرق الأوسط المتعددة.
وهو الأمر الذي يبرهن عليه الدبلوماسي –الذي رفض الكشف عن اسمه- من خلال نجاح الجهود القانونية والسياسية التي قامت بها القيادة الفلسطينية بتعرية الاحتلال وكشف سوءته، مبينًا أن توجه القيادة الفلسطينية إلى المؤسسات الدولية والانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية أسهم في اتساع الفجوة بين القيادة الفلسطينية من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وحكومة الاحتلال من جهة أخرى.
وأكد أن التحرك الفلسطيني على الساحة الدولية، والانضمام إلى محكمة الجنايات والتوقيع على العشرات من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، عزز من الحضور الفلسطيني على الساحة الدولية، إضافةً إلى أنه مثّل تغييرًا في نمط التعاطي السياسي مع الاحتلال الإسرائيلي، منوهًا إلى أن هذه التحركات تسهم في نزع شرعية الاحتلال وإضعاف قوته على الأرض.
وتابع: "نجحنا عبر هذه التحركات من الحفاظ على الهوية السياسية الفلسطينية والتي حاول الاحتلال بتعاونه مع دول أوروبية إضافة إلى أمريكا، تغييبها طيلة السنوات الماضية".
بُعد سياسي
وعن أهمية هبّة القدس الحالية بالنسبة للقضية الفلسطينية في الوقت الراهن، شدد الدبلوماسي على أنها استطاعت رغم عمرها الزمني القصير -اندلعت بداية شهر أكتوبر الماضي- من تسليط الضوء على جوهر القضية الفلسطينية وعنوانها الرئيس المسجد الأقصى ومدينة القدس، وعلى بعدها السياسي كذلك.
ورأى أن البعد السياسي للانتفاضة منحها أهمية أكبر بكثير من الحرب الأخيرة على قطاع غزة، خاصة أن الحرب الأخيرة اتخذت بعدًا إنسانيًا لا سياسيًا، من خلال اختصار شروط وقف إطلاق النار بين المقاومة وجيش الاحتلال برفع الحصار وفتح المعابر.
تراجع المكانة والأهمية
ويقرّ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ومفوض العلاقات العربية والصينية عباس زكي أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب والمسلمين المركزية في السنوات الأخيرة، معللًا ذلك بسببين: الأول يتعلق بانشغال العرب في قضايا بعض الدول العربية الدامية مثل سوريا واليمن وليبيا والعراق، والثاني يتعلق باستمرار الانقسام السياسي الفلسطيني.
وشدد "زكي" على أن هناك تراجعا عربيا وإسلاميا واضحا في تبنّي القضية الفلسطينية وإبقائها على رأس اهتمامات العرب والمسلمين للسببين أعلاه، إلا أن ذلك التراجع لم ينعكس على مواقف الدول الشرقية والغربية الكبرى عدا الولايات المتحدة التي ما زالت تحتفظ بالمركز الأول على مستوى داعمي اسرائيل.
وأشار إلى أن "كلا من الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل وغيرها من الدول لا تزال تقف بقوة وراء دعم القضية الفلسطينية رغم كل المحاولات التي تبذلها اللوبيات الصهيونية للتأثير على صنّاع القرار في تلك الدول للعدول عن موقفهم من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، منوهًا إلى أن الفلسطينيين بموازاة تراجع قضيتهم عربيًا وإسلاميًا، استطاعوا احتلال مكانة بارزة في المشهد العالمي".
موقف موحد
وأضاف القيادي الفلسطيني: "استطاعت القيادة الفلسطينية ورغم التشتت الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي، من التحرك باتجاه الانضمام إلى المؤسسات الدولية والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات، ما أغاظ الاحتلال وحلفاءه وأسهم في إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها الأصيلة".
ونجحت الجهود الدبلوماسية التي تبذلها القيادة الفلسطينية بإرغام دول العالم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ورمزيتها، إذا رفع العلم الفلسطيني لأول مرة في مقر الأمم المتحدة في 30/9/2015، وهو ثاني أكبر أنجاز حققته القيادة بعد انتزاعها اعتراف 138 دولة بعضوية فلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة.
تأثير محدود
ومن ناحيته، أقر رئيس اللجنة الحكومية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة علاء البطة بوجود تراجع واضح للقضية الفلسطينية في الساحات الدولية، متفقًا مع سابقيه على أن القضايا الداخلية للدول العربية أسهمت بحدوث هذا التراجع.
وبيّن البطة أن هذا التراجع انعكس فعليًا على حجم التضامن العالمي مع قطاع غزة المحاصر منذ 8 سنوات، مبينًا أن الأعوام الثلاثة الأخيرة لم تشهد وصول أي قافلة من قوافل التضامن مع القطاع، كما كان عليه الحال سابقًا قبل هذه السنوات الثلاث.
وعن جدوى الجهود الفلسطينية التي تُبذل في سبيل استعادة الصدارة للقضية الفلسطينية، رأى البطة أن انشغال العالم بما يحدث في عدة أقطار عربية، خاصة في سوريا واليمن، أسهم في إضعاف تأثير تلك الجهود وجعله محدودًا بشكل كبير، مشددًا على أنه مطلوب من الفلسطينيين لإبقاء الروح في تلك الجهود رغم تعثرها، التوحد ووضع حدٍّ للانقسام السياسي بين الضفة وغزة الذي دمر أسس البنيان الفلسطيني.
ويذهب الفلسطينيون إلى أن رأب الصدع الداخلي وإعادة اللحمة وبناء برنامج وطني فلسطيني موحد يسهم في استعادة القضية الفلسطينية لقوتها ويمنحها الزخم الذي يمكنها من مواجهة التحديات العديدة التي تقف في طريقها.
aXA6IDMuMTM1LjE4NC4xOTUg
جزيرة ام اند امز