الجنيه المصري.. «العين الإخبارية» ترصد رحلة عمرها 125 عاما أمام الدولار
عام 1947 كان يساوي 3.67 غرام من الذهب و 4.13 دولار
تاريخ من ذهب يملكه الجنيه المصري الذي هبط من قمة العملات في العالم إلى أدنى مستوى عقب قرار التعويم الأخير.
البداية تعود إلى عام 1885 عندما صدر قانون الإصلاح النقدي في مصر، وبموجبه أصبح الذهب أساس النظام النقدي لتكون للبلد عملة موحدة هي الجنيه الذهبي المصري، وكان وزنه 8.5 غرام.
وفي عام 1899 صدر الجنيه الورقي المصري، وتم تثبيت سعر صرفه مقابل الذهب، بحيث كانت قيمة الجنيه الواحد تساوي 7.43 غرام من الذهب، وظل قابلا للتغيير بالذهب عند الطلب حتى عام 1914 عندما تحولت مصر إلى سلطنة.
ومنذ بداية إصدار عملات السلطنة المصرية عام 1916 وحتى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، كانت فئات العملات المعدنية المصرية الأقل من الجنيه تبلغ 9 فئات مختلفة تبدأ بالنصف مليم المصنوع من البرونز، وحتى الريال (20 قرشا) المصنوع من الفضة بوزن 28 غراما. أي أنه خلال هذه الفترة كان يمكن تحويل الجنيه الواحد إلى ألفي قطعة معدنية من فئة النصف مليم أو ألف من فئة المليم أو 100 قرش.
متى بدأ التراجع؟
ظهر تأثير تراجع قيمة العملة المصرية في الخمسينيات على العملات المعدنية المصرية باختفاء فئة نصف مليم، وانخفاض وزن الفئات الأعلى، الشلن (5 قروش) والبريزة (10 قروش) والريال إلى نصف وزن مثيلاتها الملكية، وإن ظلت مصنوعة من الفضة ولكن من عيار أقل.
وفي عام 1967 ودّعت مصر العملات المتداولة المصنوعة من معدن الفضة، حيث سكّت الفئات الكبيرة (5 قروش و10 قروش) من الكوبر نيكل (سبيكة من النحاس 75% والنيكل 25%) وتوقف سك الريال، بينما سكت الفئات الأصغر من الألمنيوم.
وبحلول عام 1973 توقف إصدار فئة المليم، ولكن استمر التعامل به في السنوات اللاحقة، حتى إلغائه رسميا مع فئة 5 مليمات عام 1981 بعد تراجع القيمة الشرائية لأغلب العملات المصرية، لتصبح 10 مليمات هي أصغر فئة متداولة في مصر.
ومنذ بداية الثمانينيات تم إصدار عملتين جديدتين بفئات (قرشان من النحاس و20 قرشا من الكوبر نيكل)، وفي عام 1984 أعيد سك فئة 20 قرشا بحجم أصغر، في حين تحول إصدار فئة 5 قروش إلى معدن النحاس.
وبعد قرابة عقد من الزمن، تقلص حجم العملات المصرية مجددا، وبدأت صناعة 10 قروش من النحاس عام 1992، وفي العام التالي ظهرت فئة 25 قرشا من الكوبر نيكل للمرة الأولى في التداول واشتهرت باسم الربع جنيه المثقوب، في حين صدر قرار رسمي بإلغاء فئة القرشين عام 1996.
قصة إصدار الجنيه
أصدر الخديو عباس حلمي الثاني "دكريتو" (مرسوما) بمنح رفائيل سوارس حق امتياز إنشاء البنك الأهلي المصري، ومنح البنك الحق في إصدار أوراق مالية لمدة 50 عاما يتم قبولها لدفع الأموال الأميرية، مع أحقية صرف هذه الأوراق بالذهب عند الطلب.
ونص قانون البنك الأهلي على أن يكون غطاء أوراق النقد على أساس النصف من الذهب والنصف الآخر من أوراق مالية تحددها الحكومة المصرية.
