الاتحاد الأوروبي: حكم محكمة العدل الدولية يؤكد ضخامة التحدي المناخي

وصف الاتحاد الأوروبي يوم الخميس حكمًا صادرًا عن أعلى محكمة في العالم، يقضي بإلزام الدول بمعالجة تغير المناخ، وأن عدم القيام بذلك قد يفتح الباب أمام التعويضات، بأنه "مهم".
وقالت آنا كايسا إيتكونين، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، في مؤتمر صحفي: "هذا يؤكد جسامة التحدي الذي نواجهه، وأهمية العمل المناخي واتفاقية باريس، كما يؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات جماعية وطموحة".
ومساء الأربعاء، خلصت محكمة العدل الدولية إلى أن الدول التي تنتهك التزاماتها المناخية ترتكب فعلا "غير قانوني" وقد تكون عرضة لطلبات تعويض من أكثر الدول تضررا، وفق ما ورد في رأي استشاري رائد يهدف إلى التأثير على الفقه القانوني العالمي.
- حكم القرن المناخي.. محكمة العدل الدولية ترفض حجج الملوثين الكبار
- نقطة التحول الكبرى.. العالم ينتظر حكما تاريخيا يعيد تعريف العدالة المناخية
وفي هذا الرأي الصادر في دعوى يقف خلفها طلاب من أرخبيل فانواتو الصغير في المحيط الهادئ، أقرّت أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة ومقرّها لاهاي، بالإجماع تفسيرا قانونيا للقانون الدولي بات في إمكان المشرعين والمحامين والقضاة حول العالم استخدامه لتغيير القوانين أو مقاضاة الدول على تقاعسها عن اتخاذ إجراءات بشأن المناخ.
وعلّق الأمين العام للأمم المتحدة في بيان بالقول "إنه انتصار لكوكبنا وللعدالة المناخية ولقدرة الشباب على تحريك الأمور".
وقال وزير المناخ في فانواتو رالف ريغينفانو بعد الجلسة أمام درجات قصر السلام في لاهاي، مقر المحكمة، إنّ هذا الرأي القانوني "يمثل محطة تاريخية في التحرك المناخي"، مبديا ثقته في أنه سيشكل مصدر إلهام "للمزيد من العمل القانوني" في قضايا المناخ حول العالم.
وأشار في تصريح لوكالة فرانس برس إلى وجود "كثير من الأمور غير المتوقعة" والإيجابية في الرأي الاستشاري. وقال "سنستخدم بالطبع هذه الحجج في مناقشاتنا مع البلدان التي تصدر أكبر كمية" من غازات الدفيئة.
ورحّبت فرنسا على لسان وزيرة الانتقال البيئي أنييس بانييه-روناشير بـ"قرار تاريخي" وبـ"انتصار للمناخ".
وأشار رئيس المحكمة القاضي يوجي إيواساوا خلال تلاوة استمرت ساعتين إلى أن تغير المناخ الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة يمثل "تهديدا داهما ووجوديا".
ورفضت المحكمة الفكرة التي تؤيدها أكثر الدول تلويثا في العالم، والمتمثلة في أن معاهدات المناخ القائمة حاليا، خصوصا عملية التفاوض السنوية لمؤتمر الأطراف المناخي، كافية لمعالجة الوضع.
وقالت محكمة العدل الدولية إن للدول "واجبات صارمة لحماية النظم المناخية". وفي موقف منسجم مع ما تنادي به الدول الجزرية الصغيرة، أكدت المحكمة ضرورة "حماية المناخ للأجيال الراهنة والمقبلة"، بينما ترفض الدول الملوثة الكبرى رفضا قاطعا الاعتراف قانونيا بحقوق الأفراد الذين لم يُولدوا بعد.
- تعويضات
وينبع الجزء الأهم من الرأي الذي يُتوقع أن يثير ممانعة كبيرة من الدول الغنية، وفق المحكمة، من هذه الالتزامات، خصوصا التعويضات المستحقة للدول المتضررة من جراء المناخ.
وقالت المحكمة إن "العواقب القانونية المترتبة على ارتكاب فعل غير مشروع دوليا.. قد تشمل جبرا كاملا للضرر الذي لحق بالدول المتضررة في شكل رد الحقوق والتعويض والترضية".
لكن المحكمة لفتت إلى وجوب إثبات وجود علاقة سببية مباشرة ومؤكدة "بين الفعل غير المشروع والضرر"، وهو أمر يصعب إثباته أمام المحكمة، ولكنه "ليس مستحيلا"، كما خلص قضاة محكمة العدل الدولية الخمسة عشر.
وهذا الرأي هو الخامس بالإجماع للمحكمة خلال 80 عاما، وفق الأمم المتحدة.
وقال الطالب الفيجي فيشال براساد البالغ 29 عاما لفرانس برس في لاهاي إن "تغير المناخ ليس مجرد تمرين أكاديمي... نحن نعيشه كل يوم". وقد أطلق براساد الحملة عام 2019 مع طلاب آخرين من جامعة جنوب المحيط الهادئ في فانواتو.
وتابع "يا لها من نهاية مثالية لحملة بدأت في قاعة دراسة"، وأضاف "لقد أصبحت لدينا الآن أداة قوية جدا لمحاسبة القادة. لقد قدّمت محكمة العدل الدولية كل ما هو ممكن".
- انتصار تاريخي
وسيستغرق الأمر وقتا حتى يستوعب علماء القانون الرأيَ الكاملَ الواقع في 140 صفحة، وثمة حاجة أيضا لوقت أطول لمعرفة ما إذا كانت المحاكم الوطنية ستعتمده.
لكنّ أصواتا كثيرة، من خبراء وناشطين، أثنت على الطابع التاريخي للنص.
وقال المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة ديفيد بويد لوكالة فرانس برس "إنه انتصار تاريخي للعدالة المناخية".
وأضاف أن تفسير المحكمة لواجبات الدول "سيُحفّز على تسريع العمل المناخي".
ويتشارك علماء مناخ محبطون من ضعف العمل السياسي العالمي في هذا المجال، الرأي نفسه.
ووصف يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، أحد أشهر معاهد المناخ في أوروبا، لوكالة فرانس برس، الرأي الصادر الأربعاء بأنه "قرارٌ حاسم". وأشار إلى أن كل دولة يُمكن محاسبتها أمام المحكمة، حتى لو لم تكن طرفا في معاهدات الأمم المتحدة.
وأسف جون كيري، موفد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لشؤون المناخ، لتطلّب الأمر "ثقل القانون الدولي" لتحفيز الدول على القيام بما هو في جوهره في مصلحتها الاقتصادية.
ومن غير المحتمل أن تغيّر الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى الغنية والمصدرة لغازات الدفيئة التي لم تبد رد فعل بعد، مسارها بشأن النفط والطاقات الأحفورية بناء على هذا الرأي فقط.
وتوقع الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة فيرمونت بات بارينتو لوكالة فرانس برس أن يشكل هذا الرأي موضع "اختبار" أمام المحاكم في الولايات المتحدة. وقال "لن ينجح ذلك في ظل المحكمة العليا الحالية، لكن هذا الوضع لن يدوم إلى ما لا نهاية".
ويتطلّع أرخبيل فانواتو إلى الخطوة التالية وهي الطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة تطبيق رأي المحكمة.