اقتصاديون: "المركزي المصري" فضل إطفاء التضخم على إنعاش الاستثمار
رفع سعر الفائدة إلى أعلى مستوى خلال 10 سنوات
قرار المركزي المصري برفع سعر الفائدة إلى أعلى مستوى لها لاستيعاب التضخم، يطرح تساؤلات حول التأثيرات السلبية على الاستثمار والموازنة
قرار البنك المركزي المصري، يوم الخميس الماضي، برفع الفائدة 1% ليصل سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 11.75% و12.75% على التوالي، يعكس ما يواجهه البنك من تحديات صعبة خلال الفترة الراهنة، وعلى رأسها الموازنة بين تحجيم معدلات التضخم المتزايدة وأسعار الفائدة من جانب آخر.
ووفقا لنظرية الأواني المستطرقة، فإن القرار يطرح العديد من التساؤلات حول مدى تأثيره على مناخ الاستثمار وعجز الموازنة، التي توقع وزير المالية المصري مؤخرا أن ترتفع لتسجل لـ 11.5% خلال العام المالي الجاري.
ويأتي القرار الجديد بعد 3 أشهر فقط من قرار سابق برفع الفائدة 1.5% في تطور سريع واستثنائي لحركة أسعار الفائدة في مصر، حتى سجلت أعلى مستوى لها منذ أكثر من 10 سنوات.
وبحسب بيان البنك المركزي المصري، فإن رفع الفائدة يستهدف استقرار الأسعار في الأجل المتوسط، وذلك بعد أن سجل معدل التضخم الأساسي 12.3% وهو أعلى مستوى منذ 2009.
وأكد اقتصاديون أن البنك المركزي اتخذ قرار رفع الفائدة تحت ضغوط تداعيات قرار خفض سعر الجنيه بواقع 1.12 جنيه مقابل الدولار في مارس/ آذار الماضي، متوقعين أن يتخذ هذا العام قراراً آخر برفع الفائدة نظرًا لأن السوق السوداء مازالت نشطة ويتداول فيها عند 10.96 جنيه مقابل 8.88 جنيه في السوق الرسمية.
وإذا كان القرار وفقا لـ"المركزي المصري" يستهدف ضبط الأسعار بالسوق المصرية، فإن للقرار تداعيات أخرى وعلى رأسها تأثيره على تنشيط الاستثمار في ظل ارتفاع تكاليف الإقراض من ناحية، بخلاف السيطرة على عجز الموازنة في ظل ارتفاع مرتقب في تكلفة خدمة الدين العام التي تنمو بوتيرة قياسية.
من جانبه، قال محمود مصطفى مسئول ائتمان بأحد البنوك الحكومية إن البنك المركزي ليس أمامه خيارات عديدة لضبط أوضاع السوق، فهناك خياران فقط هما محاولة السيطرة على التضخم وتنشيط الاستثمار، وفي ظل الارتفاع الملحوظ في حركة الأسعار قرر مواجهة التضخم برفع الفائدة بواقع 1% بصورة تفوق التوقعات التي كانت تشير إلى ارتفاع محتمل بنسبة 0.5% على أقصى تقدير.
وتابع محمود: "إن الارتفاع الملفت في أسعار السلع جاءت بشكل رئيسي جراء قرار خفض سعر العملة قبل 3 أشهر حيث بدأت تداعياته في الظهور خلال مايو/ آيار الماضي والذي سجل خلاله معدل التضخم ارتفاعًا شهريًا كبيرًا بنسبة 3.5%".
وحدد البنك المركزي عدة أسباب لارتفاع التضخم بخلاف خفض العملة أبرزها التأثيرات الموسمية بمناسبة شهر رمضان الكريم وصدمات العرض التي أدت إلى ارتفاعات متفاوتة في أسعار السلع الغذائية وعلى الأخص الأرز الذي ارتفع بنسبة 18%، بالإضافة إلى تعديل أسعار السلع المحددة إداريًا لاسيما الأدوية والتي ساهمت بنسبة 0.4% في زيادة التضخم الشهري.
وقد أكدت شبكة "بلومبرج" الأمريكية في تقرير لها أن التدابير التي اتخذتها الحكومة من أجل زيادة الإيرادات العامة قد رفعت الأسعار، وهي تشمل المزيد من خفض مخصصات دعم الكهرباء والاستعداد لتنفيذ ضريبة القيمة المضافة.
ونقلت عن جاسون تيفي محلل أسواق الشرق الأوسط بشركة كابيتال إيكونوميكس البريطانية أن معدلات التضخم والضغوط الملقاة على سعر الجنيه أجبرت البنك المركزي على اتخاذ قرار عنيف برفع الفائدة، وهذه الخطوات تنذر بأن المركزي سيكون في حاجة لتخفيف قبضته عاجلاً وليس آجلاً على الجنيه تمهيدًا لجولة أخرى من خفض العملة.
ومن المرتقب أن تؤدي هذه الأوضاع إلى زيادة جديدة في أسعار الفائدة قبل نهاية العام 2016.
