30 يونيو .. ماذا حدث للمصريين خلال 3 سنوات؟
ماذا حدث للمصريين خلال 3 سنوات بعد انهاء كابوس حكم تنظيم "الإخوان" الإرهابي .. سؤال يسعى تقرير لبوابة "العين" الإجابة عليه
طوابير ممتدة أمام محطات البنزين يتبعها احتقان.. ومقتل جنود في عمليات إرهابية في سيناء يعقبها غضب.. ومبادرة يتزعمها معارضة شبابية بتأييد من قادة ورموز سياسية تخلف استقطابًا سياسيًا حادًا يرافقه ضجيج إعلامي ينتقد خطاب الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان، والذي رفض دعوات سحب الثقة منه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، هكذا كان مشهد الشارع المصري قبل ثلاث سنوات.
الكروت الحمراء التي رفعها الآلاف في ميدان التحرير مساء يوم 27 مايو/أيار 2013، عقب خطاب مطول لمرسي استمر ساعتين، كانت تعبيرًا عن إصرارهم على رحيله، واستعدادً ليوم 30 يونيو/حزيران من العام نفسه، بعد فشله في إدارة البلاد.
اختفاء المظاهرات وتراجع العنف
كان المشهد الأبرز خلال النصف الأول من 2013 هو "العنف"، الذي تنوعت ملامحه بين حوادث إرهابية، واشتباكات دموية بين مؤيدي ومعارضي مرسي.
وبعد مرور ثلاث سنوات، اختفى هذا المشهد، لاسيما مع إعلان الدولة منذ ذلك الحين أنها تخوض حربًا ضد الإرهاب، فبدأت بمحاصرة الجماعات الإرهابية، بشكل أكبر، حتى أن أعمال العنف التي ارتبطت بالمظاهرات اختفت من الشارع، وباتت فئوية أكثر منها سياسية.
ويقول عمار علي حسن، الخبير السياسي لبوابة "العين": "إنه لا يمكن لأحد أن يقول إن العنف اختفى، لكن يمكن القول بأنه تراجع، مثله مثل تراجع موجة الإرهاب، التي تنحصر تدريجيًا، خاصة أن الدولة استطاعت على مدار 3 سنوات تفكيك الجماعات الإرهابية أمنيًا، وتمكنت من جمع معلومات عنها لتقيضها وتحد من عملياتها عدا سيناء التي ما زالت تواجه هذا التحدي".
وفي أعقاب يونيو/حزيران 2013، كانت المظاهرات التي دعا لها الإخوان، شبه يومية، وعادة ما يتخللها اشتباكات تسفر عن مصابين وقتلى، لكنها أصبحت تقل تدريجيا حتى اختفت تمامًا في العاصمة القاهرة والمحافظات المصرية.
كذلك اختفت احتجاجات عدد من القوى السياسية والحركات الثورية التي تظاهرت خلال ثلاث السنوات لأسباب مختلفة، من بينها رفض قانون التظاهر، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، وإحياءً لذكرى مواجهات منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية قال لبوابة العين إن "المصريين على مدار ثلاث سنوات شعروا بالإجهاد والفوضى، ما دفعهم لرفض المظاهرات وقطع الطرق، وبالتالي كان لا يوجد صوت يعلو فوق الاستقرار، فهم لا يرغبون في الثورات مجددًا"، موضحًا أنه كان هناك حالة أشبه بالـ "التعاون الضمني" بين المجتمع والأمن، ما ساهم في اختفاء مظاهر العنف والمظاهرات والاحتجاجات، في مقابل الأمان.
واستثنى صادق -على غرار عمار- منطقة سيناء قائلًا إنها حرب استنزاف لم تنتهِ بعد، لأن غرضها التشويه وإظهار مصر بصورة غير مستقرة، لكنهما أقرا بوجود تراجع في موجة الإرهاب مع محاولات مستمرة من الجيش المصري لضبط المسألة.
