ملتقى أبوظبي الأسري الأول .. رسم بعُمق استراتيجية الإعلام الاجتماعي
في تغطية خاصة لبوابة العين الإخبارية
مجلس الأسرة الاجتماعي لم يحاول الإجابة على كل الاسئلة، بل يطرحها بوصفها جزءًا من الحل، وليس جزءًا من المشكلة.
نظَّمت مؤسسة التنمية الأسرية فعاليات ملتقى أبوظبي الأسري الأول، حيث اجتمعت العديد من المؤسسات والهيئات الحكومية وشبه الحكومية وهيئات ومؤسسات القطاع الخاص تحت مظلة واحدة تتيح الفرصة للأسرة وجميع أفرادها التعرف على الخدمات الاجتماعية التي تقدمها لهم تلك الجهات، وذلك انطلاقًا من التوجهات الاستراتيجية لحكومة إمارة أبوظبي في تطوير الخدمات الاجتماعية المقدمة للأسرة وجميع أفرادها.
تجاوز ملتقى أبوظبي الأسري الأول 2015 الذي أقيم في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال الفترة من 24 حتى 26 من نوفمبر الحالي فكرته بوصفه ملتقى ليكرس فكرة الديمومة من خلال مجلس الأسرة الاجتماعي الذي أتاح للجمهور فرصة تبادل الخبرات، وإنتاج المعرفة، وعلى الأخص أنه أخذ على عاتقه فرصة تقديم الحوار والجرأة في طرح مضامين فكرية اجتماعية شكلت برؤيتها ومضامينها خريطة طريق للأسرة الإماراتية.
هذا الملتقى الذي جاء برعاية كريمة من "أم الإمارات" الشيخة فاطمة بنت مبارك، وبناءً على توجيهاتها لترسيخ مفهوم الأسرة الواحدة بجميع فئاتها، وتجسيدًا لقيم الأسرة في التكافل والتراحم والترابط والعدالة، وعبرت جهود مريم الرميثي مدير عام مؤسسة التنمية الأسرية في لقائها مع الصحفيين عن شراكة فريدة بين مؤسسة التنمية الأسرية والإعلام الاجتماعي الذي أصبح مطلبًا يحتاج لمزيد من الاهتمام والرعاية.
لم يحاول مجلس الأسرة الاجتماعي الإجابة على كل الأسئلة، بل يطرحها بوصفها جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة، وعلى الأخص إن مضامين ونظريات على النفس الاجتماعي أصبحت معظمها من الأمور التي تحتاج لإعادة النظر وليست من المسلمات في ظل الثورة التي أحدثها عالم الإنترنت في إسقاط معطيات الرقابات الاجتماعية قاطبة.
كانت أولى اللقاءات التي توجت افتتاح مجلس الأسرة الاجتماعي مع د. علــي راشــد النعيمــي مديــر جامعــة الإمــارات الذي وجه رســالته إلــى أوليــاء الأمور بضــرورة قيــام الجميــع بــالأدوار المنوطــة بهــم مــن أجـل الحفـاظ علـى تماسـك وترابـط المجتمـع، وذلك في محاضرته التي حملت عنوان: «حماية الأسرة: الأمن الفكري وتعزيز الهوية الوطنية»، إن الذين يحاولون الإساءة إلى صورة الإمارات ونموذجها الحضاري العصري هم فئتان، الأولى: تستخدم الإسلام كستار تختبئ تحته مدعية حرصها على الدين الحنيف وتعاليمه، وهي أبعد ما تكون عنه، والفئة الثانية: هي فئة تعادي أي اتجاه متطور ومتحرر بحجة محافظتها على التقاليد والعادات والخوف على الهوية الوطنية، مـع أنهـم يدركـون أن الإنجــازات التــي تحققـت فـي المجتمـع الإماراتـي هـي إنجـازات جماعيــة.
وركَّــز د. النعيمــي علــى محــور فــي غايــة الأهميــة، وهــو التطــرف الفكــري الــذي بــدأ يســود لــدى بعــض الشــباب، والــذي يأخذنــا إلــى المجهــول لشــدة خطورتــه، مؤكدًا أن المجتمع الإماراتي يواجه تحديات حقيقية تتطلب من الجميع القيام بدورهم في الحفاظ على تماسك وترابط هذا المجتمع.
هذه المحاضرة كانت بمثابة البوصلة التي وجهت مجلس الأسرة الاجتماعي لِأَن يتحول لمبادرة دائمة لما شكله هذا المنبر من تعددية في إنتاج الآمال الواعية لثقافة الحوار، ولأن لغة الحوار التي نشاهدها جميعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي تخلو في أغلب الأحيان من المسؤولية الناضجة والواعية، فإن انعقاد هذا المجلس بصورة دائمة سيشكل مرجعية كبرى لجيل الشباب الذي يحمل رغبة جامحة بمن يصغي إليه في العالم الواقعي وليس الافتراضي فقط.
