داوود أوغلو.. ظل أردوغان ينسحب من المشهد
إعلان داوود أغلو، عدم الترشح لرئاسة حزب "العدالة والتنمية"، جاء بمثابة مفاجأة للجميع، لكن المفاجأة الأكبر كانت السبب وراء القرار.
جاء إعلان أحمد داوود أغلو، رئيس الوزراء التركي، عدم الترشح لرئاسة حزب "العدالة والتنمية"، في مؤتمره القادم، بمثابة مفاجأة للجميع، لكن المفاجأة الأكبر كانت السبب وراء القرار.
فالرجل، الذي لقب بـ"مهندس" الخارجية التركية، رافق الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال أكثر من عقد، كظله، لكنه الآن قرر أن يتوارى عن المشهد السياسي، والمثير للدهشة أن السبب كان ظله.
وأعلن داوود أوغلو، في مؤتمر صحفي الخميس، عدم ترشحه لرئاسة حزب "العدالة والتنمية"، خلال المؤتمر العام المقبل للحزب، والمزمع عقده في 22 أيار/ مايو الجاري.
ونفى داوود أوغلو وجود خلافات مع أردوغان قائلا: "العلاقة بيني وبين الرئيس رجب طيب أردوغان علاقة أخوية ولن أسمح لأحد بالمساس بها ".
وطمأن رئيس الوزراء الشعب التركي على أن قراره لن يكون له تداعيات سلبية، مضيفا: "لن نترك البلاد للفراغ الحكومي ولو لثانية واتخذنا كل التدابير اللازمة".
وتحدثت وسائل إعلام تركية بأن الخطوة جاءت نتيجة تعرض "داوود أوغلو" لاتهامات بـ“التآمر والخيانة" وجّهها مقرّبون من الرئيس رجب طيب أردوغان، ما يمثل فصلًا جديدًا، في العلاقة بين أوغلو، وأردوغان، بعد صداقة دامت لنحو ثلاثة عقود.
وقال داوود أوغلو، أمام الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم: "لا أخشى سوى الله، لا ما يُكتب ويُقال عني، وأنا مستعد للتخلّي عن أي منصب، وأن أضحّي بنفسي في سبيل بقاء حزب العدالة والتنمية متماسكاً".
وتأتي تلك الاتهامات بعدما نشر "مجهول" على الإنترنت ما سمّاها "نقاط خيانة الأمانة" التي سجلها أردوغان على داوود أوغلو، خلال ترؤسه الحكومة، في تقرير شبه استخباراتي أحصى على داوود أوغلو أنفاسه وتحرّكاته وعلاقاته وتصريحاته، ولم يعلّق عليه قصر الرئاسة، كما لم ينفِ معلومات أفادت بأن مستشاراً للرئيس التركي كتبه، بحسب ما أشارت صحيفة "الحياة" اللندنية.
وأشار التقرير إلى أن "داوود أوغلو لم يلتزم شرطين وضعهما أردوغان لتسليمه زعامة حزب العدالة والتنمية، وهما إقرار نظام حكم رئاسي والامتناع عن التعاون مع الغرب الذي يريد إطاحة أردوغان، مستغلاً الملفين السوري والفلسطيني".
وتحدثت تقارير أخرى عن عدم ارتياح رئيس الوزراء لرغبة أردوغان تغيير النظام السياسي بالبلاد من برلماني إلى رئاسي، وتعديل الدستور لنقل جميع الصلاحيات إليه وتغيير التوازن بين السلطات لصالحه.
فمنذ أن تولى داوود أوغلو منصب مستشار أردوغان للسياسة الخارجية عام 2003 برتبة سفير، وحتى توليه منصب رئاسة الحكومة عام 2014، قرر الابتعاد عن المشهد اليوم، بإعلانه عدم الترشح لرئاسة حزب "العدالة والتنمية" اليوم.
