الحرب في سوريا تتصاعد في نفس وقت تتسارع فيه خطى الدبلوماسية .. لكن التدخل العسكري الأجنبي والمسار السياسي غير قادرين على إنهاء الصراع.
تتصاعد أحداث الحرب في سوريا في نفس الوقت الذي تتسارع فيه خطى الدبلوماسية .. لكن التدخل العسكري الأجنبي المتصاعد والمسار السياسي المتسارع غير قادرين -فيما يبدو- على إنهاء الصراع المستمر منذ أربع سنوات ونصف.
يتمثل الخطر في احتدام رحى حرب بالوكالة بين حليفي الرئيس بشار الأسد الرئيسيين -روسيا وإيران- وبين وتركيا والولايات المتحدة التي تدعم معارضين يقاتلون للإطاحة به.
ومما زاد من التوتر أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية فوق سوريا، وتعقدت عملية سياسية تدعمها الأمم المتحدة كانت قد انطلقت لتوها في فيينا وهي تواجه بالفعل تحديات جسامًا.
على الصعيد العسكري تعزز وضع الأسد في غرب سوريا بفضل ضربات جوية بدأتها روسيا منذ قرابة شهرين، إضافة إلى هجمات برية تدعمها قوات إيرانية وحزب الله اللبناني. وحققت الهجمات البرية المدعومة من روسيا مكاسب في محافظة اللاذقية القريبة من الحدود التركية وفي جنوب حلب، لكنها لم تغير دفة الحرب على نحو يجعلها تميل بحسم لجانب الأسد.
على الصعيد الآخر تلقى خصوم الأسد في الصراع -والذين تقصفهم القاذفات الروسية- دعمًا عسكريًّا أجنبيًّا جديدًا وبصفة خاصة من السعودية التي زودتهم بصواريخ تاو الأمريكية الصنع المضادة للدبابات، والتي ساعدتهم على درء هجمات في بعض المناطق.
وظهر مقاتلو المعارضة وهم يستخدمون واحدًا من تلك الصواريخ لتدمير هليكوبتر روسية هبطت على الأرض في مهمة إنقاذ لمحاولة مساعدة قائدي الطائرة الحربية التي تم إسقاطها، وذلك في لقطة تُبرز الأبعاد الدولية للحرب. وقال مصدر عسكري سوري لرويترز: إن هذه الأسلحة تستخدم بكثافة وتحدث تأثيرًا واضحًا.
وقد تتلقى قضية المعارضة المسلحة دفعة سياسية إن نجح الشهر المقبل مسعى تقوده السعودية في توحيد صفوف المعارضة المتشرذمة. وتتمثل الفكرة في تشكيل معارضة تعكس ثقل الجماعات التي تقاتل على الأرض.
في الوقت ذاته أعطت هجمات تنظيم داعش في باريس وإسقاطها طائرة ركاب مدنية روسية فوق سيناء بُعدًا جديدًا لحرب أخرى تستعر في سوريا: حرب ضد الجماعة الجهادية التي تسيطر على مساحات واسعة في الشرق.
فقد التنظيم توازنه وهو يواجه ضربات جوية فرنسية وضربات روسية مكثفة ردًّا على أفعاله. وفقد في الآونة الأخيرة أراضي انتزعتها قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة وقوات عربية وقوات الجيش السوري ومقاتلين آخرين يقاتلون كلًّا من الأسد وداعش.
إلا أن إمكانية تجمع قوى أصدقاء الأسد الأجانب وخصومه في قتال داعش في سوريا تبدو ضعيفة؛ فقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يوم الثلاثاء الماضي، إنه يرحب بانضمام روسيا للتحالف ضد داعش، غير أن عليها أن توجه ضرباتها الجوية، بحيث تتفادى المعارضة المسلحة التي تصفها بالمعتدلة وتنصب على المتشددين. أما روسيا فتقول في تصريحاتها العلنية، إنها تهاجم أهدافًا للتنظيم المتشدد.
والاختلاف الأساسي المتعلق برحيل الأسد بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جانب وبين إيران وروسيا من جانب آخر قد يُفسد عملية فيينا التي انطلقت في 30 أكتوبر تشرين الأول. ومن بين أهداف هذه العملية التوصل لوقف لإطلاق النار وإجراء محادثات بين الحكومة والمعارضة تقود إلى دستور جديد وانتخابات.
المعركة على تلال اللاذقية
قال نوح بونسي المحلل بمجموعة الأزمات الدولية: "الأثر السياسي للتصعيد الروسي أكبر بكثير حتى الآن من الأثر العسكري نفسه.
