صائد "عصافير" فلسطيني يقع في شباك "قناصة" الاحتلال الإسرائيلي
"أبو لولي" يروي لـ"بوابة العين" كيف دفع دمائه ثمنًا لـ"لقمة العيش"
صائد العصافير الفلسطيني معتز أبو لولي، يروى لبوابة "العين" الإخبارية" لحظات قنصه على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي
عندما نصب الشاب معتز أبو لولي (19 عامًا) شباكه شرقي رفح جنوب قطاع غزة، كان يمني نفسه بصيد وافر من العصافير، دون أن يدري لحظتها أنه تحول إلى صيد سهل لجنود الاحتلال الإسرائيلي الذين قنصوه بثلاث رصاصات كادت مع قذيفتين لاحقتين أن تنهي حياته.
على سرير "الشفاء" في المستشفى الأوروبي بخان يونس يرقد أبو لولي لتلقي العلاج، ويتحدث لبوابة "العين" غير مصدق نجاته من براثن الموت، بعد أن تحول في لحظة غدرٍ احتلالية من صائد عصافير إلى فريسة سهلة للجنود: "لا أدري كيف نجوت، كانت معجزة، أصبت بثلاث رصاصات في أماكن قاتلة، وأطلقت نحوي ونحو الشاب الذي أراد إنقاذي قذيفتين ومع ذلك نجوت".
كانت الساعة تشير إلى التاسعة وعشرين دقيقة بالتوقيت المحلي (7:20 بتويت جرينتش) من صباح يوم الجمعة الماضي الرابع من ديسمبر الجاري، عندما جرى قنص صائد العصافير أبو لولي إلى الشرق من قرية الفخاري جنوب شرق قطاع غزة.
من صائد إلى فريسة
بصوت يغلب عليه الألم، قال الشاب المصاب:" كنت أبيت عند عمتي وتحركت باكرًا لأختار مكان مناسب أنصب فيه شباكي، سرت مسافة تزيد عن 1500 متر على امتداد الحدود، من شرقي قرية خزاعة وصولًا إلى مكب النفايات شرقي الفخاري، ولم يحدث أي شيء".
وأضاف "عندما وصلت إلى مكب النفايات توقف وشعرت أن هذا المكان هو المناسب لأنصب شباكي، وبالفعل بدأت بذلك، وأنا أمني نفسي بصيد وفير كي أبيعه وأستطيع مساعدة نفسي في توفير مصروفات دراستي".
ويقطن أبو لولي في مخيم الشابورة للاجئين برفح، جنوب قطاع غزة، وهو طالب في الثانوية العامة، ومثل آلاف الشبان الفلسطينيين يسعى بأعمال بسيطة كصيد العصافير مساعدة نفسه ومساعدة أسرته في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع المحاصر.
بينما كان أبو لولي، يحاول استخراج شبكة الصيد من حقيبته، شعر بعامود من النار يخترق يده اليمنى وجانبه الأيمن، ليسمع صوت رصاصة قادمة من جهة الشريط الحدودي مع الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يبعد عن مكان توقفه 100 متر.
يقول: "أدركت أن قوات الاحتلال أطلقت النار عليّ، فرفعت يديّ الاثنتين، بما فيهما اليد المصابة التي كانت تنزف دمًا، على أمل أن يشاهدني الجندي ويتوقف عن إطلاق الرصاص".
أمل صياد العصافير تبعثر، بعد أن تحول بشكل فعلي إلى فريسة لصياد من قناصة الاحتلال لا يعرف الرحمة، فكان أن عاجله برصاصتين إضافيتين أصابتاه في الكتف والفخذ؛ ليسقط على الأرض مضرَّجًا بدمائه التي كانت تنزف من ثلاثة أماكن من جسده النحيل، وتروي الأرض والزهور النابتة وسط الأشواك.
استهداف المنقذ
يضيف أبو لولي لبوابة "العين": "بدأت أزحف باتجاه المنطقة الغربية لأحاول الابتعاد عن المكان؛ خشية تعرضي للمزيد من إطلاق النار الذي استمر بالفعل نحو المكان الذي سقطت فيه، زحفت عشرات الأمتار، وعندما رأيت شابًا على دراجة نارية صرخت نحوه لمساعدتي بعد أن كدت أفقد الأمل مع استمرار إطلاق النار".
أوقف الشاب دراجته وأنزل طفله وأجلسه خلف الدراجة النارية ليحتمي من الرصاص حال وقع، وبدأ يجري نحو الشاب المصاب ليساعده، وما أن وصله حتى انهمر الرصاص كالمطر عليهما، فاضطر هو الآخر أن ينبطح في المكان، فيما بدأ بالاتصال بالرقم المجاني للإسعاف.
