"نورد ستريم 1".. شريان حياة أوروبا القادم من روسيا
كان خط أنابيب "نورد ستريم 1" مورّدا موثوقا للغاز من روسيا الى أوروبا على مدى أكثر من عقد من الزمن، إلى أن بدأت موسكو غزوها لأوكرانيا، ما زاد التوتر في القارة والعالم.
استأنفت روسيا الخميس ضخ الغاز عبر الأنبوب بعد ترقب رافق توقف هذه العملية عشرة أيام بسبب أعمال صيانة مجدولة سابقا. ولم يبدد هذا الإجراء الغموض بشأن مستقبل الامدادات، إذ إن الضخ لا يزال بكميات أدنى من المعتاد، ما يؤجج المخاوف من أزمة طاقة في الاتحاد الأوروبي هذا الشتاء.
تحذير ألماني
من جهته حذر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك من تقييم استئناف إمدادات الغاز الروسي عبر خط "نورد ستريم 1" على أنه علامة على المصداقية.
وقال الوزير -في تصريحات للقناة الثانية بالتلفيزيون الألماني (زد دي إف) مساء أمس الخميس- إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستغل توفير الغاز دائما على نحو استراتيجي لإحداث انقسام في ألمانيا وأوروبا، وأضاف: "يتعين علينا أن نقبل أن بوتين يستخدم مكبح الغاز ضدنا"، مؤكدا ضرورة أن تجد ألمانيا بدائل وأن توفر استهلاك الغاز.
وتم استئناف ضخ إمدادات الغاز الروسي عبر خط "نورد ستريم 1" أمس الخميس بعد خضوعه لأعمال الصيانة السنوية.
وكانت الإمدادات القادمة عبر الخط توقفت تماما خلال فترة الصيانة التي استمرت 10 أيام منذ يوم 11 تموز/يوليو الحالي، في ظل مخاوف من قرار روسي بوقف ضخ الغاز بعد انتهاء الصيانة، في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا أزمة طاقة حادة بالفعل. وكانت سعة تدفق الغاز خلال الاستئناف محدودة عند حوالي 40% مثلما كان الحال قبل أعمال الصيانة.
وكان بوتين حذر يوم الثلاثاء الماضي من احتمال تراجع الكميات التي ينقلها خط نورد ستريم 1 إلى 33% من طاقته بنهاية الشهر الحالي، إذا لم يتم إعادة توربين رئيسي يستخدم في الخط، والذي كان أرسل إلى كندا للإصلاح. ويقول المسؤولون الألمان إن روسيا تستخدم تأخر عودة التوربين ذريعة لتقليل كميات الضخ عبر نورد ستريم.
فيما يأتي عرض لـ"نورد ستريم 1" الذي بات شريان حياة لأوروبا ورمزا لاعتمادها على الطاقة من روسيا:
قصة نجاح
"نورد ستريم 1" هو عبارة عن خطي أنابيب متوازيين يمتدان لمسافة 1224 كيلومترا تحت بحر البلطيق، من فيبورغ في روسيا الى لوبمين في شمال شرق ألمانيا. ومن هناك، تتولى شبكات أنابيب أخرى نقل الغاز الطبيعي الى مختلف أنحاء القارة الأوروبية.
دخل الخدمة عام 2011، بسعة ضخّ تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويا، ما يجعله أحد أهم مصادر توريد الغاز للقارة.
تبلغ حصة شركة "جازبروم" الروسية المملوكة للدولة، 51 بالمئة من خط الأنابيب، بينما تتوزع الحصص المتبقية على "إي أون" و"وينترشال دي" الألمانيتين، و"غازوني" الهولندية، و"إنجي" الفرنسية.
اعتبر المشروع لفترة طويلة مثالا للتعاون الاقتصادي بين روسيا والاتحاد الأوروبي، مع الاعتماد الكبير لدول مثل ألمانيا وإيطاليا على الغاز الطبيعي الروسي المنخفض الكلفة.
خلاف
تبدّل كل شيء مع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 شباط/فبراير.
قبل يومين من ذلك، اتخذت ألمانيا انعطافا حادا في العلاقة الاقتصادية مع روسيا، بإعلانها تجميد إجراءات الترخيص لمشروع "نورد ستريم 2" الذي كان أنجز العمل فيه، ويهدف لمضاعفة واردات الغاز الروسية الى أوروبا.
