انتهت الزيارة المفاجئة والمثيرة للجدل التي أجراها اليوم رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، فياض إلى غزة، بدعوة من أحد قادة حركة "حماس"
انتهت الزيارة المفاجئة والمثيرة للجدل التي أجراها اليوم رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، سلام فياض إلى غزة، بدعوة من أحد قادة حركة "حماس" التي انتقدت هي وحركة "فتح" الرجل وقللتا من أهمية الزيارة، فيما دعا فياض إلى اجتماع الإطار القيادي المؤقت للمنظمة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ضمن رؤية تنهي الانقسام.
ووصل فياض في وقت مبكر صباح الأربعاء إلى غزة، عبر معبر بيت حانون "إيريز"، بدعوة من مركز "بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات" (غير حكومي)، الذي يترأسه القيادي في حركة "حماس" أحمد يوسف، المعروف بمواقفه المعتدلة.
ولقيت الزيارة انتقادات من قيادات كبيرة في حركة "حماس" وكذلك كوادر وسطى فيها، وصلت إلى درجة دعوة النائب العام بغزة لاعتقاله، على خلفية قطع رواتب آلاف الموظفين، إبان ترأسه الحكومة التي شكلها بدلاً من حكومة إسماعيل هنية منتصف 2007، إثر سيطرة "حماس" على قطاع غزة، وانفرادها بالحكم فيه.
كما لم تسلم الزيارة من انتقادات حركة "فتح" التي ساءت علاقتها مع الرجل إلى الحد الذي وصل إلى إغلاق المؤسسة التي أسسها للعمل الإنساني في الضفة الغربية، في ظل المخاوف من أن يكون أحد البدائل المحتملة للرئاسة الفلسطينية بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
لقاء صاخب
وفي لقاء لم يخل من الصخب والجدل، دعا فياض -خلال ندوة سياسية مع مفكرين وكتاب رأي وإعلاميين، في مدينة غزة، نظمتها الجهة التي دعته- إلى عقد اجتماع "الإطار القيادي الموحد"، لمنظمة التحرير الفلسطينية، للاتفاق على استراتيجية سياسية تهدف إلى إنهاء الانقسام الداخلي وترتيب البيت الفلسطيني.
ويتفق هذا الطلب مع ما تنادي به حركتا حماس والجهاد الإسلامي، باعتبار ذلك مدخلًا لتصويب مسار المصالحة الفلسطينية العالق، فيما ترى قيادة حركة "فتح" أن هذه الدعوة في غير مكانها الآن في ضوء رفض حماس تمكين حكومة التوافق من العمل، حسب تعبيرها.
غير أن فياض قال: إن "منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي القادرة على حل كافة القضايا، والملفات الفلسطينية العالقة".
وقال فياض -وهو عضو في البرلمان الفلسطيني عن كتلة الطريق الثالث، التي تضم إلى جانبه النائب حنان عشراوي-: "يسعدني أن أكون بغزة العزة التي كانت ولا تزال شعلة العمل الوطني بين أهلي وأصدقائي".
رؤية بلا استجابة
وقال فياض: إن "عقد اجتماع "الإطار القيادي الموحد"، لمنظمة التحرير بشكل عاجل، وفوري، سيسهم في حالة إنهاء "التجاذب والانقسام" بين أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية (حركتا حماس وفتح)".
وأضاف "المنظمة هي الممثل الوحيد والقادرة على احتواء الفلسطينيين وحل خلافاتهم، ومخاطبة العالم، بلغة سياسية واحدة، وتبني موقف واحد، يجب وبشكل فوري أن يتم عقد الإطار القيادي الموحد للمنظمة".
كما طالب فياض بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، والاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة.
وقال فياض: "جاء الوقت لننهي البكائيات والدخول الى العمل الحقيقي، وكما قلت سابقا العمل يجب أن يبدأ بغزة"، مشددا على أنه "لا فائدة من تجريب المجرب ويجب الابتعاد عن الحلول حمالة الأوجه".
وأضاف "يجب التداعي لعقد الإطار المؤقت للمنظمة وتوسيع رقعة المشاركة وعقد المجلس الوطني بمشاركة الكل الوطني"، مطالبا بأن تكون مهمة الإطار المؤقت للمنظمة إعادة التأكيد بأن المنظمة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
ورأى أنه يجب التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي "بندية وليس بثقافة السادة والعبيد".
