المدهون لـ"العين":تجديد الخطاب الثقافي الفلسطيني قائم على إشراك الشارع
الروائي الفلسطيني ربعي المدهون الفائز بجائزة بوكر 2016 في حديث خاص لـ العين بمناسبة صدور طبعة مصرية خامسة من روايته "مصائر"
لمناسبتين مختلفتين يزور القاهرة حاليا الكاتب والروائي الفلسطيني ربعي المدهون الحائز مؤخرا على الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2016)، أولا للمشاركة في الملتقى الأول لتجديد الخطاب الثقافي الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة (على مدار ثلاثة أيام)، وثانيا للاحتفال بصدور طبعة مصرية (باسم مكتبة تنمية) من روايته "مصائر: كونشرتو الهولوكست والنكبة"..
في المناسبة الأولى، شارك المدهون بورقة عنوانها "نحو خطاب ثقافي فلسطيني جديد"، وفي المناسبة الثانية امتلأت مكتبة تنمية عن آخرها بكتاب ونقاد وصحفيين حرصوا على حضور الاحتفال بصدور الطبعة المصرية من "مصائر مناقشة وتوقيع الرواية، والحديث مع المدهون عن الرواية الفائزة بجائزة بوكر لهذا العام، خصوصا أن تلك الزيارة الأولى للمدهون للقاهرة عقب فوزه بالجائزة المرموقة..
على هامش اللقاءين وفي جولة امتدت لساعات بالقاهرة، كان هذا الحديث مع الروائي الفلسطيني ربعي المدهون..
بالتأكيد، فكرة صدور طبعة "مصرية" من الرواية بالاتفاق مع ناشريها الأصليين تجربة تستحق الاهتمام.. ما تقييمك لها؟
- أعتبرها تجربة غاية الأهمية بل ضرورية، طبعة مصرية مشتركة مع الناشرين الأصليين، في هذا التوقيت، ساهم بالتأكيد في إتاحة الرواية في السوق المصري، الأكبر، وتواجدها بسعر منطقي ومعقول، خصوصا في ظل المشكلات التي يعاني منها الكتاب وحركة تداوله بسبب اضطراب سعر الدولار من ناحية، وتكاليف الشحن والانتقال من الخارج إلى الداخل من ناحية أخرى.
كل هذه الأسباب كانت دافعا وحافزا لقبول مبادرة الأستاذ خالد مسؤول مكتبة تنمية الذي كان حريصا على توفير طبعة من الرواية بسعر معقول في مصر، وها نحن نحتفل معه بهذه المناسبة، وبصدور طبعة خامسة من "مصائر" في ظل حضور كبير من أصدقاء وقراء مصريين وعربا.
على كثرة الاحتفاءات والمشاركات التي أعقبت فوزك بجائزة بوكر.. يبدو حضورك للقاهرة مختلفا وذا مذاق خاص؟
- أنا نصف مصري، نصف فلسطيني، وثلاثة أرباعي "إسكندراني".. أمضيت شطرا من عمري في القاهرة والإسكندرية، ولهما عندي مكانة عظيمة، أما هذه المرة "مختلفة" لأنها المرة الأولى التي أزور فيها القاهرة عقب فوزي بالجائزة. لي أصدقاء كثيرون، قدامى وجدد، كتابا ونقادا وناشرين.. إلخ. سعيد بأنني أراهم مجتمعين على شرف الاحتفال بـ "مصائر" ومناقشتها والتعرض لجوانب مختلفة منها.
أيضا سعادتي بهذا النشاط الكبير في القاهرة، والمتابعات النشطة لحركة الكتابة والإبداع، كما أن صدور طبعة خامسة من الرواية من القاهرة فهذا يعني لي الكثير.
اعتبر نقاد ومتابعون رواية المشروع الروائي للمدهون في "السيدة من تل أبيب" و"مصائر" امتدادا وتتويجا لإسهامات غسان كنفاني إميل حبيبي وجبرا إبراهيم جبرا بما طرح من مقارنات وقراءات في هذا الصدد.. ما رأيك في هذا الطرح؟
لقد طرح هذا من قبل الناقد الفلسطيني الكبير فيصل دراج في قراءته العميقة لرواية "مصائر"، قال دراج إن الجهد الروائي للمدهون ينتسب في اجتهاده إلى الفلسطينيين الثلاثة الكبار؛ غسان كنفاني الراسم الرهيف لمعنى المأساة، وإميل حبيبي في نثره الجميل الذي لا يضارع، وجبرا إبراهيم جبرا الواسع الثقافة المتعدد التجربة، لكنه أضاف (أي المدهون) إلى هؤلاء جميعا جديدا لم تعرفه الرواية الفلسطينية؛ ما جعل من روايته عملا رياديا ينفذ إلى قرار المأساة.
أظن أن آخرين، كتابا ونقادا، قد استلفتهم هذا الجانب، أو رأوا فيه ما يغري بالدراسة والمقارنة، وهو في كل حال أمر محمود ومطلوب، فليس هناك أدعى من تركيز النظر وتعميق القراءة في المنجز الإبداعي، والروائي العربي الفلسطيني، وقراءته من منظورات متعددة ومختلفة تثري النص وتكشف مستوياته وتطرح تفسيرات وتأويلات مضيئة وجديدة.