تعرّض مشروع خط الأنابيب الموازي لانتقادات واسعة من دول مثل بولندا وأوكرانيا، خشيت من أن يمنح روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين ورقة ضغط وازنة في مجال أمن الطاقة الأوروبي.
منذ بدء الحرب، قامت بروسيا بالحد من امدادات الغاز أو قطعها بالكامل عن زهاء عشر دول، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها ردّ من موسكو على العقوبات الغربية التي فرضت عليها في أعقاب الهجوم.
وفي الأسابيع الماضية، تراجعت الامدادات عبر "نورد ستريم 1" بنحو 60 بالمئة، وتوقفت بالكامل بين 11 تموز/يوليو و21 منه بسبب الصيانة. وعاودت "غازبروم" ضخ الغاز من الخميس، لكن بمستويات متدنية.
وبينما تقول روسيا إن خفض الامدادات يعود لغياب توربين عائد لشركة "سيمينز" الألمانية يخضع لصيانة في كندا، تتهم ألمانيا موسكو باستخدام الغاز كسلاح سياسي في مواجهة الغرب.
وفي حين يسود الاعتقاد بأن هذا التوربين بات في طريقه الى روسيا، لا تزال دول أوروبية تخشى من أن بوتين سيواصل ممارسة الضغوط عبر الامدادات.
ألمانيا تستعد للشتاء
سينعكس قطع الإمدادات الروسية أو خفضها بشكل كبير، سلبا على الاقتصادات الأوروبية. وألمانيا هي أكبر قوة اقتصادية في القارة، الا أنها الأكثر عرضة للأثر السلبي لذلك نظرا لاعتمادها الكبير على واردات الغاز من روسيا.
وتعمل برلين، كغيرها من الدول الأوروبية، على تنويع مصادرها من الطاقة، عبر خطوات منها شراء كميات من الغاز الطبيعي المسال. الا أن ألمانيا لا تزال تستورد 35 بالمئة من حاجتها للغاز من روسيا، بانخفاض نسبته 20 بالمئة عما كان عليه الحال قبل الحرب على أوكرانيا.
وستواجه ألمانيا صعوبة في ملء خزانات تخزين الغاز بالكامل قبل بدء موسم البرد، ما لم يعد "نورد ستريم 1" الى تزويدها بهذه المادة بكامل طاقته، ما يزيد من احتمال اللجوء الى الاقتصاد في استهلاك الطاقة.
ودعا وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك مواطنيه لتقصير مدة الاستحمام وخفض مستوى التدفئة هذا الشتاء.
وحذّر صندوق النقد الدولي من أن خفض مستويات الغاز سيؤدي الى تراجع الناتج المحلي الاجمالي في ألمانيا هذا العام بنسبة 1,5 بالمئة.
تضامن أوروبي
ورغم أن بعض المحللين يرون أن برلين تدفع ثمن سياسة خاطئة من خلال الافراط بالاعتماد على الغاز الروسي، فإن أي أزمة تؤدي لانكماش في القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا، ستردد مفاعيلها خارج حدود ألمانيا.
ومن أسباب ذلك، أن ألمانيا هي من أبرز الأطراف التي تعيد تصدير الغاز الروسي الى دول أخرى مثل النمسا والجمهورية التشيكية وسويسرا.
وحذّرت الباحثة في معهد بروكينج كونستانس زتلسينمولر من أن "أزمة غاز في أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي ستسبّب قلقا على امتداد القارة".
واقترحت المفوضية الأوروبية الأربعاء خطة تهدف إلى خفض الطلب على الغاز بنسبة 15 في المئة لتجاوز انخفاض الإمدادات الروسية، وذلك عبر خطوات منها الحدّ من تدفئة بعض المباني وتأجيل إغلاق محطّات الطاقة النووية وتشجيع الشركات على تقليل حاجاتها.
كما يمكن لألمانيا أن تطلب من الاتحاد الأوروبي تكافل وتضامن الدول الأعضاء من خلال تشارك مصادر الوقود الأحفوري.
ويقول بن ماك وليامس، المحلل المتخصص بشؤون الطاقة في معهد بروطل، إن "كميات كبيرة من الغاز تتدفق حاليا الى ألمانيا مصدرها النرويج وبلجيكا وهولندا".