مسؤول فرنسي يفند ميزانية أوروبا الأكثر جرأة.. هل تنجح خطة الـ 2 تريليون يورو؟ (حوار)

في منعطف حاسم من تاريخ الاتحاد الأوروبي، كشفت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن مشروع الميزانية الأضخم على الإطلاق بقيمة 2 تريليون يورو للفترة ما بين 2028 و2034.
وهذه الخطة الطموحة التي وُصفت بـ"الأكثر جرأة في تاريخ الاتحاد"، لا تهدف فقط إلى تمويل الزراعة والدفاع ودعم أوكرانيا، بل تمثل تحولًا عميقًا في فلسفة التمويل الأوروبي، من الاعتماد على مساهمات الدول إلى بناء موارد ذاتية عبر ضرائب جديدة قد تطال المواطنين والشركات.
ويتعين الآن على الدول الأعضاء الـ27 والبرلمان الأوروبي والمفوضية مناقشتها خلال مدة لا تتجاوز سنتين.
لكن هل تنجح هذه الميزانية في إقناع الأوروبيين، خاصة في ظل انقسام حاد بين دول تدعو للإنفاق وأخرى تُصر على التقشف؟ "العين الإخبارية" حاورت الخبير الاقتصادي جون-لوك بلانشييه، مستشار التجارة الخارجية الفرنسية ورئيس جمعية أرباب العمل الفرنكوفونية، لاستشراف أبعاد هذه الميزانية، ومصادر تمويلها، وفرص نجاحها أو انفجارها سياسيًا واقتصاديًا.
إلى أين سيُوجَّه الإنفاق الإضافي؟
وقال بلانشييه إن الميزانية الجديدة تركز بوضوح على التنافسية والابتكار، مع تخصيص 410 مليارات يورو لتعزيز قدرات الشركات والبحوث الأوروبية. و131مليارًا لتعزيز الدفاع الأوروبي، و100مليار كدعم طويل لأوكرانيا.
كذلك، تُخطط للمساعدة في العائد الزراعي والدعم الريفي عبر 300مليار يورو، بالإضافة إلى ركائز جديدة للتضامن والتنمية.
وتعادل الميزانية 1.26% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد، مقارنة بـ1.13% في الفترة السابقة (2021–2027)، وقد أكدت رئيسة المفوضية أن "مساهمة الدول الأعضاء ستبقى كما كانت عليه"، مع وعد بإحراز تقدم فيما يخص الموارد الذاتية للاتحاد.
مصادر الإيرادات الإضافية
وأشار مستشار التجارة الخارجية الفرنسي إلى أن إنجاز توقعات أورسولا يستدعي تنويع مصادر التمويل، مثل فرض ضرائب على التبغ، مساهمات شركات كبرى مثل شركات التكنولوجيا، ورسوم على النفايات الإلكترونية. ويمثل هذا تحولًا من الاعتماد على موارد الدول الأعضاء إلى إنشاء موارد ذاتية ومستمرة للاتحاد.
معارضة شرسة
ووفقا لبلانشييه تُعارض برلين الزيادة التي تراها تحمّلًا غير مبرر في ظل الإصلاحات المالية الوطنية، وتخشى ازدواجية الضرائب على الشركات، سواء من الضرائب الوطنية أو المقترحات الأوروبية. كما تُطالب بضبط المالية العامة وتزيد الحرص على التقليص.
كما انتقد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان دعم أوكرانيا الذي وصفه بـ"الضخم"، مؤكدًا أن المزارعين الأوروبيين هم الخاسرون منها.
فيما حذر رئيس اتحاد المزارعين الفرنسيين أرنو روسو من خطوة خفض دعم المزارعين واصفًا إياها بـ"الاستفزاز".
وتتضمن الموازنة 300مليار يورو لدعم دخل المزارعين، وهو ما يُعد انخفاضًا عن ميزانية السياسة الزراعية السابقة التي بلغت 387مليار يورو، منها 270 مليارًا كمساعدات مباشرة.
واعتبرت هولندا أن الميزانية مرتفعة للغاية. في المقابل، رحّبت فرنسا بالمقترح واعتبرته "طموحًا".
واعتبر بلانشييه أن الضرائب الجديدة، إن تم إصدارها، قد تؤثر على الفئات المنتجة (الشركات العاملة في القطاعات الرقمية والتكنولوجية) والمستهلكين (ثمن التبغ وزيادة كلفة الإلكترونيات). لكنه يرى أن هذه الخطوات يجب أن تُسوَّق على أنها مساهمة في تمويل الخدمات التي يستفيد منها المواطنون، مثل الصحة الرقمية، الأبحاث والتطوير، رقمنة المؤسسات، ودعم أسعار الغذاء عبر ثبات سوق الطاقة.
الاستفادة من الخدمات الجديدة
يرى بلانشييه أنه خلافًا للميزانيات السابقة، يضع هذا المقترح أولويات ذات أثر مباشر على حياة المواطنين الأوروبيين: تجهيز البُنى التحتية الرقمية، والدعم المستمر للزراعة، وتمويل بحوث التكنولوجيا الحيوية والطاقة النظيفة. هذه البرامج قادرة على تحسين تنافسية الشركات الأوروبية وتوفير خدمات جديدة مثل شبكات الإنترنت عالية الأداء، والاستثمارات في الصحة والتعليم، وتدريب الشباب.
وبحسب بلانشييه، هذه الميزانية تُشكّل تحولًا في فهم التمويل الأوروبي — من الاعتماد فقط على مساهمات الدول إلى إنشاء موارد ذاتية مستدامة. ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في جسور الثقة: القارة بحاجة لشرح مقنع لمواطنيها حول لماذا ستُفرض ضرائب جديدة — ومن يضمن أن تدفع النتائج؟ فإذا نجحت باريس وبروكسل في ربط الضرائب بالفوائد المباشرة والملموسة، فقد تمهد الطريق لميزانية جديدة قوية وقادرة على مواجهة تحديات أوروبا القادمة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTkg جزيرة ام اند امز