كما قدم "المجلس" عبر فعالياته مفهومًا خلاقًا لمعاني المشاركة الاجتماعية التي تتيح للأفكار الشفوية أن تتحول لأفكار قابلة للتشاركية المجتمعية وعلى الأخص أن هناك الكثير من الأفكار التي ما تزال خارج منصات التدوين، ومن أبرز تلك الأفكار الأسئلة التالية: ما معنى أن يصبح الرجل أبًا؟ وما مواصفات الأسرة الناجحة؟ وما المحمولات التي تساعد الأسرة للتخلص من القلق؟ وكيف يحدث القلق داخل الأسرة؟ وهل –فعلًا- الأسرة تدخل مفهوم الأحادية أم أنها أصبحت تعددية؟ وكيف يتم نقل خبرات الأجيال وقصص نجاحهم داخل الأسرة الواحدة؟ وما أنماط الصداقة التي تتشكل داخل الأسرة؟ وكيف يمد جسور من الاهتمامات حين يكون داخل الأسرة الواحدة أكثر من ثلاثة أجيال بنفس الوقت؟ وما طرق الابتكار في مجال التربية؟ وما مرجعيات التربية وعلاقتها بالعالم ومن يحددها؟ وما أنماط الثقافة التي تحصل عليها؟ الأسئلة التي يمكن إنتاجها حين يتعلق الأمر بالأسرة أكبر بكثير من إمكانية حصرها، ومن هنا تأتي الأهمية الأخرى لمجلس الأسرة الاجتماعي في مساعدة أفراد الأسرة الواحدة على طرح أسئلتهم المتعددة؟
التفكير في قضايا الأسرة وتشابكها المعرفي والاقتصادي يُشبه -إلى حد كبير- التفكير في السؤال: إلى أين يسير الحاضر؟ ومن هنا تأتي أهمية انعقاد هذا المجلس بصورة دائمة؛ لما يشكله من أرضية مشتركة لكل هذا التنوع في فهم مفردة واحدة لم تعد كامنة داخل ظلمات اللغة وتلك المفردة هي "الأسرة".
وفي هذا الإطار قدمت الدكتورة نجوى الحوسني مستشار مجلس أبوظبي للتعليم، محاضرة "التماسك الأسري وتوجيه سلوكيات الأبناء في ظل الآثار السلبية للعولمة" قالت فيها: إن بناء علاقات أسرية إيجابية من خلال التواصل الأسري الفاعل، والحوار الإيجابي أحد أهم الدعائم التي تسهم في مساعدة الأسر على فهم واحتواء بعضهم، ويؤدي غيابه إلى عدة مشكلات تهدد استقرار وتماسك الأسرة.
وحول علاقة تنمية الأسرة بالتماسك والتواصل الأسري بتوجيه سلوكيات الأبناء، أكدت الحوسني أن التواصل الأسري هو محور الارتكاز لمدى التماسك والترابط العاطفي بين أفراد الأسرة، وهو الذي يحقق معادلة الموازنة في تفاعلات أفراد الأسرة مع بعضهم، وخاصة الرابطة العاطفية التي توجد بين أفراد العائلة من جهة واستقلالية الفرد في النظام الأسري من جهة أخرى.
فالتواصل الأسري الفاعل هو الذي يمنح الأسرة مرونة وقابلية للتكيف وتغيير تركيبة وهرمية القوة وعلاقات الأدوار والقوانين داخلها استجابة للحاجات الموقفية أو التطورية لأفرادها (مثل حالات فقدان أحد أفرادها، أو الانفصال، أو مرض أو انحراف أحد أفرادها، أو تعرض الأسرة إلى أزمة ما تضطر الأسرة لتغير أدوار ومسؤوليات أفرادها)، وهي من أهم المميزات التي تساعد الأسر على مواجهة أزماتها، والعودة إلى وظائفها الطبيعية، والتمكن من توجيه أو إعادة توجيه سلوكيات أبنائها للاتجاه السليم قبل وأثناء وبعد الأزمة، مؤكدة أنه في زمننا الحالي لا توجد أسرة غير معرضة لإمكانية تأثر أحد أفرادها بحدثٍ ما، قد يؤدي إلى توجه أحد الأبناء أو الأزواج نحو سلوكيات خارجة عن إطار المألوف اجتماعيًّا، كما أكدت أن دور الأسر في إعادة توجيه سلوكيات أفرادها تجاه الطريق السوي لا يقل أهمية عن دورها في وقاية أبنائها من الانحراف.
وحول التحدي الذي تواجهه الأسر في مجتمع إمارة أبوظبي بتحقيق التواصل الأسري الفاعل في ظل تضاؤل فرص التفاعل اليومي بين أفراد الأسرة، سواء الزوجين أو الأبناء؛ قالت: إن دراسة للمؤسسة شملت مؤشرات التماسك الأسري في إمارة أبوظبي لفهم مدى تأثير الاتجاهات الأسرية الحديثة في صحة ورفاهة الأطفال استرشادًا بمؤشرات خريطة العالم الأسرية، وتوجهات الأسر نحو التماسك الأسرية.
