"مساواة المرأة بالرجل" تثير مخاوف دينية وسياسية بالجزائر
مخاوف في الجزائر بسبب اعتزام السلطات إلغاء بعض تحفظاتها على اتفاقية التمييز بين الرجل والمرأة، ما قد يؤدي إلى مخالفة الشريعة الإسلامية.
نفت الحكومة الجزائرية أن تكون مقبلة على إعادة النظر في بنود قانون الأسرة الجزائري، للتوافق مع معاهدة "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، وذلك لإزالة مخاوف أبدتها أحزاب إسلامية ووطنية قالت إن المصادقة على هذه المعاهدة، تمهد للتخلي عن مرجعية الشريعة الإسلامية في القانون.
اضطر وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، إلى النزول للغرفة العليا للبرلمان الجزائري (مجلس الأمة)، للرد على هذه المخاوف، بعد أن وجه له أحد النواب سؤالًا شفويًا، عن الانعكاسات السلبية المتوقعة لتطبيق الجزائر لبنود اتفاقية سيداو؛ حيث بدأ المجتمع الجزائري يشهد بعض "مظاهر الميوعة"، على حد تعبير النائب.
وأوضح الوزير، في جوابه للنائب حسين سعيدي (ينتمي للموالاة)، أن "الجزائر كانت قد صادقت على هذه الاتفاقية المتضمنة لثلاثين بندًا مع تقديم تحفظات على بعضها، خاصة تلك المتعلقة بالمساواة مع الرجل فيما يتصل بالزواج والتحكيم الدولي وغيرها، مشيرًا إلى أنه "طيلة ما يقارب العشرين سنة من المصادقة على هذه الوثيقة، لم نر شيئًا من مظاهر الميوعة من قبيل الزواج دون موافقة الولي أو غيرها".
وشدد بالمقابل على "ضرورة الالتفاف حول الجهود المبذولة لحفظ حقوق المرأة في الجزائر وذلك على أساس المساواة بينها وبين الرجل وحقوق الإنسان وحفظ الحريات الأساسية في مختلف المجالات"، من منطلق "بروز تحديات جديدة ومكاسب تم إحرازها تستلزم الحفاظ عليها".
وعاد الوزير في معرض إجابته إلى رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في اليوم العالمي للمرأة، والتي أكد من خلالها أن "الشريعة الإسلامية هي التي تحفظ حقوق المرأة فعليًا وأن التحفظات التي ينبغي رفعها هي تلك التي تتلاءم مع التعديل الدستوري الأخير، ولا تمس البتة بأحكام الدين الإسلامي أو عناصر الهوية الوطنية".
وخلص عيسى إلى أن "الجدل الذي وقع بخصوص موقف الجزائر من هذه الاتفاقية كان "سجالًا إعلاميًا وحزبيًا لا معنى له باعتبار أنه كان مبنيًا على أسس واهية غير واقعية".
"نرفض مساواة الرجل مع المرأة"
هذه الإجابة لم تنجح في إقناع الأحزاب الإسلامية التي ترى أن المخاوف ما زالت قائمة؛ بسبب رسالة الرئيس بوتفليقة الأخيرة بمناسبة عيد المرأة، والتي دعا فيها "الهيئات المؤهّلة من أجل إعادة النّظر في تحفّظات الجزائر على بعض مواد الاتفاقيات الدولية لمحاربة كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة".
وقال ناصر حمدادوش، مسؤول الإعلام في كتلة الجزائر الخضراء بالبرلمان، إنه "لا يوجد تفسيرٌ للدعوة إلى "رفع التحفّظات" إلا المساس بقانون الأسرة، والتراجع عن السيادة في التشريع الوطني، والانبطاح أمام الضغوط الأجنبية، والاستجابة للأيادي الخارجية بما يمسّ بالشعور الديني للشّعب الجزائري، ويفتح مجدّدًا معارك الهوية وخطر الاصطفافات الإيديولوجية".
وأبرز حمدادوش، في تصريح لبوابة "العين" الإخبارية، أن تحفظات الأحزاب الإسلامية هي على المادة الثانية، التي تنصّ على "إبطال كل القوانين والأعراف دون استثناء لتلك التي تقوم على أساس ديني، واستبدالها بقوانين دولية"، وهو ما يمثل بحسب النائب "اعتداءً على السيادة الوطنية في التشريع، وعولمة لقوانين لا تعترف بالخصوصية الدينية والثقافية للشعوب، وانتهاكًا صارخًا للهوية والثوابت الوطنية للدول، وسحقًا للشريعة كمرجعٍ للتشريع، ومصادرة لحقّها في الوجود القانوني".
وأضاف حمدادوش، أن المادة 16 المتعلقة بالتزام الدول الأطراف في ضمان المساواة بين الرجل والمرأة في كل المسائل المتعلقة بالزواج، تتعارض تمامًا مع مفهوم القوامة للرجل، وتخل بوجوب طاعة الزوج، كما أنه يمهد لإلغاء الولي في عقد الزواج بالنسبة للمرأة مثل الرجل، ويصطدم مع فقه المواريث في بعض الحالات التي تأخذ المرأة أقل أو أكثر من الرجل، في حين أن الشريعة الإسلامية جاءت بمفهوم العدل الذي يختلف عن المساواة".
وتابع يقول: "مبدأ المساواة، سيؤدي أيضًا إلى إلغاء العدّة للمطلقة أو المتوفى عنها زوجها لأنها تنعدم عند الرجل، وإلغاء تعدّد الزوجات مثل المرأة التي لا يجوز لها تعدّد الرجال، وخلق مشكلة المسؤولية عن النفقة والتي يُلزم بها الرجل فقط في الشريعة الإسلامية، وحق المرأة في الطلاق مثلها مثل الرّجل الذي بيده الحق في ذلك، وإعطاء المرأة الحقّ في التصرّف في جسدها، وهو بابٌ للرذيلة والفسق والزواج المثلي، وكذلك بابٌ للحرية في منع الحمل والحق في الإجهاض".
الخلافات الإيديولوجية تفرق المعارضة
واللافت في الجزائر، أنه على الرغم من توحد المعارضة في المطالبة بتغيير النظام الحاكم في البلاد، إلا أن المسائل الأيديولوجية المتعلقة بالأسرة والمجتمع غالبًا ما تفرق الأحزاب الإسلامية والعلمانية المتحالفة فيما بينها ضد السلطة، فبينما تتمسك حركة مجتمع السلم بمرجعية الشريعة الإسلامية، يرفض التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مثلًا، قانون الأسرة برمته ويطالب بتعويضه بقانون مدني، علمًا أن هذين الحزبين يعتبران من أهم أحزاب المعارضة.
وخلال آخر مؤتمر كبير للمعارضة، أواخر مارس الماضي، طرح أحد كبار الحقوقيين في الجزائر، علي يحيى عبد النور، مسألة إلغاء ولي المرأة في الزواج، ما أثار حفيظة الأحزاب الإسلامية المنضمة لتكل المعارضة، ما كاد أن يتسبب في التشويش على هدف المؤتمر الذي كان يبحث مسألة الانتقال الديمقراطي، وهو ما دعا أصوات في المعارضة إلى التحذير من استغلال السلطة لهذه الخلافات الأيديولوجية لدى المعارضة لضرب وحدتها وإبعادها عن هدفها الأول.