من الخاص إلى العام وعلى هامش مشاركتك في الملتقى الدولي لتجديد الخطاب الثقافي.. ما أبرز ملامح المشاركة البحثية التي ساهمت بإلقائها في المؤتمر؟
سعيد أيضا بحضوري للمشاركة في هذا الملتقى الضخم الذي تجمع فيه ما يزيد على 130 كاتبا ومثقفا عربيا، ومساهما بورقة بحثية عنوانها "خطاب ثقافي فلسطيني جديد". أحاول في هذه الورقة، تكثيف رؤية كاتب ومثقف فلسطيني لخطاب ثقافي مأمول، جديد، يرصد من واقع خبراته وممارساته الإبداعية والثقافية ملامح لهذا الخطاب.
في زيارتي الأخيرة لفلسطين، التي وقعت خلال أيام معرض فلسطين الدولي للكتاب، شهدت حراكا ثقافيا يعتمد خطابا جديدا، في تطوير علاقات المجتمع الفلسطيني بالثقافة وبالمثقفين، بالمعنى الواسع للتصنيف، بما يشمل الصحافيين والكتاب، والمعلمين، والأطباء، والمهندسين، والإعلاميين، والسياسيين، وأساتذة الجامعة وغيرهم، ممن باتوا منخرطين فعلا في مسار تجديد، يتخطى التقليدي ويتحداه.
ينطلق المثقفون الفلسطينيون، في مسيرتهم الجديدة، من وضع راهن تتوجه خيبات سياسية، ويتصف بتراجع المشروع الوطني، واستفحال حال الانقسام الفلسطيني الداخلي، وانغلاق الأفق السياسي في المدى المباشر على الأقل. وقد بنى هؤلاء خطابهم الجديد، على أهمية الانتصار في ميادين الثقافة، وتحقيق إنجازات حضارية، تمهد الطريق لتحقيق الانتصار الأكبر على الرواية الصهيونية للصراع، التي لم تزل تسيطر على المستوى الدولي.
وكيف وجدت هذا الخطاب الثقافي الفلسطيني الجديد. بمعنى ما هي أبرز معالمه التي رصدتها من واقع مشاركاتك الشخصية أو متابعاتك الخاصة؟
يقوم هذا الخطاب، في مجرى عملي، على تعميم النشاطات الثقافية، بإشراك أوسع قطاعات الشعب الفلسطيني في تطوير الحياة الثقافية. وتطلب هذا، الانتقال بالشارع من مواقع التلقي، إلى فضاء المشاركة اليومية المباشرة، وتحويل أفراد المجتمع إلى منتجين، حتى لو اقتصر إنتاجهم على توفير حاضنة للنشاطات الإبداعية، أو المشاركة في طرح الأسئلة على المبدعين ومحاكمة إنتاجهم. وقد قاد وزير الثقافة الفلسطيني الشاب، الدكتور الشاعر إيهاب بسيسو، حركة نشطة وفاعلة في هذا الاتجاه، منذ توليه وزارة الثقافة قبل خمسة أشهر تقريبا. مستفيدا من إرث واسع وغني، ومنجز ثقافي متنوع تراكم عبر السنوات الخمسين الماضية.
هل من الممكن في هذه المدة البسيطة أن تظهر نتائج سريعة وملموسة في هذا الإطار؟
نعم. طور بسيسو، بالتعاون مع عدد من المثقفين الشباب، وذوي الخبرة، نوعا جديدا من العلاقات داخل المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مناطق الـ 48، حيث يعيش قرابة مليوني فلسطيني. فعمل، من الخارج، على تعزيز الحضور العربي إلى فلسطين، وكان قد نما ببطء في سنوات ماضية، وبدأ يشهد قفزات كبيرة منذ أكثر من عام، متخطيا المشكلات والعقبات الأكثر تعقيدا، ذات المنشأ الأيديولوجي، والسياسي، التي ترفض فكرة المشاركة من أساسها، بدعوى التطبيع مع الاحتلال.
وكان للدور الذي قام به مثقفون عرب معروفون، منهم، على سبيل المثال، الروائي الجزائري واسيني الأعرج، والكويتيان سعود السنعوسي وبثينة العيسى، والمغربي الدكتور أحمد المديني، والشاعر التونسي الراحل محمد الصغير أولاد أحمد، والكاتب المصري إبراهيم جاد الله، وآخرون، كان لدور هؤلاء، قيمته الحقيقية في مد جسور العلاقات بين فلسطين التي تتشكل بالتراكم، ومحيطها الثقافي العربي. لكنهم مدوا في الوقت عينه أيضًا، جسورا أكثر رسوخا وأهمية، حين عبروا حواجز الاحتلال، وعايشوا بأنفسهم ما يعايشه الفلسطيني من معاناة يومية، ووصلوا إلى المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، واستقبلهم جمهورها بالأحضان، وتفاعل معهم بطريقة مدهشة، وقد ترك بعضهم مثل بثينة العيسى وسعود السنعوسي، وواسيني الأعرج، الذي استقبل في مدينة طولكرم بالورود، فوزعها على نسائها، أثرا لا يمحى بين الفلسطينيين في عدد كبير من المدن والقرى الفلسطينية.