بالصور: "خور" دبي.. شريان حياة متدفقة
هنالك فقط تستطيع أن تشم رائحة الزمن القديم، تقف أمامه فتشعر بأنك تلتقي وجهاً لوجه مع ذلك المؤرخ المائي الذي يحتفظ بأسرار الأجداد
هنالك فقط تستطيع أن تشم رائحة الزمن القديم، تقف أمامه فتشعر بأنك تلتقي وجهاً لوجه مع ذلك المؤرخ المائي الذي يحتفظ بأسرار الأجداد، تنصت جيداً لصوت مياهه الهادرة فلا تسمع سوى حكايات وأساطير تدخل رائحتها العتيقة صدرك دون أي استئذان .
"خور دبي" ذلك العجوز الحكيم الذي سرد أسطورة عمرها أكثر من 1000 عام هو الأقدم في شبه الجزيرة العربية، والميناء الطبيعي الأول في مدينة الأرقام القياسية، لم يكن يوماً ممراً مائياً فحسب بل إنه كتاب قديم نفتح أوراقه ونتصفحها عبر رحلة تحملنا إلى صفحات من ماضي دبي .
الخور العتيق كانوا يلقبونه "بمثلت دبي"، وكان جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لسكان دبي القديمة في هذا الوقت، وخاصة لغواصي اللؤلؤ والتجار وصيادي السمك والبدو الذين كانوا يفدون إلى قرى الساحل موسمياً لمزاولة الغوص والصيد. ومع مرور الزمن انقسمت دبي إلى ثلاث مناطق رئيسة: "ديرة"على الضفة الشرقية للخور، وهي المنطقة الأكبر والمركز التجاري الرئيسي، و"بر دبي"، و"الشندغة" على الضفة الغربية للخور والتي كان يفصل بينها وبر دبي حاجز رملي يدعى "الغبيبة"، وعادة ما كان الخور يغمر هذا الحاجز بمياهه عندما يحدث المد.
هذا الممر ليس مجرد قناة مائية تربط بين ضفتين من المياه بل قصة حضارة قامت على ضفافه.
قوارب خشبية صغيرة تتهادى فوق صفحة مياه الخور حاملة وجوهاً وأحلاماً صغيرة بسيطة تنقلها للضفة الثانية، في رحلات قصيرة مثابرة صابرة ترسم بها صورة حيوية لمياه الخور، "العَبْرَة" القديمة التي تسرد معاناة الأجداد. والشاهدة على مثابرة الأبناء في بناء دولتهم والوصول بها إلى العالمية تحكي أنه حتى منتصف القرن الماضي لم يكن في دبي شبكة طرق رسمية، بل إن طرقها كانت عبارة عن ممرات ترابية ضيقة لا تسمح بمرور السيارات، لذلك كانوا يستخدمون الحمير أو الجمال للتنقل. ولأنه لم تكن لديهم جسور على الخور لتصل بين شطري دبي، كان على البشر أن يتحملوا رحلة مضنية للانتقال من ضفة إلى أخرى، وذلك بالدوران حول نهاية الخور. وكان يمكنهم أيضاً التنقل بواسطة تلك "العبرة" الصغيرة، وهي عبارة عن قارب صغير يسير بالتجديف ينقل الناس من ضفة إلى أخرى، واستخدم الناس "عبرة" خاصة تنقلهم إلى السفن الراسية بعيداً عن سواحل الخور. هكذا كان الخور شرياناً لحياة المدينة قديماً ولا يزال، ذاك المكان وتلك العبرات لا زالت تحمل تلك الوجوه والأحلام عبر الضفتين.
ولأنك على أرض مدينة الأحلام فلا تندهش فكل ما تتصوره وتحلم به ستجده على أرض الواقع، ولكنك بالتأكيد ستصاب بالذهول عندما تعلم أن سعر التذكرة الواحدة للعبرة هي درهم واحد، رحلة بحرية من الطراز الأول برفقة نسمة هواء حاملة رائحة القديم، تنقلنا "العبرة" إلى الضفة الأخرى، وها هو السوق القديم يطل برائحته التراثية ومحلاته التجارية البسيطة البعيدة عن الأضواء البراقة اللامعة التي تحملها المراكز التجارية الكبرى.
سريعاً، تعود إلى الوراء فترى البائعين قديماً الذين كانوا يستخدمون المصابيح الزيتية لإضاءة مخازنهم ومحلاتهم. وعند الإغلاق يستخدمونها نفسها لإنارة طريق العودة إلى البيوت حيث كان السكان يستوردون الفحم النباتي من داخل عمان ليستخدم في أغراض الطهي وصنع القهوة، هكذا عاش الأجداد وكافحوا إلى أن أصبحت منطقة الخور وتحديدا السوق القديم على قمة العالمية.
ولا زالت صفحات مياه الخور لديها الكثير من الحكايات والأساطير التي ترويها عن منطقة الشندغة وقرية التراث.