"أحفاد محفوظ" لصلاح فضل عن الدار المصرية اللبنانية
"أحفاد محفوظ" حلقة من مشروع نقدي يسعى لمواكبة الإبداع السردي من المحيط إلى الخليج
يحلل الأكاديمي والناقد المصري الدكتور صلاح فضل في كتابه الجديد «أحفاد محفوظ» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ما يزيد على 60 عملا روائيا لما يقرب من 50 كاتبا صدرت أعمالهم خلال السنوات العشر الأخيرة، ليواصل في هذه الحلقة/ الكتاب مشروعا نقديا ضخما سعى به إلى مواكبة الإبداع السردي المتدفق من المحيط إلى الخليج، كان قد بدأه بكتابه "أساليب السرد في الرواية العربية"، الذي أتبعه بـ "التمثيل الجمالي للحياة"، ثم "سرديات القرن الجديد" الصادر عن الدار ذاتها وضمن سلسلة (رؤى نقدية) التي يرأسها فضل.
ولد نجيب محفوظ أوائل العقد الثاني 1911، وتدفق إنتاجه بغزارة في عقود منتصف القرن منذ الأربعينيات وتلاه جيل الستينيات الذي شغل الفضاء الإبداعي في العقود الأخيرة من القرن، أما الجيل الثالث، وهم الأحفاد الذين يعنيهم الكتاب، فقد بدأوا النشر في حقبة التسعينيات، وتتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين.
رسم المؤلف بقلمه صورة تعكس ملامحها وخطوطها العريضة نظرته ورؤيته لمختارات من الأعمال الأدبية لجيل من الروائيين جمع بينهم هذا العمل تحت عنوان: "أحفاد محفوظ"، باعتبارهم أحفاده من التناسل الأدبي لاختزانهم تجربته التقنية وتجربة كبار الكتّاب أيضًا.
الكتاب يعدّ إطلالة كاشفة وقراءة نقدية يرصد تجارب متعددة ورؤى متباينة ومدارس شتى.. بعضها ينحو للرمزية، وبعضها يجنح للخيال، وثالث عمل توثيقي وتاريخي، منها ما يعبر عن تجارب شخصية، ومنها ما يحاكي واقع الحياة الاجتماعية، وما تحفل به من نماذج بشرية متعددة، وما تموج به نفوسهم من تناقضات وصراعات وتكالب على الحياة، وما تعتمل به من خير وشر، وحب وحقد، وتقوى وفجور.
وإذا كان المؤلف قد وضع أعمال هؤلاء الرواة تحت مجهر النقد الأدبي فإنه لم يصادر على رأي القارئ، وإنما ترك له الباب مواربًا، ليطلق له العنان ليرصد من بين السطور فكر هؤلاء الأحفاد وميولهم، ويتعرف على البيئة التي شكلت رؤاهم، ويتبين مدى نضج وثراء تجربة الأحفاد وما تزخر به من دلالات. كما يعرض هؤلاء الأحفاد على ميزان القيم الذي لا يكذب ولا يتجمل ليتبين الغث من السمين، وما يسمو بذوقه وما ينحدر بفكره ليحكم لهم أو عليهم.
وكشف مؤلف الكتاب أن العنوان "أحفاد محفوظ" استوحاه من كتاب الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي "أحفاد شوقي" قائلا "ليس محفوظ بأقل من شوقي في كثرة النسل وخصوبته، ولما كنت قد نشرت من قبل كتابات نظرية عديدة عن مفهوم الأجيال وتحقيبها، أي توزيعها على حقب زمنية فإن بوسعي تبرير ذلك جيدا وإقناع الناشر والقارئ أيضا به.
وخلاصة ما انتهيت إليه في هذا الصدد، طبقا لآراء الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين معا، أن بوسعنا تقسيم القرن الزمني إلى ثلاث حقب متداخلة تحتوي ثلاثة أجيال متخارجة، فمحفوظ مثلا ولد أول العقد الثاني 1911 وتدفق إنتاجه بغزارة في عقود منتصف القرن منذ الأربعينيات وتلاه جيل الستينيات الذي شغل الفضاء الإبداعي في العقود الأخيرة من القرن.
أما الجيل الثالث ـ وهم الأحفاد الذين أعنيهم ـ فقد بدأوا النشر في التسعينيات بالتداخل مع من كان قبلهم حتى اليوم. فهم أحفاد محفوظ في التناسل الأدبي لاختزانهم تجربته التقنية وتجربة الكبار أيضا، وهم المبدعون العاملون بالتعبير الأكاديمي، بينما من سبقوهم مثلي من المتفرغين، وهنا نلاحظ عدم تطابق خارطة أجيال النقاد مع المبدعين، لأن الناقد النشط لا بد أن يمتد عمله إلى الأجيال السابقة واللاحقة ما دام قادرا على استيعاب النصوص ورصد جمالياتها وتحولاتها ورسم خطوطها العريضة وتفاصيلها الدقيقة".
ويتوقف الناقد عند أهم الظواهر اللافتة في إبداع هذا الجيل من "أحفاد نجيب محفوظ"، ويسجلها في ثلاث نقاط؛ الأولى أن هذا الجيل مضى بالرواية العربية إلى آفاق رحبة من التطور والخصوبة والثراء، وحافظوا في الأغلب الأعم على الإطار السردي المستوعب للأشكال المستقرة والتقنيات الناضجة.
أما النقطة الثانية، تفرد من أبناء هذا الجيل عددٌ من الكتاب الذين يتقنون في الأغلب لغة أجنبية عالمية ويترجمون بها ويطلعون عبرها على التيارات الحداثية والتجريبية والطليعية في الرواية، فاستهواهم النوع الثاني من الإبداع الذي يشبع ما يسمى بـ "جماليات التخالف" أي تلك التي تسعى إلى توظيف تقنيات غير معهودة صادمة لعامة القراء، لكنها مثيرة للتأمل لدى المثقفين المتخصصين والمستعدين بفطرتهم للتجريب، وفي مقدمة هؤلاء يقف الثلاثي الجميل طارق إمام وأحمد عبدالله وياسر عبدالحافظ، بجرأتهم المدهشة وإنجازاتهم اللافتة التي أخذت حظها من التقدير والنقد العنيف أحيانا على صفحات هذا الكتاب.
والظاهرة الثالثة التي استلفتت فضل فهي بروز عدد من شباب الكاتبات ـ وكلهن شابات بطبيعة الأمر ـ اللاتي تجاوزن القضايا النسوية التقليدية في كتابتهن وتقدمن ليحكين قصة العالم من منظورهن وبلغتهن، طامحات إلى أن يشكلن هذه الرؤية بغض النظر عن اختلافهن النوعي بطريقة مساوية ومنافسة ومتكافئة تماما مع منظور الرجال الملتبسين بحلات البطريركية المزمنة، ولعل كتابات منصورة عز الدين ومي خالد وهالة البدري وأمل عفيفي أن تكون نموذجا لهذا التيار.
من الأعمال التي يتناولها فضل للكاتب الروائي محمد المنسي قنديل "يوم غائم في البر الغربي"، و"أنا عشقت"، و"كتيبة سوداء"، وللكاتب د. عمار علي حسن "شجرة العابد" و"وردة التحرير"، وللكاتب وجدي الكومي "الموت يشربها سادة" و"خنادق العذراوات"، ورواية "هدوء القتلة" لطارق إمام، و"خمارة المعبد" لبهاء عبدالمجيد، و"كتاب الأمان" لياسر عبد الحافظ.. وغيرهم.
aXA6IDMuMTMzLjEyNC4xNjEg
جزيرة ام اند امز