«التاريخ الكبير ومستقبل البشرية».. من الماضي وحتى الحاضر
يقدم الكتاب مقاربة نظرية بسيطة تجعل التاريخ الكبير "مفهوما وسهلا" وتكشف أيضا عما يمكن أن يحمله المستقبل للإنسانية
يبدو تاريخ البشرية على كثرة ما تناولته الأقلام وكتب عنه من دراسات، دائمًا، موضوعًا جاذبًا ومغريًا بالبحث والدراسة، في هذا الإطار صدر أخيرًا كتاب «التاريخ الكبير ومستقبل البشرية»، لمؤلفه فريد سباير، ومن ترجمة عزت عامر. في هذا الكتاب الصادر عن دار التنوير (بالاشتراك مع المركز القومي للترجمة بالقاهرة)، يقدم فريد سباير مقاربة نظرية بسيطة تجعل التاريخ الكبير "مفهومًا وسهلًا"، وتكشف أيضًا عما يمكن أن يحمله المستقبل للإنسانية. يعرض الكتاب الماضي الإنساني ضمن تاريخ الحياة والأرض والكون.
منهجيًا، يندرج الكتاب تحت هذا الفرع من الدراسات التاريخية، الذي يبدو بزوغه واعدًا ومبشرًا وقادرًا على أن يزودنا بنظرة عامة عن الماضي المعروف كاملًا، منذ بدء الزمان وحتى اليوم الحاضر.
وتقدم هذه المقاربة الجديدة تفسيرًا للتاريخ الكبير على أنه تاريخ نشوء وزوال التعقد بكل صيغه هائلة التعدد من مجموعات المجرات الأكثر ضخامة إلى أصغر الجزيئات دون الذرية. من خلال التركيز على تدفق الطاقة في المادة والظروف التي أنتجت التعقد، يتابع الكاتب نشوء وانحدار أهم الصيغ الرئيسية للتعقد التي وجدت، بما فيها المجتمعات الإنسانية ومنتجاتها. كتاب «التاريخ الكبير ومستقبل الإنسانية» يطرح رؤى محفزة لأصل الحياة وتطورها ويمثل دعوة لتأمل مكانة الإنسان في الكون بطريقة مدهشة وجديدة.
يقول المؤلف -في مقدمة كتابه-: "إن ما حفزني على البحث عن نظرية تشكل أساسًا للتاريخ الكبير هو اهتمام عميق بما كان يفعله البشر في ظروف حياتنا على كوكب الأرض، وأتى انشغالي البيئي بدوره، كنتيجة مباشرة لرحلات طيران أبولو إلى القمر في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات".
إذن، يأتي هذا الكتاب كمقاربة للتاريخ تضع التاريخ البشري في سياق التاريخ الكوني، من بداية الكون حتى الحياة الراهنة على الأرض، ويلاحظ المؤلف انحرافًا جذريًا عن السبل الأكاديمية المستقرة في النظر إلى التاريخ البشري؛ إذ ينظر التاريخ الكبير إلى ماضي نوعنا البشري من داخل الصورة الكلية للتاريخ الطبيعي منذ الانفجار الكبير. ولذلك يقدم التاريخ قصة علمية حديثة حول كيفية صيرورة كل شيء إلى ما هو عليه الآن، ونتيجة لذلك يقدم التاريخ الكبير فهمًا جديدًا من الناحية الجوهرية لماضي البشر، ما يسمح لنا بتوجيه أنفسنا في الزمن والمكان بطريقة لم يفعلها أي تاريخ أكاديمي حتى الآن، ويضاف إلى ذلك أن مقاربة التاريخ الكبير تساعدنا على ابتكار إطار نظري جديد، يمكن فيه لكل المعارف العلمية أن تندمج من حيث المبدأ.
التاريخ الكبير، كما يوضح الكتاب، تعبير ابتكره المؤرخ دافيد كريستيان، ففي الثمانينيات قدم كريستيان منهجًا عابرًا للأفرع العلمية في إحدى جامعات سيدني بأستراليا، قدم فيه أكاديميون يتراوحون بين علماء الفلك والمؤرخين محاضرات حول الأجزاء التي تخصهم في الماضي الشامل بالكامل، وأصبح هذا المنهج الدراسي نموذجًا لمناهج الجامعات الأخرى، بما في ذلك البرامج التي قام سباير مؤلف هذا الكتاب بتدريسها منذ العام 1994 في جامعة أمستردام بهولندا.
يقول المؤلف: "رغم أن كل المعارف التي يتم تعليمها في مناهج التاريخ الكبير متاحة بسهولة في المجال الأكاديمي، فإنه من النادر أن يتم تقديمها على هيئة أساس تاريخي واحد، وهذا في الأغلب نتيجة لحقيقة أنه خلال 200 سنة مضت، انقسمت الجامعات إلى عدد متزايد من التخصصات والأقسام، ورغم ذلك فمنذ الثمانينات كان الأكاديميون من المؤرخين إلى علماء الفيزياء الفلكية يقدمون تجميعات تاريخية رائعة جديدة يقترحونها في كتب ومقالات".
يسعى المؤلف إلى تفسير التاريخ الكبير؛ حيث يمثل الكتاب أساسًا جديدًا لماضينا الشامل بالكامل، وبشكل أكثر وضوحًا، فإنه بناء على أعمال عالم الفيزياء الفلكي الأمريكي إريك شايسون تم اقتراح نظرية تاريخية لكل شيء؛ حيث يتم تحليل التاريخ البشري كجزء من هذا المخطط الأكبر.
في الفصل الثاني من الكتاب يتم تقديم هذه المقاربة النظرية، بينما يتم تطبيقها في الفصول اللاحقة على التاريخ الكبير. إذًا فإن هذا الكتاب يعرض الماضي الإنساني ضمن تاريخ الحياة والأرض والكون، مع توضيح أن بزوغ هذا الفرع من الدراسات التاريخية يزودنا بنظرة عامة على الماضي المعروف كاملًا.
فريد سباير، مؤلف الكتاب، أستاذ محاضر في جامعة أمستردام، ويدرس التاريخ الكبير في جامعة أيندوهفن للتكنولوجيا. وهو مؤلف كتاب «الأنظمة الدينية في البيرو» 1994، وكتاب «بنية التاريخ الكبير: من الانفجار العظيم إلى اليوم».
aXA6IDMuMTQ1LjguMTM5IA== جزيرة ام اند امز