يحلّ العام الجديد، والنظام الإقليمي العربي يعيش أسوأ وأحلك مراحله
يمضي عام آخر، والأوضاع بالمنطقة على حالها، بل إن الكثير من التقارير والمؤشرات تؤكّد أن الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية تعقّدت بشكل خطر في عدد من دولها، وتعتبر أن المنطقة أضحت بذلك من بين الفضاءات الدولية والإقليمية الأكثر توتّراً على مختلف الواجهات.
ففي الحالة السورية، تطوّرت الأمور نحو الأسوأ، وخرجت من أيدي الفاعل المحلي المجسّد في مختلف الفصائل والأطراف المتصارعة، التي عجزت عن بلورة توافقات كفيلة بحقن الدماء ومنع خروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة، لتدخل على الخطّ قوى إقليمية ودولية متهافتة، جعلت من مآسي الشعب السوري ورقة ومطية لخدمة أجنداتها، ومصالحها الضّيقة.
يحلّ العام الجديد، والنظام الإقليمي العربي يعيش أسوأ وأحلك مراحله، بفعل تصدع مواقف دول المنطقة إزاء عدد من القضايا والأزمات الإقليمية والدولية، وتنامي الصراعات البينية، وتراجع نسبة العمل المشترك في شتى الميادين، بما انعكس بشكل كبير وملحوظ على أداء جامعة الدول العربية التي ظلت مكتوفة الأيدي أمام الكثير من المحطات والأحداث الخطرة، وسمح بتنامي التهافت الدولي والإقليمي على المنطقة.
لم يتحقّق أي تقدم كبير على مستوى تجاوز الأزمات القائمة في ليبيا، أو في العراق، أو اليمن، الأمر الذي يبقي المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات، ويؤكّد مرة أخرى أن مجمل الدول العربية لم تستوعب بعد تبدّلات الواقع الدولي وما يطرحه من تحديات ومخاطر، تفرض التوافق والحوار، والسير قدماً نحو التكتل وتجاوز الصراعات ونبذ القطرية الضيقة.
ورغم التحذيرات الواردة ضمن التقارير الصادرة عن مختلف المنظمات الدولية المعنية بقضايا الهجرة السرية واللجوء، ما زالت الظاهرتان في تطور مستمر، بل إن عام 2016 شهد أحداثاً خطرة، بخاصة في عرض البحر الأبيض المتوسط، الذي شهد غرق العديد من الحالمين بغد أفضل، فيما لاقى العابرون للضفة الشمالية منه الكثير من المآسي والصعوبات، بفعل الانحرافات التي تطبع التعاطي الأوروبي الميداني مع هذه الفئة، التي غالباً ما اعترتها الارتجالية وغياب التنسيق، وربط الظاهرتين بالإرهاب والتطرف، وهيمنة المقاربات الأمنية على حساب الاعتبارات الإنسانية التي تطرحها الظاهرتان.
وكل هذه العوامل، إضافة إلى تصاعد الأزمات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، في الكثير من الدول الإفريقية والعربية، تؤكد أن الظاهرتين مرشحتين للتطور. وتظل المنطقة العربية معنية بشكل كبير بهذا الموضوع، سواء بصفتها دول تصدير، أو استقبال، أو عبور، خصوصاً مع تعقد الأوضاع السياسية والأمنية في عدد من دول الحراك، وهو ما يفرض تنسيق الجهود وتعزيز التعاون لوضع اليد على العوامل التي تسهم في تغذية الهجرة السرية واللجوء.
ورغم الجهود الاتفاقية والتدابير التشريعية والإجراءات الاحترازية المتخذة خلال السنوات الأخيرة في سبيل محاصرته واحتوائه، مازال الإرهاب يتمدّد بشكل مثير في مناطق مختلفة من العالم، ويخلّف الكثير من الضحايا والخسائر.
ولم تسلم المنطقة العربية من هذه الظاهرة، ففي العراق ما زال الإرهاب يحصد الأرواح رغم التدابير المتخذة، أما في سوريا فقد كان لهذه الآفة دور رئيسي في تعميق الجراح ومضاعفة المآسي وتعقيد الأوضاع. وفي عدد من دول الحراك شكّل الإرهاب أحد العوامل المحبطة لكل تحوّل ديمقراطي، كما أنه أربك كل الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية، سواء على مستوى إضعاف الاستثمارات المحلية والخارجية، أو تراجع مداخيل قطاع السياحة.
وحظيت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة باهتمام دولي كبير، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى المكانة الدولية التي أصبحت تحتلها الولايات المتحدة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حدّة التنافس الشديد التي ميزت أجواء الحملة والتي وصل فيه الأمر إلى حدّ التراشق بالتهم بين المرشّحين، علاوة على الشعارات المثيرة التي طرحت خلالها في علاقتها بقضايا داخلية وإقليمية ودولية.
جاءت نتائج هذه الانتخابات مفاجئة لكل المراقبين والمتابعين في الأوساط السياسية والأكاديمية، سواء على مستوى الداخل الأمريكي أو على الصعيد الدولي.
ولم يخف الكثير من المهتمين تخوفاتهم من أن يشكل وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض بداية مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية، قوامها الصراع والتوتر في عالم يطبعه الارتباك أصلاً، فيما اعتبر آخرون أن تنفيذ «ترامب» لشعاراته الانتخابية في علاقتها بقضايا الهجرة، ورفض دخول المسلمين إلى البلاد، وإعادة التفاوض بصدد الاتفاقيات التجارية العالمية، سيسمح بتصاعد موجة الإرهاب الدولي وانتعاش الحركات المتطرفة، بل والتأثير بالسلب في المكانة الدولية لأمريكا.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة