من دبابات البوسفور إلى "هدية الله".. 411 دقيقة زلزلت تركيا
411 دقيقة قلبت الأوضاع في تركيا منذ لحظة إغلاق الدبابات جسر البوسفور إلى استسلام جنودها على ذات الجسر
الساعة 20.35 بتوقيت جرينتش مساء يوم الجمعة 15 يوليو/ تموز ذكرت قنوات تلفزيون تركية أن مدينة إسطنبول شهدت إغلاق جسري البوسفور والسلطان محمد الفاتح، ورغم أنها لم تقدم أي سبب لذلك، إلا أن ذلك التحرك أخفى وراءه زلزالا سياسيا قلب الأوضاع في تركيا لمدة 411 دقيقة حتى وصلت الساعة إلى 04.56 بتوقيت جرينتش صباح اليوم التالي؛ حيث أظهرت مشاهد على الهواء في محطة (سي.إن.إن ترك) نحو 50 جنديا من الذين شاركوا في محاولة الانقلاب العسكري في تركيا وهو يستسلمون على أحد الجسور فوق البوسفور في إسطنبول اليوم السبت متخلين عن دباباتهم وهم يرفعون أيديهم في الهواء.
411 هي عمر محاولة انقلاب في تركيا نفذتها مجموعة من الضباط والجنود مستخدمين طائرات حربية ودبابات، غير أن أنقرة تصدت لهم بشدة وأعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عائدا إلى إسطنبول أن الوضع بات تحت السيطرة.
وأدت المواجهات التي تخللتها مشاهد عنف غير مسبوقة في أنقرة وإسطنبول منذ عقود، إلى سقوط ما لا يقل عن 90 قتيلا بينهم العديد من المدنيين على ما أعلن مسؤول تركي، كما تم اعتقال نحو 1600 عسكري وفق وكالة الأناضول الحكومية.
وبعدما كان رئيس الوزراء بن علي يلديريم أكد أن الوضع بات "تحت السيطرة إلى حد كبير"، أعلن الرئيس أردوغان قبيل فجر السبت أن "هناك في تركيا حكومة ورئيس منتخبان من الشعب"، مضيفا "سنتغلب على هذه المحنة إن شاء الله".
وبدا أردوغان الذي كان وسط حشد متراصٍ من الأنصار في انتظاره لدى هبوط طائرته في مطار إسطنبول قادما من مرمريس (غرب) حيث كان يمضي عطلة، في موقع تحدٍّ قوي متوقعا فشل محاولة الانقلاب، ومؤكدا أنه يواصل تولي مهامه "حتى النهاية".
وتوعد أردوغان الانقلابين بالقول إن "الذين نزلوا بدبابات سيتم القبض عليهم لأن هذه الدبابات ليست ملكا لهم"، وهو متحصن بدعم أنصاره الذين لبّوا بكثافة دعوته للنزول إلى الشوارع في أنقرة وإسطنبول وأزمير من أجل التصدي للانقلابيين.
وهنّأ الاتراك على نزولهم "بالملايين" إلى الشارع ولا سيما في ساحة تقسيم في إسطنبول وقد غصت بأعداد غفيرة من المتظاهرين المنددين بالانقلابيين.
ووصف أردوغان اليوم محاولة الانقلاب التي تشهدها بلاده بأنها هدية من الله لتطهير الجيش. وقال "هذا الانقلاب، هذا التحرك هي هدية ثمينة من الله لنا. لأن الجيش سيتم تطهيره".
غير أن الوضع في هذا البلد البالغ عدد سكانه 80 مليون نسمة والذي يعتبر عضوا أساسيا في الحلف الاطلسي، كان لا يزال غامضا قرابة الساعة 7,00 (4,00 ت غ)، بعد حوالي ثماني ساعات على الإعلان عن محاولة الانقلاب.
وقامت طائرة في وقت باكر صباح السبت بإلقاء قنبلة قرب القصر الرئاسي في أنقرة فيما قصفت طائرات عسكرية من طراز إف-16 دبابات للانقلابيين عند مشارف القصر الرئاسي، بحسب ما أفادت الرئاسة.
"خونة"
وبعد قليل، قام ستون جنديا انقلابيا كانوا احتلوا خلال الليل جسرا فوق البوسفور، بتسليم أنفسهم لقوات الأمن في إسطنبول، وفق مشاهد بثها التلفزيون مباشرة.