وفي يوم 5 يناير/كانون الثاني 1899 كان ميلاد الجنيه المصري الأول، وتم تثبيت سعر صرف الجنيه الورقي المصري وفي عام 1914 ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، صدر الأمر العالي من حاكم مصر في الثاني من أغسطس/آب 1914 بوقف صرف هذه النقود بالذهب واعتمادها النقد الرسمي القانوني لمصر، وربطها بالجنيه الاسترليني، وكان سعر الصرف القانوني للجنيه الإنجليزي 97.5 قرشا مصريا (الجنيه المصري يساوي 100 قرش).
عرش العملات
ظل الجنيه المصري منذ يومه الأول ولأكثر من 60 عاماً من أعلى عملات العالم قيمةً، وكان يتفوق على عملات الدول الكبرى بما فيها الجنيه الاسترليني والدولار الأمريكي، وإن كانت قيمته قد تفاوتت عبر السنين نتيجة الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية الكبرى التي شهدها العالم في النصف الأول من القرن الـ20.
وكان لارتباط الجنيه المصري رسميا بالعملة الإنجليزية حتى عام 1947 واضطرارا لعدة سنوات بعد ذلك، دور في بعض التراجع الذي شهدته قيمة الجنيه خلال هذه الفترة، وإن ظل يحتفظ بمكانته أمام عملات العالم المختلفة وأهمها الدولار.
وتُظهر تقارير أسعار صرف العملات الواردة في نشرة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ عشرينيات القرن الماضي أن الجنيه المصري كان أعلى العملات قيمة أمام الدولار الأمريكي من بين 39 عملة مختلفة كانت ترد في التقرير بشكل دوري.
محطات تاريخية
ويمكن تقسيم المراحل التاريخية التي مر بها سعر صرف الجنيه المصري منذ اعتماده نقدا رسميا للدولة إلى عدة محطات كالتالي:
التفوق منذ بداية القرن الـ20 وحتى عام 1939 كان الجنيه المصري يساوي 5 دولارات تقريبا ولم تشهد هذه الفترة تراجعا في سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار إلا لسنوات ثلاث بدأت في عام 1931 بعد تخفيض قيمة الجنيه الاسترليني وتبعه في ذلك باقي العملات المرتبطة به.
وانخفض سعر صرف الجنيه المصري عام 1931 ليساوي 4.6 دولارات ثم انخفض إلى 3.6 دولارات عام 1932، قبل أن يبدأ في الارتفاع مجددا عام 1933 بعد قرار الولايات المتحدة خفض الدولار الأمريكي إلى 59.06% من قيمته المعدنية في مارس/آذار 1933 ليصبح الجنيه مساويا لـ4.34 دولارات.
وسريعا عاد الجنيه المصري بقوة في العام التالي 1934 ليتجاوز الـ5 دولارات (5.16 دولارات)، وظل خلال السنوات التالية متجاوزا حاجز الـ5 دولارات حتى بدأ في التراجع عام 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية.
كما ظل الجنيه المصري يتراجع منذ بداية عام 1939 حتى وصل في سبتمبر/أيلول شهر اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى 4.32 دولارات، ولـ10 سنوات استقر سعر الجنيه عند 4 دولارات تقريبا، قبل أن يتراجع بنحو 30.5% في سبتمبر/أيلول 1949.
الجنيه = 3.67 غرام من الذهب أو 4.13 دولار
وقبل ذلك التاريخ بعامين وتحديدا في يوليو/تموز 1947 فكت مصر ارتباط عملتها الرسمي بالجنيه الاسترليني، وسبق ذلك انضمامها إلى صندوق النقد الدولي، وكانت قيمة الجنيه المصري في ذلك الوقت تساوي 3.67 غرام من الذهب الخالص، وتعادل 4.13 دولارات.
ورغم فك الارتباط مع العملة الإنجليزية ظل الجنيه المصري متأثرا بتقلبات الجنيه الاسترليني لأن غطاءه النقدي كله تقريبا كان لا يزال مكونا من سندات بريطانية، لذلك فعندما خفض الجنيه الاسترليني في سبتمبر/أيلول سنة 1949 بمقدار 30.5% من قيمته تبعه الجنيه المصري بعد ربع ساعة فقط بنفس القيمة لتنخفض قيمته إلى 2.87 دولار.