وقال: "يجب أن نقر لبعضنا البعض بالاختلاف، وألا نتصارع على هذا الاختلاف ولنركز على الصمود المقاوم"، مشددا على ضرورة العمل من أجل إخراج وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
مطالبة بسجنه
وقال: "يجب استدعاء علية القوم في السياسة ليتحملوا مسئولياتهم والتخلص من التصنيفات والدمغات المعيقة"، مشددا على أنه "ليس من المقبول أن نبقي واقعنا على حاله، ونلعن الظلام يجب أن نتحرك بشكل فوري لتغيير هذا الواقع".
وواجه فياض خلال اللقاء بانتقادات من بعض المحسوبين على حركة "حماس"، وقال له أحد الحضور: "جئت لتحدثنا عن الوحدة الوطنية وأنت سبب الانقسام، جئت لتحدثنا عن المقاومة وأنت من كنت تأمر بخطف المجاهدين، في زمنك تم إعلان غزة إمارة انقلابية، وفي زمنك قطعت الأرزاق، وفي زمنك عطلت الانتخابات والتجربة الديمقراطية، وأنت كنت رئيس وزراء أول حكومة تعزز الانقسام".
وقال له شاب معروف بانتمائه لحركة "حماس": "أنت لست مرحبا بك في غزة.. أنت تتستر بالحصانة البرلمانية بينما عطلت البرلمان، مكانك ليس الفنادق ولكن السجن".
وبشكل فعلي، توجه عدد من الموظفين التابعين لحركة "حماس" بطلبات إلى النائب العام بغزة، مطالبين باعتقال فياض، على خلفية قطع الرواتب إبان ترأسه الحكومة الفلسطينية عام 2007 و2008.
وقال إيهاب جودة النحال -في البلاغ الذي وجهه للنائب العام إسماعيل جبر، ونشر نسخة منه على صفحته في "فيس بوك"-: إنه يعمل طبيبا لدى وزارة الصحة منذ عام 1998، وكان يتقاضى راتبا بشكل منتظم حتى شهر يوليو/تموز 2007؛ حيث تم بعد هذا التاريخ "قطع الراتب ورواتب آلاف الموظفين بأمر مجحف ظالم من رئيس الوزراء في حينها سلام فياض، مما أدى إلى نتائج وتبعات كارثية علينا كموظفين ما زلنا نعاني منها ليومنا هذا".
وتوجه إلى النائب العام بالقول: "عليه أطلب من سعادتكم إيقاف المدعو أعلاه (فياض) والتحقيق معه والتحفظ عليه ومنعه من السفر".
كانت السلطة الفلسطينية قطعت رواتب آلاف الموظفين الذين استمروا بالعمل مع حكومة "حماس" في غزة، وطلب من الموظف الامتناع عن العمل؛ حيث وظفت حكومة حماس غيرهم، لتبقى مشكلة هؤلاء عالقة إلى اليوم، وتهدد مستقبل المصالحة؛ حيث بات هناك 40 ألف موظف يعملون في القطاع الحكومي بغزة ولكنهم غير مدموجين في الإطار الهيكلي للسلطة، ويتقاضون رواتب غير منتظمة من حكومة حماس بغزة.
حماس تخلي مسؤوليتها عن الزيارة
وأعلنت حركة حماس، أنه لا علاقة لها بزيارة الوزير السابق سلام فياض إلى القطاع ووصفتها بالشخصية ولن تتضمن عقد لقاءات بينه وبين قادتها.
وأكّد الناطق باسم حماس سامي أبو زهري -في تصريح صحفي مقتضب، تلقت بوابة "العين" نسخة منه- عدم وجود أي ترتيبات لإجراء لقاء معه من قبل أيٍّ من قيادات الحركة.
القيادي في حماس، باسم نعيم كان أكثر حدة تجاه فياض، واتهمه بـ"مأسسة الانقسام"، ودعاه لـ"التوبة والتكفير" عن الماضي.
وقال نعيم -في تدوينة له على حسابه الشخصي على موقع "فيس بوك"-: "أليس هو (د. سلام فياض) الشخص الرئيس في صناعة هذا الواقع الكارثي، ابتداءً من فرضه وزيراً على الرئيس الراحل أبو عمار، مرورًا بكل الخطايا التي مأسسة الانقسام، وقبوله بالرؤية الأمريكية-الإسرائيلية، لصناعة الفلسطيني الجديد"، حسب قوله.