وعلى الجانب الآخر، يترقب مناخ الاستثمار تداعيات قرار رفع الفائدة لأعلى مستوى منذ أكثر من عقد كامل، حيث أوضح محمود مصطفى أنه سيكون هناك ارتفاع في تكلفة الاستثمار تأثرًا بالصعود المرتقب في سعر إقراض الشركات إلى ما يتراوح بين 15- 16% مقارنة بـ 13 – 14% الآن.
وتابع: "رفع تكلفة الإقراض من شأنه الحد من قدرة الحكومة المصرية على رفع معدل الاستثمار المستهدف بـ 16% بموازنة العام المالي المقبل مقارنة بمعدل 12.6% خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2015/"2016.
وتحاول الحكومة المصرية تعويض التراجع المرتقب في استثمارات القطاع الخاص بتعظيم دور الاستثمار الحكومي، حيث إن موازنة العام المالي المقبل 2016/2017 تستهدف ضخ استثمارات بقيمة 531 مليار جنيه تتوزع بواقع 239 مليار جنيه استثمارات عامة مقابل 292 مليار جنيه للقطاع الخاص.
ويعد هذا تحولاً كبيرًا عن مستهدفات الاستثمار بموازنة العام المالي الحالي التي تبلغ فيها الاستثمارات العامة 75 مليار جنيه فقط، مقابل 360 مليار جنيه للقطاع الخاص.
ولكن مسئول الائتمان رأى أن الاستثمارات الأجنبية هي الأقل تأثرًا برفع الفائدة نظرًا لأن أي استثمارات جديدة تعتمد على تدبير احتياجاتها التمويلية من الخارج.
ويرى اقتصاديون آخرون أن السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي من شأنها تحجيم الاستثمار، إذ اعتبر هاني توفيق رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر أن رفع الفائدة بواقع 1% من شأنه إهدار فرص جلب الاستثمار، أو زيادة معدلات التشغيل والإنتاج.
وأضاف أن التضخم الحالي لا يصلح معه رفع سعر الفائدة حيث إنه يعرف بالركود التضخمي وهو يكون عبارة عن ارتفاع في الأسعار نتيجة زياد تكلفة التصنيع والتشغيل وليس بسبب ارتفاع الطلب، بالإضافة إلى تزامنه مع إغلاق منشآت صناعية وتخفض العمالة ومن ثم تراجع الطلب.
وأوضح توفيق أن رفع سعر الفائدة من شأنه زيادة تكلفة التصنيع وبالتالي استمرار ارتفاع التضخم، مؤكدًا أن الحل الوحيد أمام الحكومة في منح تسهيلات استثمارية للمستثمرين وتسهيل إصدار التراخيص وتخصيص الأراضي حتى ترتفع معدلات التشغيل والطلب معًا.
وعلى صعيد آخر، هناك تداعيات مرتقبة لرفع سعر الفائدة على هيكل الموازنة العامة للبلاد، وعلى رأسها تكلفة إصدار أذون وسندات الخزانة، إذ أن نسبة العائد على أذون الخزانة لآجل 357 يوما تبلغ الآن 14.188%، ومن المرشح معاودة الارتفاع لتقترب من المعدلات العالية التي سجلتها في 2012 حين وصلت إلى 16%.
وينعكس ذلك في ارتفاع تكلفة خدمة الدين العام التي شهدت تطورًا كبيرًا خلال السنوات الـ 7 الأخيرة، إذ كان يقترب من 12% من إجمالي المصروفات في 2008 / 2009، وتستهدف الوصول بها إلى 28.2% في 20015/ 2016.
ويرتفع الدين العام في مصر بوتيرة عالية ومن ثم يترتب عليه ارتفاع قيمة فوائد القروض، حيث وصل صافي الدين العام في نهاية مارس/ آذار 2016 إلى 2.964 تريليون جنيه مقابل 2.330 تريليون جنيه في مارس 2015.
وقدرت موازنة العام المالي 2015 / 2016 الفوائد المطلوب سدادها على القروض المحلية والأجنبية بنحو 244.044 مليار جنيه بما يعادل 8.6% من الناتج المحلي، مقابل 199.012 مليار جنيه بموازنة العام المالي السابق بزيادة قدرها 22.6%.
ويضع ارتفاع سعر الفائدة تحديًا أمام الحكومة المصرية في تحقيق مستهدف خفض عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي 2015- 2016 إلى 251 مليار جنيه، بما يوازي 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 279.4 مليار جنيه عجزاً محققاً بموازنة العام المالي السابق ما يعادل 11.5% من الناتج المحلي.
وقد شدد "المركزي المصري" على الحكومة اتخاذ إجراءات إصلاحية للحد من تفاقم الدين المحلي وارتفاع عجز الموازنة للدولة، والتي تشكل ضغوطًا تضخمية على الاقتصاد.
aXA6IDE4LjIyNC41NS42MyA= جزيرة ام اند امز