"نساء ديستوفيسكي".. خفايا وأسرار عميد الرواية الروسية
يتتبع الكتاب زمنيا التفاصيل المتعلقة بنساء ديستوفيسكي، ارتباطا عاطفيا وزواجا عائليا، وحضور هؤلاء النسوة في حياة وإبداع الروائي الأشهر
عن سلسلة (الروائع) التي يصدرها قطاع الثقافة بمؤسسة أخبار اليوم، ويشرف عليها الكاتب الروائي عزت القمحاوي، صدر كتاب «نساء في حياة ديستوفيسكي» لـ ليونيد جروسمان، ومن ترجمة د.أنور إبراهيم. الكتاب الذي يقع في 128 صفحة من القطع الصغير (قطع الجيب)، يحتوي على ملحق صور لـ ديستوفيسكي في مراحل مختلفة من حياته وأخرى لنساء اتصل بهن أو شكلن جانبا من جوانب حياته العاطفية.
«نساء ديستوفيسكي» كتاب استقصى فيه مؤلفه التفاصيل المتعلقة بنساء ديستوفيسكي، ارتباطا عاطفيا وزواجا عائليا، وحاول أن يتتبع زمنيا حضور هؤلاء النسوة والأدوار التي لعبنها وأثرن بها في مسيرة حياة وإبداع الكاتب الروائي الأشهر في القرن التاسع عشر، أحد أعظم كتّاب الرواية على الإطلاق، تميزت أعماله بقدرة فذة وهائلة على السرد وبتعبيرها العبقري عن دواخل النفس الإنسانية، وقد عبّر عن ذلك في عناوين رواياته التي تصف الإنسان في شتى مواقفه.
على ظهر الغلاف (في معرض التعريف بالكتاب)، أوضح المحرر أن ديستوفيسكي، في شبابه الباكر، أغفل تماما حياته العاطفية غارقا في مخطوطات كتبه، لقد صرفه السعي وراء الظهور الأدبي بقوة أكبر عن الانفعالات الرومانسية. وفي سيبيريا انفتح عصر حكايات ديستوفيسكي الغرامية، ومنذ ذلك الحين ظهرت في طريق حياته شخصيات نسائية رائعة انعكست سماتهن بقوة في بطلات رواياته، وهذا هو السبب وراء ولعه الشخصي الهائل بدراسة العديد من النماذج النسائية التي ظهرت في فترة نضجه الإبداعي.
مما يلفت النظر في هذا الكتاب الصغير، فضلا عن المعلومات الغنية والتفاصيل التي يكشفها المؤلف للقارئ عن علاقات ديستوفيسكي النسائية، تلك المزاوجة التي عقدها بين وقائع ارتباطات ديستوفيسكي العاطفية والإنسانية، وبين نماذجه الروائية في أعمال له شهيرة، فعلى سبيل المثال، في الفصل الذي عقده المؤلف للحديث عن إحدى تلك الشخصيات "سوسلوفا"، بطلة واحدة من أكثر قصص الحب التي عاشها ديستوفيسكي قوة، قصة تعود إلى مطلع الستينيات من القرن التاسع عشر، اسمها بالكامل "أبوليفاريا سوسلوفا"، فتاة شابة جميلة تعلق بها ديستوفيسكي وأحبها وارتبط بها، وتركت تلك الفتاة أثرا كبيرا وواضحا في إبداعه الروائي بعد ذلك.
عاشت أبوليفاريا سوسلوفا في بطرسبورج حيث خالطت الشباب التقدمي، وتعرفت على ديستوفيسكي في أحد الأماسي، وبهر الفتاةَ الشابةَ الفنانُ العظيمُ، فراحت تعبر له عن إعجابها به، فاستجاب الكاتب المرهف لهذا الشعور الملتهب الذي بثته فتاة في شرخ الصبا. ويوضح مؤلف الكتاب أن قصة الحب بينهما قد بلغت ذروتها في العام 1863، حيث يسافر العاشقان إلى الخارج، وتكشف خطابات ديستوفيسكي إلى إخوته التي يتحدث فيها بصراحة تامة عن السعادة التي تغمره في السفر بصحبة كائن يحبه. لكن شكوكه المعتادة وتغير مزاجه وعبوسه الملازم ثم خسائره الفادحة على مائدة القمار قد عكرت صفو هذه الرحلة التي قام بها إلى أوروبا بصحبة محبوبته الشابة "سوسلوفا". لم تكن العلاقة بين ديستوفيسكي وسوسلوفا متكافئة أبدا؛ كانا يتخاصمان ثم يعودان، تنتابهما سورات من الغضب والهوس الجامح الذي بدا أنه لا ينطفئ. لم ينقطعا عن تبادل الرسائل من حين لآخر حتى بعد الزواج الثاني لـ ديستوفيسكي.
انعكست هذه العلاقة المشبوبة المضطربة في رواية ديستوفيسكي الشهيرة «المقامر» (صدرت منها طبعة حديثة عن المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ترجمة سامي الدروبي، 2013). عكست «المقامر» بشكل مرتب تاريخ تلك العلاقة بين ديستوفيسكي وسوسلوفا، وما تضمنته من المشاهد الغرامية..