اليوم الـ159 لحرب غزة.. زاد في البحر ودماء على البر
وسط تباين بين طرفي حرب غزة لم يفض إلى هدنة يضغط لإتمامها الوسطاء، يكثف العالم تحركاته لإغاثة القطاع الذي يواجه خطر المجاعة عبر سفن محملة بالمساعدات، بينما على الأرض تتواصل عمليات القتل والقصف في الحرب التي دخلت يومها الـ159.
وحذرت الأمم المتحدة من أن وقوع مجاعة واسعة النطاق في قطاع غزة "تكاد تكون حتمية" ما لم تُتخذ إجراءات طارئة، وقد يصدر إعلان رسمي هذا الأسبوع عن وقوع مجاعة بالجيب الساحلي الذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون شخص.
وبينما لم تستبعد الاستخبارات الأمريكية إمكانية إتمام هدنة في غزة، أكد رئيس وزراء إسرائيل أن الجيش سيمضي قدما في الحملة العسكرية على رفح.
وقال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، الثلاثاء، إنه "لا تزال هناك إمكانية" للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة على الرغم من استمرار وجود العديد من المسائل المعقدة.
وأمام جلسة استماع بمجلس النواب الأمريكي، أضاف "أعتقد أنه لا تزال هناك إمكانية للتوصل لمثل هذا الاتفاق. كما قلت، لن يكون ذلك بسبب قلة محاولاتنا، نعمل عن كثب مع نظرائنا الإسرائيليين والقطريين والمصريين. هذه عملية صعبة للغاية".
وتابع "لا أعتقد أنه يمكن لأي شخص ضمان النجاح. الشيء الوحيد الذي أعتقد أنه يمكنك ضمانه هو أن البدائل أسوأ".
وميدانيا، خلال الليلة الثانية من رمضان، قُتل العشرات في قصف مدفعي وغارات إسرائيلية استهدفت مختلف أنحاء القطاع وفق وزارة الصحة التابعة للحركة الفلسطينية.
وفي صباح اليوم الثامن والخمسين بعد المئة للحرب، قالت وزارة الصحة إن "72 شخصًا على الأقل" قتلوا وإن كثيرين ما زالوا تحت الأنقاض.
وأكد مكتب إعلام حماس أن الجيش الإسرائيلي شن "قصفًا مدفعيًا مكثفًا.. وأكثر من 78 غارة جوية، تركزت على مدينة غزة ودير البلح والمغازي والبريج والنصيرات في وسط القطاع وبلدتي بني سهيلة والقرارة وغرب خان يونس ورفح في الجنوب".
وفي القدس الشرقية المحتلة، أعلنت الشرطة الإسرائيلية مساء الثلاثاء مقتل فتى فلسطيني متأثرا بجروحه "بعد إصابته برصاص قوات حرس الحدود خلال أعمال عنف في مخيم شعفاط للاجئين في القدس". وقالت إن إدارة مباحث الشرطة باشرت التحقيق في ملابسات الواقعة.
أول سفينة عبر الممر البحري
ولدعم القطاع المحاصر، أبحرت من ميناء لارنكا في قبرص صباح الثلاثاء أول سفينة تحمل مساعدات عبر الممر البحري بين الجزيرة المتوسطية وقطاع غزة الذي دمرته الحرب بين إسرائيل وحماس.
وبالتوازي، انطلقت من قاعدة في فرجينيا أربع سفن تابعة للجيش الأمريكي على متنها نحو مئة جندي وما يلزم من تجهيزات لبناء ميناء مؤقت على ساحل غزة يتيح توصيل مساعدات يحتاج إليها السكان بشدة.
ويتوقع أن تستغرق الرحلة نحو 30 يوما، أما عملية بناء الميناء المؤقت والرصيف فتفيد التقديرات الأمريكية بانها ستستغرق نحو 60 يوما.
الوقت ينفد
وفيما حل اليوم الثاني من رمضان ومعظم السكان يتضورون جوعًا وعطشًا، حذرت مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة سيندي ماكين من أن "الوقت ينفد" لتجنب المجاعة في شمال قطاع غزة الذي يواجه "كارثة إنسانية" بسبب نقص المساعدات الغذائية الكافية.