كان الوقت يمر ببطيء ويحمل معه هواجس كثيرة، وبات الاثنان يخشيان أن يقدم الاحتلال على فعل مجنون، بقصفهما بقذائف مدفعية، وهو بالفعل ما حصل بعد لحظات من اتخاذهما قرار بالابتعاد عن بعضهما كي يقللا من الخسائر حال استهدف المكان.
نجونا بأعجوبة
يروي الشاب محمد الأسطل، الذي يرقد هو الآخر على سرير الشفاء في مستشفى ثاني، تفاصيل ما جرى، قائلًا لبوابة "العين": "نجونا بأعجوبة، أطلقوا علينا قذيفتين مدفعيتين أصيب بشظايا في أنحاء الجسم، والحمد لله على كل شيء".
وأضاف أنه كان متوجهًا للمكان لينصب شباكه ليصيد العصافير هو الآخر عندما سمع استغاثة المصاب (أبو لولي) فهرول نحوه، فكان أن جرى استهدافهما مجددًا ليصاب هو الآخر.
وذكر أنه نجح بمغادرة المكان على دراجته وهو ينزف، فيما أبلغ مجموعة من الشباب الذين قدموا وساعدوا على إخلاء المصاب الأول إلى المستشفى الأوروبي الذي يبعد مئات الأمتار عن المنطقة.
وفي ظل تفشي البطالة في قطاع غزة، يلجأ الكثير من الشبان إلى ممارسة هواية الصيد كمهنة محفوفة بالمخاطر نظرًا لأن المواقع التي توجد بها أنواع جيدة من العصافير هي المناطق الواقعة بعيدًا عن الكثافة السكانية وعلى مقربة من الشريط الحدودي مع إسرائيل.
كانت قوات الاحتلال جرفت على مدار السنوات الماضية الأراضي المحاذية للسياج الأمني وبعمق يتراوح بين 300 – 700 وحولتها إلى منطقة عازلة تستهدف أي جسم متحرك فيها.
المخاطرة من أجل لقمة العيش
ووفق صيادي العصافير فهناك موسمين أساسيين للاصطياد بقطاع غزة، أولهما مع قدوم فصل الشتاء، وتحدث فيه هجرة العصافير من المناطق الباردة إلى الأقل برودًا، وتنتشر فيه عصافير "الحسون، التفيحي، البسبوس، النعار"، وجميعها منخفضة الثمن نسبيًّا باستثناء الحسون، والثاني يرتبط بنتيجة تكاثر العصافير المهاجرة خلال فصلي الربيع والصيف، وأبرزها طائرا "الحسون" و"الخُدّر".
ويقول زهير أبو ريدة (18 عامًا) الذي اعتاد على المخاطرة والصيد في المنطقة الحدودية : "هذا موسم، ولابد أن نخاطر لذلك أذهب للمنطقة الحدودية للصيد عبر نصب الشبكة والأفخاخ.. هنا تكثر فيها الخدادر وبشكل أقل الحساسين، بسبب خلو المنطقة من السكان".
وتبسم أبو ريدة عندما سألناه عن حجم الفائدة المالية التي يحققها من صيد العصافير وهو يقول: "الأمر بالنسبة لي هواية أكثر من كونها فائدة مالية"، مشيرًا إلى أن أغلب ما يصيدونه هو الخدادر التي لا يزيد سعر الواحد منها عن 5 شيكل (الدولار 3.86 شيكل)، أما الحسون فيبلغ سعره حوالي 70 شيكلًا".
ذاكرة الألم
رحلة صيد العصافير تبدو مخاطرة كبيرة في ظل الاستهداف المتكرر للمنطقة العازلة، ومن يتحرك فيها بإطلاق النار المباشر، وكثيرًا ما ذهب ضحيتها شهداء وجرحى.
فبينما كان فضل محمد حلاوة (32 عامًا) من سكان جباليا شمال قطاع غزة، يصطاد العصافير برفقة عدد من زملائه في منطقة أبو الحصين على بعد 100 متر من حدود الفصل الشرقية شمالي شرق مقبرة الشهداء الإسلامية بجباليا شمال القطاع، في نوفمبر 2014، أصيب بعيار نار في البطن بعدما تعرض ورفاقه لإطلاق نار مباشر من قوات الاحتلال الصهيوني المتمركزة على حدود الفصل الشمالية، وجرى نقله في حينه إلى مستشفى كمال عدوان، وأدخل قسم العمليات ثم قسم العناية المكثفة لخطورة حالته قبل أن يعلن عن استشهاده بعد عدة ساعات.
رحلة الغزيين وتحديهم للمخاطر من أجل لقمة العيش وممارسة هوايتهم تبدو مستمرة، وسط إجماع بأن كل اعتداءات الاحتلال لا يمكن أن تمنعهم عن المخاطرة، بحثًا عن إشباع هوايتهم وتحقيق عائد مالي يساعدهم في توفير متطلبات الحياة في ظل الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشونه.
aXA6IDMuMTQ0LjQ1LjE4NyA= جزيرة ام اند امز