وكانت طلقات نارية متقطعة لا تزال تسمع عند الفجر في عدد من أحياء أنقرة وإسطنبول، بعد ليل شهد أعمال عنف ودوي انفجارات ناجمة بحسب وسائل الإعلام عن قصف جوي.
وأمر رئيس الوزراء الجيش السبت بإسقاط الطائرات والمروحيات التي سيطر عليها الانقلابين، وفق ما أفاد مسؤول تركي. وأعلن تعيين قائد جديد لهيئة الأركان بالنيابة محل الجنرال خلوصي آكار الذي كان محتجزا لدى الانقلابين.
ولدى وصوله إلى مطار إسطنبول، ندد أردوغان بالانقلابين "الخونة" الذين اتهمهم بالارتباط بخصمه اللدود الداعية فتح الله غولن المقيم في المنفى في الولايات المتحدة منذ سنوات.
غير أن غولن ردا مؤكدا "أنفي بصورة قاطعة مثل هذه الاتهامات"، في بيان صدر من الولايات المتحدة. وقال "من المسيء كثيرا بالنسبة لي كشخص عانى من انقلابات عسكرية عديدة في العقود الخمسة الماضية، أن أُتهم بأنني على أي ارتباط كان بمثل هذه المحاولة".
وتم تحرير رئيس هيئة أركان القوات التركية الجنرال خلوصي آكار الذي كان محتجزا لدى الانقلابيين في قاعدة جوية بضاحية أنقرة ونقله إلى مكان آمن، بحسب ما أفادت الشبكات التلفزيونية التركية.
وكان الغموض يلف مصير الجنرال آكار وقد أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أنه لا يعرف مكان وجوده، فيما عين محله رئيس أركان بالوكالة لعجزه عن تولي مهامه.
وقال أردوغان إن الفندق الذي كان يقضي فيه عطلة في منتجع مرمريس بجنوب شرق تركيا تعرض للقصف بعد رحليه منه.
مؤشرات إلى ضبط الوضع
تحدث رئيس الوزراء بن علي يلديريم عن محاولة انقلابية "غبية" و"محكومة بالفشل".
وتعرض البرلمان الذي تم نشر دبابات حوله للقصف في العاصمة أنقرة حيث قتل ما لا يقل عن 17 شرطيا، بحسب وكالة الأناضول.
وفي إسطنبول، فتح جنود النار على الحشد ما أدى إلى وقوع عشرات الجرحى، وفق مصور لوكالة فرانس برس. كما أسقطت طائرات إف-16 مروحية للانقلابيين وفق التلفزيون التركي.
وبعد حوالي ساعتين على إعلان الانقلاب، توقع له أردوغان الفشل، متحدثا من مكان لم يتم الإفصاح عنه للتلفزيون عبر تطبيق "فيس تايم" على هاتف محمول.
وكان التلفزيون الرسمي بث قبيل منتصف الليل (21,00 ت غ) مساء الجمعة بيانا صادرا عن "القوات المسلحة التركية" يعلن فرض الأحكام العرفية وحظر تجول على مجمل الأراضي التركية.
وبرر الانقلابيون "تولي السيطرة على البلاد" بضرورة "ضمان وترميم النظام الدستوري والديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات".
وتوعّد رئيس الوزراء جميع الضالعين في هذه الحركة "غير الشرعية" بأنهم سيدفعون "الثمن باهظا".
وأغلق الجسران فوق البوسفور اللذان يصلان بين شطري إسطنبول الآسيوي والأوروبي في الاتجاهين.
وفي إسطنبول، أغلقت قوات الأمن بعض المحاور الكبرى ولا سيما تلك المؤدية إلى ساحة تقسيم بوسط كبرى مدن تركيا، فيما انتشرت الشرطة بكثافة.
وسيطر القلق والهلع على العديد من السكان وهرعوا إلى المتاجر للتموّن بالماء والمواد الغذائية وإلى أجهزة الصرف الآلي لسحب الأموال.
ودعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى دعم الحكومة التركية "المنتخبة ديموقراطية"، وإلى "التحلي بضبط النفس وتفادي العنف وإراقة الدماء".
كما حضّت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني على "ضبط النفس" و"احترام المؤسسات الديموقراطية"، فيما دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي جرت مؤخرا مصالحة بين بلاده وتركيا، إلى تفادي "أي مواجهات دامية".
ورأى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "من الأساسي عودة الحكم المدني والنظام الدستوري بصورة سريعة وسلمية".
aXA6IDMuMjIuMjcuMjIyIA== جزيرة ام اند امز