موائد الرحمن في مصر.. من الليث بن سعد إلى الفنانات
شهر رمضان في مصر يرتبط بالكثير من المظاهر والعادات ذات الخصوصية، وتأتي موائد الرحمن في مقدمة هذه المظاهر.
يرتبط شهر رمضان في مصر بالكثير من المظاهر والعادات ذات الخصوصية، وتأتي موائد الرحمن في مقدمة هذه المظاهر التي تستمر منذ أول يوم في رمضان وحتى آخر يوم وتنتشر في الكثير من شوارع مصر المحروسة ومدنها.
واختلف المؤرخون حول بداية ظهور موائد الرحمن فهناك من يرجعها إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهناك من يرجعها إلى عهد الخلفاء الراشدين، وفي مصر اختلف المورخون أيضاً حول بداية وظروف نشأتها فهناك من يرجعها إلى عهد الليث بن سعد، والذي أقام موائد الرحمن وكان يقدم للصائمين فيها " الهريسة" كواحدة من أشهى المأكولات.
وهناك فريق آخر من المؤرخين والباحثين يرجعها إلى عصر الدولة الطولونية ومؤسسها في مصر أحمد بن طولون، والذي يحكى أنه أقام مأدبة طعام كبيرة دعا إليها كبار رجال الدولة، الذين وجدوا فور تلبيتهم الدعوة العديد من الفقراء والمساكين وخطب فيهم قائلا:" جمعتكم لأعلمكم طريق البر بالناس، وأخبرهم بأنه يعلم جيداً أنهم ليسوا في حاجة إلى هذا الطعام والشراب ولكن آمركم من الأن أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم للسائل والمحروم ومن لا ينفذ هذا الأمر يتعرض لأشد أنواع العقاب".
وطلب منهم أحمد بن طولون أن تستمر هذه المأدبة طوال الشهر الكريم، وفي عام 880 هجرية أمر ابن طولون أن تعمم موائد الرحمن في كل أنحاء الدولة.
وفي عهد الفاطميين أمر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي بإعداد مائدة كبيرة في شهر رمضان حتى يستطيع رواد مسجد عمرو بن العاص الإفطار، وعرفت موائد الإفطار في ذلك الوقت باسم" دار الفطرة" حيث كانت تمتد الموائد بطول 175 متراً وعرض 3 أمتار وفقاً لمؤرخين.
وشهدت موائد الرحمن تراجعاً نسبياً خلال عصر المماليك ثم العثمانيين بعذ لك بسبب حالات التوتر والحروب التي شهدتها مصر، لكنها مع بداية الاحتلال الإنجليزي لمصر شهدت ازدهاراً كبيراً، حيث عملت الجمعيات الخيرية على إحيائها من جديد، ومنذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي شهدت " موائد الرحمن" تطوراً كبيراً وانتشاراً واسعاً في أحياء وشوارع مصر، وظلت في ازدياد حت يومنا هذا، حيث يعتبرها الكثيرون فرصة للتقرب من الله عزوجل خلال صوم رمضان، كما تعتبر أيضاً وسيلة من وسائل التكافل الاجتماعي بسبب الأوضاع الاقتصادية.
وقدرت دراسة أجريت قبل عامين أعداد المقبلين على موائد الرحمن بنحو 5% من عدد سكان مصر، كما يقدر عدد من يقومون على تنظيمها بما يقرب من 10 آلاف شخص ينفقون نحو ملياري جنيه مصري خلال الشهر الكريم من أجل إعداد الطعام والشراب الخاص بموائد الرحمن.
وتتنوع الشريحة التي تتولى الإنفاق على موائد الرحمن في مصر ما بين رجال أعمال وسياسيين ووجهاء إلى جانب فنانين وفنانات أيضاً.