مشكلات "الكتاب" في الجزائر.. هموم وشجون
سوق الكتاب في الجزائر تحدوه آمال وتطلعات للوصول إلى القراء في كل مكان من أرض الجزائر لكن تواجهه مشكلات مزمنة وعوارض عديدة
سوق الكتاب في الجزائر، شأنه شأن غيره في بلدان العالم العربي، تحدوه آمال وتطلعات للوصول إلى القراء في كل مكان من أرض الجزائر، لكن تواجهه مشكلات مزمنة؛ منها ضعف القدرة الشرائية، وتقلص منافذ التوزيع، سيادة نمط معين من العناوين التي تكرس للتيارات الدينية المتشددة على حساب الكتب العقلانية والفكرية بصفة عامة..
وإذا كانت معارض الكتاب المحلية في الجزائر، تتحرك على طول البلاد وامتداد عرضها في كل أيام السنة، فإن المعرض الدولي للكتاب، ما زال، يشكل أهم حدث ثقافي تعرفه الجزائر، بفعل المشاركة الواسعة من دور النشر العربية والدولية، والإقبال الجماهيري الواسع عليه.
تخطى المعرض الدولي للكتاب، لطبعة السنة الماضية، حاجز 1.5 مليون زائر الذي وضعته وزارة الثقافة كهدف لها، وهو رقم يكتسي رمزية في الجزائر لأنه يمثل عدد شهداء الثورة التحريرية التي أخرجت الاستعمار الفرنسي من البلاد. هذا الإقبال الواسع من الجمهور، أضفى على التظاهرة الثقافية طابعا شعبيا، وحرر الكتاب من سجن النخبة المثقفة التي غالبا ما تشكل الزبون الأول للكتاب، كما أن مشاركة ما يفوق 900 عارض من قارات العالم الخمس، أعطى للمعرض مكانة دولية مرموقة عند دور النشر الدولية.
وبالنسبة للمهتمين بسوق الكتاب في الجزائر، يشكل المعرض الدولي للكتاب، المقام في شهر أكتوبر من كل سنة، المركز الذي تدور من حوله كافة المعارض الوطنية والمحلية خلال السنة، فمنه يمكن للناشرين الوطنيين الحصول على تراخيص لطبع كتب عالمية، وفيه يتم تحديد اتجاهات القراءة في البلاد، لرسم استراتيجية المشاركة في باقي المعارض.
ندرة الكتب الفكرية
غير أن ما صار يعاب على هذا المعرض مع اتساع انتشاره والإقبال عليه، هو نوعية ما يقترحه من كتب، وهي في الغالب تكتسي الطابع الديني الفقهي الصرف أو التجاري أو المدرسي، في حين يضعف الإقبال على الكتب الفكرية والفلسفية، حتى وإن لوحظ في السنوات الأخيرة انتعاش سوق الرواية بفضل أسماء لامعة صارت تمثل نجوما في سماء الكتابة الجزائرية.
يقول الروائي والكاتب، عبد الرزاق بوكبة، تعليقا على هذه الإشكالية، إن "الجزائر لا تستورد الكتاب الأدبي والفكري، ولا تمنح التسهيلات اللازمة لمن يرغب في ذلك، خارج الصالون الدولي للكتاب، ولا تعمل على توفير المجّلات الثقافية والفنية الغربية والعربية".
ومن المفارقات العجيبة، التي يرصدها صاحب رواية "ندبة الهلالي"، في حديثه لـبوابة "العين" الإخبارية، أن هذه الندرة غير المبررة في الكتب الفكرية والأدبية المستنيرة في المشهد الجزائري "تقابلها وفرة غير مبررة للكتب والمنشورات السلفية ذات الخلفية المنافية للهوية الفقهية والحضارية التي اكتسبتها الجزائر عبر تراكمات القرون، بحيث يمكنك أن تجد الألباني وبن باز والعثيمين وهلمّ مشائخَ، في كل الأرصفة لا في المكتبات فقط، بل إن بعضها بات يوزّع في القطارات والحافلات، لكنك لن تجد كتب محمد أركون أو علي حرب أو أدونيس أو محمد عابد الجابري أو ميشال فوكو حتى في المكتبات الكبيرة في قلب الجزائر العاصمة".
معرض الكتاب.. نافذة وحيدة
ولا يعني ذلك، حسب الكاتب، أن يمنع الكتاب السلفي في الجزائر، فوجوده متفهم من باب التنوع والاختلاف، لكنني -يقول- "لا أستطيع أن أتفهم هيمنتها على سوق القراءة، في ظل صمت حكومي طال حتى بات يُفهم قرارًا رسميًا".
ويضيف بوكبة في السياق ذاته قائلا "لقد زرتُ أكثر من مدينة عربية في السنوات الأخيرة، ولاحظت أن القارئ فيها يستطيع أن يقتني ما يشاء من المجلات الثقافية، والكتب الأدبية والفكرية، والجرائد العالمية، في زوايا مختلفة من المدينة، إلا الجزائر فإن المعرض الدولي للكتاب يبقى النافذة الوحيدة التي نطل من خلالها على جديد الكتب، وهذا معطى أقل ما يقال عنه إنه حصار فكري مخيف. أما المعارض الوطنية فهي قليلة وما هو موجود منها يخضع لحسابات تجارية ضيقة".
إقبال كبير.. وأزمة مقروئية!
نفس الملاحظة يتقاسمها الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الثقافي محمد علال، فهو رغم إقراره بأن "الجزائر تعرف مؤخرا انتشارا لثقافة معارض الكتب، معارض وطنية تشرف على تنظيمها النقابة الوطنية لناشري الكتب تجوب الولايات من الشرق إلى الغرب الجزائري وتحاول فك العزلة على القارئ الجزائري والمواطن الجزائري"، فإن هذه الجهود غالبا "ما تأخذ منحى ضيقا وتبقى أزمتها نوعية الكتب المعروضة، حيث لا يعقل أن نطلق معرضا للكتاب لا يوفر إلا (كتب الطبخ) و(الكتب المدرسية) ويهمل المراجع القيمة".
لذلك يرى علال الذي يشتغل بجريدة "الخبر"، في حديثه لبوابة "العين" الإخبارية، أن الإقبال على معارض الكتاب "قد لا تشكل معيارا حقيقيا لحجم المقروئية في الجزائر إلا أنها تعكس من جهة ثانية شغف الجزائري بالكتاب وإيمانه به". ويخلص علال إلى أن نسبة المقروئية في الجزائر تتحدد بثلاثة عوامل، تراجع عدد المكتبات في الجزائر، وتحويل العديد من المكتبيين إلى تجارة أخرى، وعدم توفر الكتاب الجيد والقيم، دون إغفال العامل المادي خصوصا مع ارتفاع أسعار الكتب وضعف القدرة الشرائية للمواطن الجزائري.