وشكل داوود أوغلو ركنًا رئيسيًا في السياسية الخارجية لتركيا، منذ أن كان مستشارا لرئاسة الوزراء عام 1999، حيث شهدت تركيا، في ذلك الوقت، حراكًا في المجالين السياسي والاقتصادي، لاسيما في قضايا كانت مجل جدلًا تركيًا مثل القضية القبرصية، والعلاقات مع أرمينيا.
وفي 2008، كان لداوود أوغلو بصمته في الجهود الدبلوماسية التي عرضتها الحكومة التركية بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، حيث استضافت إسطنبول جولات من المفاوضات امتدت لمحاولات تسوية بين إسرائيل وسوريا أيضًا، ليأتي بعدها بعام توليه لوزارة الخارجية كبصمة جديدة، للرجل، في الحياة السياسية إذ أنه لم يكن يشغل مقعدًا نيابيًا، بخلاف ما جرت العادة.
ويرى داوود أوغلو أن مبدأ سياسة خارجية ناشطة على عدة جبهات في وقت واحد يعزز صورة تركيا متوجهة إلى الغرب بدون أن تنسى علاقاتها "التاريخية" مع الشرق، حيث كانت من أبرز تصريحاته "تركيا لا يمكنها تغليب علاقاتها مع الشرق أو مع الغرب".
ولأعوام مضت، كانت أطروحات داوود أوغلو بالغة الأثر في إضفاء حيوية كبيرة للسياسة الخارجية التركية، في كثير من القضايا، التي تشغل الرأي العام الدولي، خاصة في ظل اشتعال الوضع الإقليمي في سوريا والعراق، وسيطرة الحلف الروسي الإيراني، مطبقًا ما أسماه بالمبادئ الخمسة.
وتحدث داوود أوغلو عن تلك المبادئ في كتابه "العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في السياسة الدولية"، وهي: "التوزان بين الأمن والديمقراطية"، و"صفر مشاكل مع الجيران"، و" دبلوماسية السلام الاستباقية النشطة"، و"السياسة الخارجية متعددة الأبعاد"، و"الدبلوماسية المتناغمة".
وجاء اختيار أردوغان، لداوود أوغلو كرئيس للحكومة في ظل قيادته لرئاسة الحزب الحاكم عام 2014، ليعزز من مهمته، داخليًا وخارجيًا، خاصة أنه شخصية جامعة، قارة على أن تكسب النخب الفكرية المعارضة، قبل المؤيدة، بخلاف أردوغان، الذي كان يتشابه معه في الإطار المفاهيمي العام للإسلام فقط.
وفي الوقت الذي كان يرتكز فيه الرئيس التركي على سياسة التصادم، في مواقفه إزاء الكثير من القضايا بالمنطقة، كان داوود أوغلو، صاحب الدبلوماسية الهادئة، والحنكة السياسية العميقة، التي تلطف الأجواء، حتى بات يلقبه الجميع بالظل الناعم لأردوغان.
واتفقت مصادر دبلوماسية، في أحاديث منفصلة لبوابة "العين"، أن داوود أوغلو كان يشكل ظل أردوغان الناعم، الذي كان يصحح ما يثيره الأخير من صادمات ومشاحنات في تعامله مع مختلف القضايا بالمنطقة.
أوغلو، الذي تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة البوسفور في إسطنبول، عام 1984، وحصل على الدكتوراه عقب ذلك في قسم العلاقات الدولية، بدأ العمل في الجامعة الإسلامية الدولية بماليزيا، عام 1990.
وفي عام 1995 عاد داوود أوغلو إلى تركيا، وواصل حياته الأكاديمية بجامعة "مرمرة"، وفي الفترة من 1999، وحتى 2004، ترأس قسم العلاقات الدولية بجامعة "بَي كنت" بالعاصمة أنقرة، وفي الفترة ذاتها عمل مستشارا في رئاسة الوزراء التركية، قبل أن يأخذ مكانه في قيادة الظل لرجب طيب أردوغان.