الإخوان والسلفيين والليبراليين.. كارت أحمر
وكما تراجع الإرهاب، تراجع أيضًا التمثيل السياسي لتيار الإسلام السياسي، فبعد أن كان المشهد السياسي في 2013 متمثلا في تولي جماعة الإخوان لرئاسة الجمهورية وتواجدهم في كل القطاعات الرئيسية للحكومة والدولة، أعلنت الدولة أن الإخوان جماعة إرهابية ونجحت في ملاحقة غالبية قادة الجماعة الإرهابية، فيما هرب البعض الآخر لخارج البلاد.
الأمر لم يكن مختلفًا لبقية التيارات، فالتيار السلفي والذي كان من أبرز رموزه حزب النور، لم يعد متوسطًا المشهد السياسي كما كان الوضع في 3 يوليو/تموز 2013، لكنه خرج من المعادلة السياسية بعد حصوله على 12 مقعدًا في برلمان 2015 مقابل 123 مقعدا في 2012.
كذلك لم يعد هناك ظهور مؤثر لقوى سياسية معارضة في الشارع المصري أو داخل البرلمان، إذ لم يكن هناك تحت قبة البرلمان سوى كتلة العدالة الاجتماعية التي كان بصدد تشكيلها النائب اليساري هيثم الحريري، المعارض الوحيد الصريح للحكومة.
وفسّر سعيد صادق تراجع ظهور تلك التيارات السياسية بقوله "بالنسبة لتيار الإسلام السياسي المصريون أصبحوا يتخوفون من أفكارهم ويربطون بينها وبين الإرهاب، وهو ما تسبب في فشلهم في الانتخابات، أما جبهة الإنقاذ والأحزاب الليبرالية فكان وجودها في 2013 مؤقتًا لمواجهة مرسي، وبالتالي دورهم انتهى لدى المصريين".
وتابع صادق: المصريون لم يعودوا يتبنون سوى مبدأ "الاستقرار" ويرفضون أي إثارة من شأنها أن تهددهم مجددًا.
يبغضون السياسة.. ويعارضون الإعلام التحريضي
وبين تدشين حركة "تمرد" داخل نقابة الصحفيين، والتي دعت لعزل مرسي في ذكرى مرور عام على حكمه في 2013، وبين أزمة أخيرة حبس فيها نقيب الصحفيين في 2016، ظهر تغيير شهدته حرية الإعلام في مصر.
واكتظت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بالإضافة لوسائل التواصل الاجتماعي، بما يشبه الانتقاد اليومي لمرسي آنذاك، حتى أنها جميعًا كانت تدعو المصريين للخروج يوم 30 يونيو/حزيران 2013 وهو ما تقلص كثيرًا في 2016 مع الرئيس السيسي، وإن استمرت وسائل التواصل الاجتماعي فيما كانت تقوم به.
وفي 25 أبريل/نيسان الماضي، حاصرت قوات الشرطة المصرية مقر نقابة الصحفيين، وحالت دون تنظيم احتجاجات كانت مقررة على خلفية أزمة جزيرتي "تيران" و"صنافير"، وفي مساء 1 مايو/آيار 2016، قامت قوات الشرطة باقتحام مقر النقابة؛ لإلقاء القبض على اثنين من الصحفيين، وهو ما تسبب في اندلاع أزمة بين النقابة والأمن، والتي انتهت بالقبض على النقيب.
واختفى عدد من الإعلاميين من الظهور على الشاشات، من بينهم ريم ماجد، وباسم يوسف، فيما انتقلت الإعلامية منى الشاذلي إلى تقديم برنامج اجتماعي بدلًا من برنامج "العاشرة مساءً"، والذي كانت تقدم من خلاله قضايا سياسية.
وأوضح سعيد صادق أن "المصريين أنفسهم لم يعودوا يرغبون في أي إثارة لحالة الاستقرار التي يعيشونها، فلم تخرج مظاهرات مثلا للمطالبة بعودة ريم ماجد أو ليليان داود وجابر القرموطي" حيث غابت الأولى من الظهور، وانتهى عقد الثانية وتم ترحيلها، فيما غادر الأخير المحطة التلفزيونية.
وأضاف صادق: المواطن العادي يريد الآن المحافظة على بلاده ويرفض ما يراه إعلامًا تحريضيًا قد يهدد النظام ويهدده.