استقرار نسبي
منذ ذلك التاريخ، أصبح الدولار الأمريكي يساوي حوالي 0.35 جنيها تقريبا، وهو السعر الذي استمر حتى عام 1961، قبل أن ينخفض الجنيه قليلا ليصبح سعر الدولار 0.4 جنيه عام 1962 ثم 0.43 جنيه منذ عام 1963 إلى عام 1972، وفق البيانات المتاحة في قاعدة بيانات البنك الدولي عن العملة المصرية.
عاود الجنيه الارتفاع عام 1973 ليتراجع سعر الدولار إلى 0.40 ثم 0.39 جنيها حتى عام 1978.
وخلال عام 1979: خسرت العملة المصرية نصف قيمتها تقريبا مع انتهاج سياسة الانفتاح، ليصل سعر الدولار إلى 0.70 جنيها، وظل الجنيه مستقرا لتسع سنوات قبل أن تتراجع قيمته مجددا عام 1989، حيث وصل سعر الدولار 0.87 جنيها.
تراجع بلا عودة
مع بداية التسعينيات وانتهاج سياسة "الإصلاح الاقتصادي"، بدأ الجنيه يتراجع بشدة مفسحا الطريق للدولار ليتجاوز العملة المصرية للمرة الأولى منذ أكثر من 9 عقود، ووصل سعر الدولار إلى 1.5 جنيه عام 1990، وفي العام التالي واصل الجنيه التراجع وقفز الدولار إلى 3.14 جنيها واستمر التراجع ليستقر سعر الدولار عند 3.39 جنيها بين عامي 1994 و1998.
ظل الجنيه يتراجع تدريجيا حتى تجاوز الدولار حاجز 4 جنيهات عام 2002، ثم جاء قرار التعويم الكامل للجنيه في 2003 لتتهاوى قيمته ويصل متوسط سعر الدولار إلى 6.28 جنيه عام 2004، قبل أن يتراجع قليلا ويتذبذب صعودا وهبوطا إلى مستوى 5.9 جنيه للدولار عند قيام "ثورة 25 يناير" عام 2011.
بعد الثورة تعرض الجنيه لمراحل أخرى من التخفيض أمام الدولار الذي ارتفع سعره لأكثر من 6 جنيهات ثم تجاوز 7 جنيهات ليصل إلى 7.7 جنيه عام 2015، ثم 8.88 جنيه في مارس/آذار 2016.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016: قرر البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه (تعويم الجنيه) ليسجل الدولار سعر 13 جنيها، وظل الجنيه في تراجع أمام الدولار الذي وصل إلى أعلى سعر له في 24 يناير/كانون الثاني 2017، عندما بلغ الدولار 18.94 جنيه، قبل أن يبدأ في التراجع تدريجيا خلال الأعوام التالية حتى وصل إلى 15.66 جنيها في 20 مارس/آذار 2022.
وفي 21 مارس/آذار 2022: استيقظ المصريون على حلقة جديدة من مسلسل تراجع الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، في إطار ما قالت السلطات إنها محاولة لتجاوز التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا.
وقفز متوسط سعر صرف الدولار الأمريكي داخل البنوك المصرية ليصل إلى 18.26 جنيه للبيع و18.17 جنيه للشراء، ثم ارتفع إلى 18.55 جنيه للبيع و18.45 جنيه للشراء في اليوم التالي قبل أن يتراجع إلى 18.42 جنيه للبيع و18.32 جنيه للشراء بنهاية يوم 23 مارس/آذار 2022.
وفي مايو/أيار 2022: قرر البنك المركزي رفع معدلات الفائدة 2% دفعة واحدة بعد زيادتها في مارس/آذار 2022، بمعدل 1% في محاولة لكبح التضخم الذي بلغ 13.1% في أبريل/نيسان 2022، مسجلا أعلى معدل له منذ 3 سنوات، ومن أجل جذب المستثمرين الأجانب إلى سوق الدين المحلية.
وبعد قرار التعويم اليوم، انخفض سعر الجنيه لأدنى مستوى له ليسجل الدولار نحو 50 جنيها بالسوق الرسمية.
aXA6IDMuMTQwLjE4Ni4xODkg جزيرة ام اند امز