في هذه الأثناء، أبحرت من لارنكا صباح الثلاثاء سفينة منظمة "أوبن آرمز" (الأذرع المفتوحة) وهي تحمل 200 طن من الأغذية. وقالت المنظمة الخيرية الإسبانية إن المساعدات قدمتها وستتولى توزيعها في غزة منظمة المطبخ المركزي العالمي ("وورلد سنترال كيتشن"). وأكدت أنها تعمل على "إرسال أكبر عدد ممكن من السفن".
وقال وزير خارجية قبرص كونستانتينوس كومبوس إن العمل جار لإعداد سفينة ثانية للمغادرة إلى غزة. وقال كومبوس، متحدثاً من بيروت: "إننا نعمل على ضمان إيصال الشحنة الأولى بأمان ومن ثم توزيعها بأمان. إذا سارت الأمور وفقًا للخطة.. رتبنا آلية لإرسال شحنة ثانية أكبر بكثير، وبعد ذلك سنعمل على جعل العملية أكثر انتظامًا مع زيادة حجم" الإعانات.
وقالت وكالات إغاثة وحكومات أجنبية إن إيصال المساعدات إلى غزة عن طريق البر يواجه عقبات متزايدة مع إصرار إسرائيل على عمليات تفتيش تستغرق وقتا طويلا وبسبب القصف المتكرر الذي يعرقل توزيعها.
وألقت إسرائيل باللوم على المنظمات الإنسانية داخل غزة لعدم قدرتها على توزيع المساعدات بكفاءة.
وكررت الأمم المتحدة الثلاثاء التحذير من أن إرسال المساعدات بحرًا أو إسقاطها جوًا لا يمكن أن يحل محل تسليمها برًا. وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لايركه "هذه المبادرة مرحب بها لكننا بحاجة إلى ممر بري وتسليمها على نحو آمن ومنتظم".
وقالت هيئة المعابر في غزة إنه تم إدخال 245 شاحنة، 56 عبر معبر رفح مع مصر، و189 عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الإسرائيلي.
ولا تلبي هذه الكميات الشحيحة الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية في القطاع حيث تحذّر الأمم المتحدة من أن 2,2 مليون شخص من سكّانه البالغ عددهم 2,4 مليون، مهدّدون بالمجاعة. وقد نزح 1,7 مليون من السكان بسبب الحرب ويتجمع القسم الأكبر منهم في رفح قرب الحدود مع مصر، المهددة باجتياح بري تعد له إسرائيل.
اجتياح رفح
والثلاثاء، جدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التأكيد على أنه "للانتصار في هذه الحرب يتعيّن علينا تدمير ما تبقى من كتائب لحماس في رفح".
وأمام مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستخدام الجوع "سلاحا للحرب" في غزة.
وقال بوريل "هذه الأزمة الإنسانية ليست كارثة طبيعية، هي ليست فيضانا أو زلزالا بل من صنع الإنسان"، مطالبا بإدخال مساعدات إلى القطاع المدمر.
من جهته ندّد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الثلاثاء بـ"حرب على الأطفال".
وكتب المفوض فيليب لازاريني على منصة إكس "أمر مذهل. عدد الأطفال الذين أحصي قتلهم في أربعة أشهر فقط في غزة يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا مدى أربعة أعوام في جميع النزاعات في أنحاء العالم".
واعتمد لازاريني في منشوره إحصائيات للأمم المتحدة تظهر أن 12 ألفا و193 طفلا قتلوا في نزاعات حول العالم بين العامين 2019 و2022.
والثلاثاء، أعلن المغرب أنه أرسل "عن طريق البر" 40 طنا من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر مطار تل أبيب، في خضم ضغوط يمارسها المجتمع الدولي لتنويع طرق توصيل الدعم الإنساني إلى القطاع الذي تهدّده المجاعة.
ووصلت المساعدات الغذائية إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، وفق الرباط، ونُقلت إلى معبر كرم أبو سالم بين إسرائيل وغزة حيث أصبحت في عهدة الهلال الأحمر الفلسطيني.
وشدّدت وزارة الخارجية المغربية على أن "المغرب أول بلد يقوم بنقل مساعدته الإنسانية عبر هذا الطريق البري غير المسبوق".
التفاوض مستمر ولا اختراق
في حين يتبادل الطرفان الاتهامات بتعطيل التوصل إلى هدنة، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري "لسنا قريبين من التوصل إلى اتفاق، وهذا يعني أننا لا نرى الجانبين يتفقان على لغة يمكن أن تحلّ الخلاف الحالي حول تنفيذ اتفاق".
وأكد الأنصاري "أننا مستمرّون في العمل على المفاوضات للتوصل إلى اتفاق على أمل أن يكون خلال شهر رمضان". لكنه أوضح أنه لا يستطيع "تقديم أي جدول زمني"، مشيرًا إلى أن "الوضع معقد للغاية على الأرض".
وقال مصدر في حركة حماس لفرانس برس: "نحن ننتظر رد الاحتلال على مطالب الحركة بوقف النار والانسحاب العسكري من القطاع وعودة النازحين إلى بيوتهم وتدفق الإغاثة وضمان إنهاء الحصار وإعادة الإعمار".
وأضاف: "لو وافقت إسرائيل على مطالب حماس سوف يتم التوصل لاتفاق وقف النار بأسرع وقت، لكن (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين) نتنياهو يواصل التعطيل".
وتعهّدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس بعد هجوم الحركة غير المسبوق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على الدولة العبرية الذي أوقع أكثر من 1160 قتيلا، معظمهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسمية.
وخُطف أكثر من 250 شخصاً أثناء الهجوم وتقدّر إسرائيل أن 130 منهم ما زالوا محتجزين في القطاع. ومن بين هؤلاء يعتقد أن 32 توفوا أو قتلوا. وأعلنت إسرائيل الثلاثاء أن بينهم جنديًا قتل خلال هجوم حماس ونقلت جثته إلى غزة.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس الثلاثاء أن 31184 شخصا 72% منهم على الأقل من النساء والأطفال، قتلوا في قطاع غزة خلال الحرب المتواصلة منذ أكثر من خمسة أشهر بين إسرائيل والحركة، وارتفع عدد الجرحى إلى 72889.
غارات في شرق لبنان
وفيما تتوعد إسرائيل بالقضاء على حماس، أكد المكتب الذي ينسق بين وكالات الاستخبارات الأمريكية أن إسرائيل "ستواجه على الأرجح مقاومة مسلحة من حماس لسنوات مقبلة"، مشددا على مخاطر التصعيد في المنطقة الذي يشمل خصوصا حزب الله اللبناني.
إلى ذلك، أفاد الجيش الإسرائيلي الثلاثاء بأنه استهدف نحو 4500 هدف لحزب الله خلال الأشهر الخمسة الماضية في لبنان وسوريا، وأوقع 300 قتيل بين مقاتلي الحزب و750 إصابة.
وقال في بيان إن الأهداف ضُربت من الجو ومن الأرض، وشملت "منشآت تخزين أسلحة ومنشآت عسكرية مخصصة للأنشطة الهجومية لحزب الله ومراكز قيادة وسيطرة عملياتية".
من جانبه، أعلن حزب الله الثلاثاء إطلاق "أكثر من 100 صاروخ" على مواقع إسرائيلية ردا على غارات على بعلبك في شرق لبنان، سقط فيها قتيلان على الأقل.
وأكد الجيش الإسرائيلي أن طائراته شنت غارات على "موقعين للقوات الجوية لحزب الله" في البقاع، "ردا على هجمات جوية شنها حزب الله في الأيام الأخيرة باتجاه الجولان" المحتل.
ومنذ بداية تبادل القصف، قُتل 317 شخصاً على الأقل، معظمهم مقاتلون بحزب الله، إضافة الى 54 مدنياً في لبنان، بحسب حصيلة أعدّتها فرانس برس استنادا الى بيانات الحزب ومصادر رسمية لبنانية.
وقضى في الجانب الإسرائيلي عشرة جنود وسبعة مدنيين، بحسب الأرقام الرسمية.