متفقًا معه، قال الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز في تصريح خاص لبوابة "العين" إن موقع مصر بين قوائم الحريات في العالم يتراجع بدرجة ملموسة وقابلة للقياس، حيث شهدت فترة حكم الإخوان قبل 2013 هيمنة للسلطة على وسائل الإعلام والصحافة المملوكة للدولة، حيث كان وزير الإعلام التابع للإخوان يسيطر على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، بينما سيطر رئيس مجلس الشورى الممثل للغرفة الثانية للبرلمان على الصحف القومية وعددها 55 صحيفة تصدر عن 8 مؤسسات صحفية قومية.
ورأى عبد العزيز أن الوضع حاليًا مختلف، حيث تهيمن السلطة فقط على مجال الإعلام الخاص نظرا لعدة أسباب منها أن هناك بعض الدول الإقليمية تستغل وسائل الإعلام الخاصة للضغط على مصر، ولأن السلطة لها وجهة نظر تتعلق بتسييد الصوت الواحد في المجال الإعلامي مما يحد من التنوع والاختلاف.
وأشار عبد العزيز إلى أن ما حدث من أزمات في الفترة السابقة كأزمة نقابة الصحفيين أو أزمة المصري اليوم وأزمة قناة اون تي في بترحيلها ليليان هو تعبير عن الخشونة التي تنتج عن محاولة فرض السلطة لرؤيتها، فيما تعمل وسائل الإعلام على نظرية المسؤولية الاجتماعية وتدعم رؤية الدولة للدفاع والتنمية كما تتبناها السلطة الحاكمة.
الأزمات تتراجع.. والاقتصاد يتأثر
تظهر الأرقام أن المصريين تأثروا بشكل مباشر بما شهدته بلادهم على مدار 3 سنوات ماضية، من حيث معدلات البطالة وتأثيرها على توظيف أبنائهم، وما ضاعف من ظهور هذه المشكلة تأثر قطاعات مثل السياحة والتي تشكل 12% من القطاع المصري ويعمل بها من مليون ونصف إلى 2 مليون بشكل مباشر وغير مباشر.
ووصلت معدلات البطالة الرسمية إلى 16% بحسب آخر إحصائيات، فيما كانت نسبتها 10.3 % في 2013، كما حدث تغيير في دخل الأسرة المصرية ظهر في تآكل ملحوظ مع تصاعد وتيرة التضخم والذي سجل خلال مايو الماضي 12.9 على أساس سنوي بينما بلغ في مايو 2013 11.8%.
من جانبه، قال سعيد صادق إن "المصريين يواجهون أزمة اقتصادية خلال 3 سنوات وهو أمر متوقع لفترة ما بعد الثورات، خاصة مع تحسن أزمات الخدمات العامة مثل أزمة الانقطاع المتكرر للكهرباء، وهو الأمر الذي استنزف أموالًا طائلة بجانب إنشاء أكبر عدد من الطرق الضخمة".
وأضاف صادق: المشكلة ليست هنا فقط ولكن لم يحدث تطوير في الأجهزة الأمنية وهو ما انعكس على الاقتصاد، وظهر ذلك في مراقبة وأداء الأمن في الطائرة الروسية وما أعقبه من تفاعلات ونتائج وتأثيرات على السياحة، إلى جانب الأزمات العالمية المتعلقة بسعر العملة.
صادق أرجع سبب التراجع الاقتصادي إلى 3 عوامل؛ الأول عدم اتخاذ الحكومة المصرية لسياسة قومية لمكافحة الإرهاب، وعدم وضوح الرؤية الأمنية، وهما ما أثر بالسلب على حركتي الاستثمار والسياحة، بالإضافة إلى عامل ثان وهو مساعي الرئيس لعمل مشروعات قومية في وقت قياسي وهو ما تطلب أموالا طائلة دون النظر لتفاقم الأوضاع الاقتصادية.
والعامل الثالث، الذي قال صادق إنه لا يمكن إغفاله متعلق بالإرث الثقيل على عدة مستويات منها التعليم والصحة، والذي يحتاج بجانب خطط التطوير مليارات الجنيهات لتنفيذها.
aXA6IDE4LjExNi45MC41NyA= جزيرة ام اند امز