وأضاف: "ما من أسباب كثيرة تدعو للتفاؤل إزاء احتمال أن يحدث (اجتماع فيينا) تقدمًا كبيرًا باتجاه تسوية الصراع، لكن على الأقل عاد الجميع للتحدث ثانية. أهم شيء أنه بات لدى المعارضة وداعميها سبب لمحاولة ضبط المعادلة داخل المعارضة نفسها، وهي مسألة كان ينبغي أن تحدث منذ فترة طويلة.
والصراع الذي بدأ بانتفاضة على حكم الأسد سيدخل قريبًا عامه السادس بعد أن حصد قرابة 250 ألف روح، وساق أكثر من نصف السوريين بعيدًا عن ديارهم. وتسبب اللاجئون النازحون من الحرب في أزمة بأوروبا.
على الصعيد العسكري، أصبحت الهجمات المدعومة من روسيا تركز أساسًا على مناطق بغرب سوريا حاسمة لبقاء الأسد وحيث لا وجود يذكر لداعش.
وكان أبرز تقدم من جانب الجيش وحلفائه في مواجهة المعارضة المسلحة ذلك الذي حدث في محافظة اللاذقية بشمال غرب البلاد وإلى الجنوب من حلب، وإن كانت المعارضة شنَّت هجومًا مضادًا هناك هذا الأسبوع. ويحاول الجيش وحلفاؤه انتزاع السيطرة على الطريق الرئيسي السريع الواصل بين دمشق وحلب من المعارضين.
وسجَّلت الحكومة أيضًا مكاسب أمام قوات داعش إلى الشرق من حلب؛ حيث استعادت السيطرة على قاعدة جوية وفي محافظة حمص حيث أبعدت مقاتلي التنظيم عن قرى كانوا قد سيطروا عليها في الآونة الأخيرة.
لكن في حماة تمكن المعارضون الذين وصلتهم إمدادات وفيرة من صواريخ تاو من التقدم، وسيطروا على بلدة على الطريق السريع الواصل بين الشمال والجنوب، ونجحوا في درء هجوم في سهل الغاب ذي الأهمية الاستراتيجية.
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يُتابع مسار الحرب: "خلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع الماضية بدأت الضربات الجوية السورية تحقق نتائج. هذا واضح في جنوب حلب واللاذقية."
وفي ريف اللاذقية حيث أسقطت تركيا الطائرة الحربية الروسية بسط الجيش وحلفائه سيطرتهم في الآونة الأخيرة على عدد من التلال، مما يمثل خطورة على سيطرة المعارضة على المناطق المحيطة، حسبما قال أحد عناصر جماعة أحرار الشمال الذين تحدثت إليهم رويترز.
وقال: "خسارتك للتلال كشفت عليك مناطق شاسعة للثوار. هذه المناطق الشاسعة ما زالت تحت سيطرتنا، لكن خسارتنا للنقاط الدفاعية لهذه النقاط هي التي عملت أزمة علينا.
وأضاف: "النظام تقدم علينا بكمية المدفعية الثقيلة التي يرميها علينا، والطيران ترك الأرض مفتوحة جدًّا. تخيَّل مثلًا مساحة تلة صغيرة آلاف القذائف تنزل عليها".
قال المصدر العسكري السوري: إن نتائج الهجمات حتى الآن اشتملت على تدمير هياكل للقيادة والتحكم وسبل إمداد للمعارضة المسلحة.
وأضاف: "ليس المطلوب السرعة في التحرك باتجاه مواقع الإرهابيين، بقدر ما هو مهم تثبيت المناطق بشكل نهائي، ومِن ثَمَّ الانطلاق من جديد للأماكن التي توجد بها التنظيمات الإرهابية".
إلا أن المعارضة التي دفعتها الهجمات للعمل معًا بصورة أكبر، تتحدث بلهجة تحمل تحديًا وثقة، بعد أن تعزز موقفها بالنجاح الذي سجلته في محافظة حماة. وهي ترى في اعتماد الأسد على حلفاء أجانب دلالة على الضعف.
قال جميل صالح الذي يقود فصيلًا تابعًا للجيش السوري الحر: "حق كل إنسان أن يحلم، وبوتين يحلم بالقضاء على الثورة السورية، وهذا حلم."
وقال إدريس الرعد وهو شخصية بارزة في فيلق الشام أحد جماعات المعارضة الإسلامية: إن التدخل الروسي خلَّف مزيدًا من الدمار، لكنه رفع المعنويات وقرب بين صفوف المعارضة، وهذا أمر إيجابي.
أما بونسي المحلل بمجموعة الأزمات الدولية فقال: "فيما يتعلق بأولوية النظام القصوى وهي الحرب على جماعات المعارضة المناهضة لداعش يظل الأمر ينطوي على عناصر عديدة من منظور النظام .. ما من شيء يمكن أن نقول إنه يغير ميزان القوى بشدة".
aXA6IDE4LjExOC4xNDQuMTA5IA== جزيرة ام اند امز