والنتائج التي أشار إليها الأفراد الذين شاركوا في الدراسة عن سؤال (هل ترى أن الأسر تحافظ على تماسكها وترابطها ضمن متغيرات العصر؟)، وجاءت الإجابات أن (63%) من الأفراد أجابوا أن الأسرة في الإمارة لا تزال تحافظ على تماسكها وترابطها ضمن متغيرات العصر، فيما رأى أن (27%) من أفراد الأسر أن الأسرة متماسكة نوعًا ما، فيما لم يشِر سوى (10%) بأن الأسر لم تعد قادرة للمحافظة على تماسكها في ظل التطورات العصرية.
أما فيما يتعلق بالسؤال حول (اجتماع أفراد الأسرة على مائدة الطعام) فقد كانت النتائج جيدة ومبشرة، حيث أشار (64%) من الأسر بأن الأسرة لا تزال تجتمع على وجبة واحدة مرة واحدة يوميًّا على الأقل في المناطق الثلاثة، كما يجتمع (18%) من الأسر أحيانًا على وجبة الطعام يوميًّا، وهذا مؤشر يعطي دلالة جيدة لتماسك الأسرة في الإمارة يمكننا البناء عليها لرفع مستوى التفاعل بين أفرادها.
مشيرة إلى أن الطموح أكبر، بأن يصل مؤشر الأسر التي يجتمع أفرادها على وجبة طعام واحدة مرة واحدة يوميًّا على الأقل (90%) من الأسر، وفقًا لأفضل النسب التي تم تسجيلها ضمن مؤشرات خريطة العالم الأسرية كمؤشر للتفاعل والتواصل الأسري الفعال بين أفراد الأسرة، لأن هناك تدنيًّا في نسبة الشباب الذكور الذين يتشاركون مع أسرهم في تناول وجبات الطعام مقارنة بنسبة الاناث.
وعن (مشاركة أفراد الأسرة في مناقشة الأمور الحياتية) أشارت النتائج إلى عدة أمور ذات أهمية، تتلخص في تواضع نسبة الأسر التي يتناقش أفرادها في الأمور الاجتماعية والحياتية مرة واحدة يوميًّا على الأقل، فأشار (41%) فقط من أفراد الأسر المشمولين في تحليل وضع الأسرة في إمارة أبوظبي يتناقشون مع أفراد الأسرة في الأمور الاجتماعية والحياتية مرة واحدة يوميًّا على الاقل، فيما يتناقش (25%) من أفراد الأسر مع أسرته مرة واحدة أسبوعيًّا على الأقل، لكن الطموح للأسرة في إمارة أبوظبي هو الوصول إلى أسرة يناقش أفرادها أمورهم الحياتية والاجتماعية يوميًّا على الأغلب وبنسبة تقدر بـ92% من الأسر على المدى المتوسط، وذلك وفقًا لأفضل النسب التي تم تسجيلها ضمن مؤشرات خريطة العالم الأسرية كمؤشر للتفاعل والتواصل الأسري الفعال بين أفراد الأسرة، ورفع النسبة إلى (60%) من على المدى القريب وذلك وفقًا للحد الأدنى الذي تم رصده ضمن مؤشرات خريطة العالم الأسرية.
وفي تصريح خاص لموقع العين الإخباري، قالت مريم الرميثي مدير عام مؤسسة التنمية الأسرية: إن الملتقى سلط الضوء على الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي من خلال المؤسسات والجهات الإعلامية العاملة في إمارة أبوظبي لخدمة الأسرة والمجتمع. وأشارت لأهمية وجود 42 شريكًا من مختلف المؤسسات الحكومية في الملتقى، ووجود نموذج لمركز الخدمات الاجتماعية المتكاملة الذي قام بتقديم خدمات مؤسسة التنمية الأسرية وخدمات الشركاء من المؤسسات الحكومية الأخرى، وتخليص معاملات الأسرة في مكان واحد، حيث ارتبطت أجهزة المركز بأجهزة الشركة الأم وبقية المؤسسات.
الملتقى الذي تخلله أكثر من 150 إلى 200 فعالية تم التسجيل له إلكترونيًّا، وهذه بادرة عربية في غاية الأهمية لتفعيل الخدمات الإلكترونية، وإزالة الأبعاد الجغرافية التي تكون عائقًا للتسجيل لدى بعض الأسر والأفراد.
نجح الملتقى عبر أيامه الثلاثة بصورة مدهشة وعلى الأخص أن تجربة الإمارات قد أصبحت بوصلة ونموذج للعالم في مجال التنمية الأسري ورعاية الإعلام الاجتماعي، وطرح القضايا والظواهر، والبحث عن الحلول من خلال الخبراء والمختصين، عوامل تسهم في توعية المجتمع، الملتقى حمل أهمية توجيه هذا النوع من الإعلام والعمل على تفعيله من خلال استراتيجية واضحة.