في ظل التقارير والتحليلات والتكهنات التي تناولت موضوع "الانقلاب الفاشل" نجد أنفسنا في أزمة حقيقية ومعقدة
في ظل التقارير والتحليلات والتكهنات التي تناولت موضوع "الانقلاب الفاشل" أو مسرحية الانقلاب الفاشل في تركيا كما أسماه البعض، نجد أنفسنا في أزمة حقيقية ومعقدة لا لفشل الانقلاب، بل حتى إننا كنا سنواجه التعقيد نفسه فيما إذا كان قد كتب لذلك الانقلاب النجاح.
الأزمة الحقيقية التي نواجهها ليست سياسية ولا عسكرية كتلك التي واجهتها تركيا في ظل الانقلاب الفاشل؛ هي أزمة وعي وأكثر من ذلك هي أزمة ولاء وانتماء تجسدت في ضياع الكثير ممن تمنى نجاح الانقلاب أو أيد فشله وذلك قبل وضوح الصورة النهائية التي مثلت فشل الانقلاب؛ فالمؤيدون للانقلاب انجروا خلف العاطفة التي غلبت على لغة العقل التي كانوا يتحدثون بها، بل حتى على المبادئ التي تبنوها وأيدوها؛ فمن كان ضد الخروج على الحاكم أصبح مؤيدًا للخروج عليه؛ نظرًا للخصومة المعروفة مع جماعة الإخوان المسلمين وأردوغان الذي يعتبره الإخوان خليفتهم المنتظر. كما أن احتضان تركيا للهاربين من العدالة ممن أدينوا في قضية التنظيم السري، قضية (خيانة وطن) في الإمارات ساعد على تأجيج تلك الخصومة مع أردوغان بحد ذاته، علاوة على مواقف أردوغان السلبية تجاه مصر قلب العروبة النابض، لا أبحث هنا عن عذر لمن أيد محاولة الانقلاب بل هو سرد للمبررات التي ساقها البعض وتبناها البعض الآخر في تبرير تأييده لمحاولة الانقلاب في تركيا.
على الرغم من كل تلك التبريرات، كان لزامًا على البعض الثبات على قيمه ومبادئه وأن لا ينساق خلف عواطفه لتتغير على إثرها مبادئه، فالمواقف تتغير لكن الحق والمبادئ التي تدافع عن ذاك الحق يجب أن لا تتغير لأنها مبنية على نية وتفكير وأساس سليم.
أما على الطرف الآخر، وجدنا من إخوانيته غلبت عليه فوجدناه يدعم أردوغان لأنه الخليفة المنتظر أو لدعمه الواضح والعلني للإخوان المسلمين، ونجد من كان يعلنها أنه ليس إخوانيًا قد كافح ونافح حتى ساعات الفجر المتأخرة للاطمئنان بأن الانقلاب قد فشل، فنجده تارة مذكرًا بفتاوى عدم جواز الخروج على الحاكم على الرغم من مواقفه السابقة التي تدعم الخروج على الحاكم عندما كان يطالب بالخروج على الرئيس المصري السيسي، كما وجدناه تارة أخرى يتغنى بإنجازات أردوغان حتى وإن كان ذلك بتغريدات تحمل أرقامًا بعيدة عن الواقع ولا تمت للحقيقة بصلة فالمهم الاستبسال في الدفاع عن أردوغان، بينما لم نجد من أولئك ذكرًا لتركيا أو الشعب التركي فالبعض كان أردوغانيًا أكثر من أردوغان بحد ذاته.
نأتي لمربط الفرس، وهو أننا لم نجد المنافحين المرابطين المدافعين عن أردوغان يستبسلون في الدفاع عن أوطانهم، كما لم نجد منهم ذاك التغني بحكامهم كتغنيهم بأردوغان، فالولاء والانتماء لا بد وأن يكون راسخًا لدى المرء في حبه وولائه لوطنه وقادته وأن لا يدع المجال لأجندة أو حزب ما أخذ ذاك الحيز النقي والطاهر الذي يحمل الحب بالفطرة السوية التي نشأنا عليها وتجنب تلويثها بحب زائف ملطخ بحزبية مقيتة لا تريد بنا إلا الشر وإن أظهرت لنا عكس ذلك.
حب الوطن وقادته والالتفاف حولهم، سر النجاح ومن مقومات النهضة الشاملة للأمم، لذا علينا أن نسعى لتصحيح المفاهيم والمسارات الخاطئة التي قد تجرف البعض بعيدًا عن أوطانهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة