مكاوي سعيد: أنفر من التجريب.. و"الواقعية الروائية" الأكثر ملائمة لي

بمناسبة صدور الطبعة الثالثة من روايته "أن تحبك جيهان" استضافت مكتبة الكتبجية بالمعادي الروائي مكاوي سعيد لمناقشة روايته وتوقيعها.

"أن تحبك جيهان" هو عنوان كتاب مكاوي سعيد الذي صدر مؤخرًا بطبعة ثالثة، وبهذه المناسبة نظمت مكتبة «الكتبجية» بالمعادي حفل توقيع ومناقشة لرواية الكاتب المعروف مكاوي سعيد، بحضور الكاتب والناقد محمود عبد الشكور، وأدار اللقاء إيهاب الملاح.

ورغم برودة الجو الشديدة وموجة البرد القارص التي تضرب القاهرة، حرص العديد من القراء والقارئات على حضور المناقشة وتوقيع الرواية، الحماس الذي غلف أسئلة الحضور وحرارة المناقشة وحيويتها بددا برودة الجو، فضلًا عن تخلل اللقاء قراءة مقاطع من الرواية الضخمة التي تقع في أكثر من 700 صفحة من القطع المتوسط.

مدير اللقاء، قدم للكاتب والرواية، ورحب بالحضور، وعرض لإضاءة مركزة حول رحلة مكاوي سعيد مع الرواية والكتابة الأدبية، وتوقف عند محطته الأهم التي اعتبرها فارقة بصدور روايته «تغريدة البجعة» التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" 2008، في أولى دوراتها، ثم النجاح والانتشار الكبيرين اللذين حظيت بهما الرواية.

الناقد محمود عبد الشكور، بدوره، قدم قراءة كلية للرواية الجديدة، وحلل شخصياتها الرئيسية وعرض للملامح العامة للرواية وموضوعها، قائلًا، إن هذه الرواية يمكن اعتبارها "مرايا عاكسة لشخصيات مأزومة" (وهو العنوان الذي اختاره لمقاله النقدي عن الرواية)، مضيفًا أن «أن تحبك جيهان» هي رواية شخصيات بامتياز، رغم كثرة تفصيلاتها وأحداثها، فهي جدارية ضخمة لنماذج إنسانية مأزومة، وخريطة اجتماعية تشهد على فترة فاصلة انتهت بتحولات كبرى، وكأننا أمام مرايا عملاقة نرى فيها صورة الداخل والخارج معًا، تكشف ولا تستر، وتقول ولا تصمت، مدللًا على قوة شخوص الرواية بأنها هنا تصل إلى درجة يستطيع قارئها بأن يصفها بأنها "منحوتة" وليست "مرسومة"، يمكن أن تلمس تضاريسها ومعالمها، وأن تسمع أصواتها، وأن ترى حضورها الطاغي، فهي ليست مجرد خطوط على الورق، تستكملها بخيالك، وتملأ فراغاتها، وتضيف إليها ألوانها.

أوضح عبد الشكور أن هناك شخصيتين رئيستين تتبادلان السرد في البداية؛ «أحمد الضوي» مهندس الإنشاءات، وصاحب شركة المقاولات الصغيرة، و«جيهان العرابي» (اسم يتصدر عنوان الرواية) المصورة الفوتوغرافية المحترفة، وخريجة معهد السينما، ثم تنضم إليهما شخصية ثالثة مليئة بالتناقضات هي «ريم مطر» الممثلة المسرحية والتليفزيونية، خريجة كلية الآداب، والتي درست أيضًا في معهد الفنون المسرحية، ولكن الشخصيات الثلاث، التي يمكن اعتبارها نماذج "نخبوية" تعتمد بشكل كامل على جهدها العقلي أو الفني والإبداعي، أي أنها، بشكل أو بآخر، جزء من الإنتليجنسيا المصرية، بكل عيوبها وخصائصها.

لم ير محمود عبد الشكور في ضخامة حجم رواية «أن تحبك جيهان»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية في نحو 700 صفحة، أي عائق أو مانع من الاستمرار في القراءة مع إحكام السرد والقبض على خيوط الحكاية بحرفية ومهارة، فحرفة السرد الغني بالتفاصيل تنقذ الرواية من الملل رغم ضخامة حجمها، وحياة الشخصيات، وبراعة نحتها، تدفعان القارئ إلى مواصلة القراءة، رصيد الفن في «أن تحبك جيهان» هو رصيد البشر وإحباطاتهم وأحلامهم وبحثهم عن طريق، هناك نماذج غريبة وجدت ساردًا يعرفها، فحكاها دون أن يترك شيئًا من تاريخها.

الكاتب مكاوي سعيد، قال مجيبًا على سؤال حول تفضيله الكتابة في القالب الواقعي الكلاسيكي عن خوض مغامرات التجريب الروائي والحداثة الكتابية التي يفضلها كثيرون الآن في أنحاء متفرقة من العالم العربي، إنه ينفر من المغامرات الشكلية، وما يسميه البعض بالتجريب الروائي الذي يقوم على استدعاء أو استيحاء أشكال في أوروبا وأمريكا اللاتينية هي الآن باتت في ذمة التاريخ، يقول صاحب «تغريدة البجعة»: "القالب الواقعي والسرد الواقعي هما الأقرب إلى قلبي، والأكثر راحة وملائمة لي حين أكتب، فأنا لا يعنيني أن أقوم بعرض تجربة أو مغامرة شكلية تخاصم الواقع والقارئ معًا، وتتعمد المجافاة والبعد عن تصورات القارئ وأفق توقعاته الخاصة بشأن النص الذي يعاينه، لقد وقعت عقد اتفاق مع القارئ منذ رواية «تغريدة البجعة»، قبلني بها وقبل روايتي وتلقاها بحب واحتفى بها أيضًا، وفي روايتي الجديدة «أن تحبك جيهان» أخلص لهذا العقد ولهذا القارئ".

وأضاف مكاوي أنه استغرق ما يقرب من ثماني سنوات للفراغ من الرواية التي جاءت مفاجئة له من حيث حجمها، لكنه قرر الاحتفاظ بها على صورتها التي انتهت إليها، ولم يقم بحذف سوى خمسين أو ستين صفحة رأى أنها لا تؤثر على "عضم الرواية" وهيكلها، وعبر عن تقديره وامتنانه لقارئه الذي يحرص على الخروج من بيته كي يحضر له مناقشة أو يوقع له الرواية، قائلًا: "هو صاحب الحق الأصيل في أن يقرأ ما يرضي طموحه ويلبي احتياجه".