"الزي الفلسطيني".. أيقونة للذاكرة في معرض ببيروت
يسلط معرض الأثواب المقام في "دار النمر للفنون والثقافة" ببيروت الضوء على تاريخ التطريز الفلسطيني ما قبل النكبة في عام 1948 وما بعدها.
أثبتت الدراسات الثقافية الحديثة أن الانفصال بين السياسي والثقافي "وهم كبير"، وأن السياسي في حقيقة الأمر هو تجل من تجليات الثقافي بمعناه الواسع. من هنا يمكن فهم كيف تشكل العلامات الثقافية؛ مثل العادات والتقاليد ومنظومات القيم وتجلياتها الفنية والشعبية، ذاكرة تاريخية ثرية وعظيمة.
في معرض فني، افتتح الأربعاء ببيروت، تروي أثواب تقليدية مطرّزة بالخيوط، تاريخ فلسطين السياسي في الأعوام المائة الأخيرة. وجمعَ منظمو المعرض الأثواب من مجموعتين للسيدتين الفلسطينيتين وداد قعوار المقيمة في الأردن، وملك الحسيني عبد الرحيم المقيمة في لبنان. ويسلط المعرض المقام في "دار النمر للفنون والثقافة"، الضوء من خلال الأثواب التي تضمها المجموعتان على تاريخ التطريز الفلسطيني ما قبل النكبة في عام 1948 وما بعدها.
وتقول البريطانية رايتشل ديدمان، مفوضة المعرض الذي يحمل عنوان "أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي"، إن "هدف المعرض، من خلال تسليطه الضوء على الأثواب التقليدية، أن نفهم التطريز بمعانيه السياسية الضمنية"، وتشير الى أن "فن التطريز تقاطع مع أحداث ومراحل سياسية شهدتها فلسطين خلال الأعوام المائة الأخيرة"، مضيفةً أن "تطور الثوب التقليدي يعكس تطور المناخ الاجتماعي والسياسي الكبير".
وتبرز في المعرض أثواب طرزت بخيوط ألوان العلم الفلسطيني مؤرخةً الانتفاضة في عام 1987.
وتلفت ديدمان الانتباه إلى "البعد السياسي الواضح للتطريز الفلسطيني"، شارحةً أنه "مرتبط مثلًا بالمقاومة الفلسطينية، وخصوصًا بالانتفاضة الأولى عام 1987، حين كانت النساء يرتدين الأثواب المطرزة ويشاركن في الصفوف الأمامية للمواجهات والتظاهرات الاحتجاجية".
وينتشر في أرجاء المعرض نحو 46 ثوبًا مطرزًا حيكت بفن وذوق، وكل ثوب يحكي قصة حقبة ويحمل هوية بلدة فلسطينية. وكتب على جدران المعرض شرح لكل جناح من أجنحته وعلقت شاشات صغيرة عرض عليها فيلمان يحملان شهادات نساء يكرسن وقتهن للتطريز في المخيمات ولوحات زيتية لفنانين فلسطينيين وملصقات وصور فوتوغرافية ارشيفية، وتضمن شالات وأغطية وسادات وسواها.
وتوضح ديدمان أن "ثمة تنوعًا كبيرًا جدًّا في الثوب الفلسطيني، إذ إن كل منطقة وبلدة في فلسطين لها زخرفاتها وأسلوبها وطرازها الخاص، وثمة أقمشة مختلفة متنوعة، ولكن في المقابل ثمة سمات مشتركة".
وتلفت إلى أن "العنصر المشترك يتمثل في أن هذا الثوب ريفي، إذ هو مرتبط بعلاقة نساء الريف بالأرض والزراعة"، لكنها توضح أن "أزياء سكان المدن تأثرت بهذا الثوب الريفي، فنساء المدن بدأن اعتبارًا من القرن التاسع عشر يرتدين الأزياء الأوروبية والعثمانية، وشيئًا فشيئًا أصبحت هذه الأزياء مُطّعمة بنقوش الأثواب التقليدية، وهكذا تطور ثوب الفلسطيني واستمر حاضرًا".
وشهد افتتاح المعرض الذي يستمر إلى 30 يوليو المقبل، إقبالًا كثيفًا من الفلسطينيين المقيمين في لبنان، داخل مخيمات اللاجئين وخارجها، إضافة إلى جمهور من المهتمين، وهو أول نشاط للمتحف الفلسطيني الذي افتتح في بيرزيت في رام الله في الضفة الغربية المحتلة خلال الشهر الحالي.
ويقول مدير المتحف الفلسطيني محمود هواري خلال وجوده في بيروت إن "لبنان أول محطة للمتحف الفلسطيني، لأن بيروت ليست فقط عاصمة لبنانية للثقافة العربية، بل هي أيضًا عاصمة للثقافة الفلسطينية والتراث الفلسطيني بسبب وجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين والمقتنيات الفلسطينية فيها".
من جهتها، تقول ملك الحسيني عبد الرحيم التي استقرت في بيروت قبل 50 عامًا إنها بدأت تجمع الأثواب الفلسطينية التقليدية المطرزة منذ أربعين عامًا، موضحةً "أنا ابنة القدس، وكنت كلما ذهبت إلى الأسواق القديمة في القدس أشتري ثوبًا مطرزًا. يومها كانت الاسعار مقبولة، أما الآن فصارت باهظة. صرت أجمع من كل منطقة فلسطينية ثوبًا، من القدس ويافا وسواهما، حتى أصبحت لدي مجموعة من 25 ثوبًا، تتم استعارتها مني في المناسبات".
وتذكر عبد الرحيم، وهي عضو في جمعية (إنعاش) الفلسطينية التي أسست مراكز تطريز في المخيمات الفلسطينية في لبنان، أن أول ثوب اشترته كان سعره 200 جنيه فلسطيني وأغلى ثوب في مجموعتها ثوب من بيت لحم، وهو مخملي بألوان ترابية مطرز بدوائر ذهبية على الصدر ومميز بأكمامه. وتقول إن "بيت لحم منطقة مسيحية، وحين تموت السيدة تدفن بثوبها. لذلك، تكون الأثواب من بيت لحم نادرة".
وفي هذا الشأن، تقول نوال محمود الآتية من مخيم البرج الشمالي للاجئين، وهي مديرة جمعية (هنا) التي تساهم في تمكين المرأة من خلال تعليمها التطريز والخياطة، إنه "يمكن أن نميّز وضع النساء الاجتماعي من الثوب. المرأة المتزوجة حديثًا ترتدي ثوبًا مطرزًا بخيط نبيذي، أما البنت اليافعة المراهقة فثوبها مطرز بالأزرق الفاتح والأكبر سنًّا باللون النيلي، والأرملة تلبس الأسود المطرز باللون الأخضر. لكل ثوب لون وقطبة ومن ثوبها نعرف المرأة من أي منطقة وحالتها الاجتماعية".
aXA6IDE4LjExOC4zMi43IA== جزيرة ام اند امز