وأضاف "إذا كان (سلام فياض) يريد أن يبحث عن مكانه في معادلة المستقبل، فعليه أولاً التوبة والتكفير عن خطايا الماضي، لا يكفي الكلمات الرنانة، فلسطين ليست ملفًا في أحد البنوك أو مشروعًا في إحدى الشركات.
بيت الحكمة
غير أن القيادي أحمد يوسف -الذي شغل منصب المستشار السياسي لرئيس الحكومة الأسبق إسماعيل هنية- قال: إن "فياض" لبى دعوة "بيت الحكمة" للمشاركة في لقاء حواري ينظمه المركز في أحد فنادق مدينة غزة مع نخبة من "المثقفين" و"المفكرين".
وأشار إلى أن فياض يحمل مجموعة من الأفكار السياسية حول المصالحة، والملفات الفلسطينية العالقة، وسيتم طرحها على المثقفين والإعلاميين.
وكلف الرئيس الفلسطيني، فياض برئاسة الحكومة عام 2007، على الرغم من أنه لم يكن ينتمي لحركة "فتح"، بعد إقالة إسماعيل هنية، وبقي في موقعه، حتى دبت الخلافات بينهما ليقدم بعدها استقالته منتصف عام 2013، حيث جرى تكليف الأكاديمي رامي الحمد الله برئاسة الحكومة.
هجوم كاسح من "فتح"
ولم تسلم زيارة فياض من انتقادات حركة "فتح"، التي ترى أوساطها أنه بات أحد المقربين من البرلماني محمد دحلان، أحد قادتها السابقين الذي فصل على خلفية خلافات مستحكمة مع عباس.
وقال الناطق باسم حركة "فتح" -في بيان، تلقت بوابة "العين" نسخة منه-: إن فياض "لا يمثل شيئا في المجتمع الفلسطيني، وليس لديه ما يؤهله لتقديم النصح والإرشاد لأحد".
ورأى أنه "ليس لديه (فياض) من التاريخ الوطني والمهني ما يؤهله لتقديم النصح والإرشاد لأحد، وعندما يستدعي علية القوم لتحمل المسؤولية، الأولى أن يصمت مرة وللأبد".
ووصف تصريحات فياض في غزة بأنها "نفاق سياسي مطلق"، واتهمه بأنه "يبحث لنفسه عن دور سياسي مشبوه".
وقال: "نعلم جيدًا في فتح علاقاته واتصالاته غير الوطنية، والدور المناط به في هذه المرحلة الحرجة والحساسة التي تحاول فيها إسرائيل إخضاع القيادة الفلسطينية وتحديدا الرئيس محمود عباس لشروطها واملاءاتها".
ورأى أن "فياض يحاول من خلال هذه الزيارة طرح نفسه كمخلص للوضع الفلسطيني، ظانا أن شعبنا الواعي وطنيا يمكن أن تنطلي عليه بعض الشعارات الرنانة الكاذبة".
وقال: "تناسى فياض وهو يصرح أن شعبنا الفلسطيني لفظه نتيجة سياساته الاقتصادية الفاشلة حين كان رئيسا للوزراء، وأن أي محاولة مشبوهة وخاصة في هذه الأوقات الحساسة لن تمر على شعبنا الفلسطيني وذاكرتنا قوية ونعلم يقين العلم دوركم وعلاقاتكم المشبوهة ومع من تنسقون".
رؤية سياسية للنقاش
من جهته، أكد النائب في المجلس التشريعي عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل المجدلاوي أن زيارة فياض لقطاع غزة جاءت بدعوة من مؤسسة بيت الحكمة وتأتي في إطار طرح ومناقشة رؤى وقضايا سياسية فلسطينية.
وقال مجدلاوي -الذي التقى فياض في مكتبه، بحضور أعضاء من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وسط غياب أي ممثلين عن حركات فتح وحماس والجهاد الإسلامي-: "طرح فياض ورقة كان قد نشرها للإعلام تدعو لتفعيل وتطوير الانتفاضة الفلسطينية بعدة وسائل، ومحاولة إطالة أمد الانتفاضة، كما بحث سبل إتمام الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام".
وأشار إلى أن فياض دعا وطرح رؤية لتوسيع فعاليات الانتفاضة، وضرورة تفعيل لجان منظمة التحرير باعتبارها الإطار القيادي الذي ينضوي تحته كل الأطياف الفلسطينية، وجميع الرؤى السياسية، وشدد على أن الزيارة "تأتي في تبادل الرؤى السياسية فقط".