علاقة دولة الإمارات بجمهورية الصين الشعبية تعتبر نموذجا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول والشعوب في العصر الحديث.
يأتي الاهتمام الصيني الكبير بالانفتاح على دولة الإمارات، وتوسيع علاقاتها معها في المجالات كافة، وتوازن السياسة الخارجية الإماراتية الذي ينعكس في تنوّع تحركاتها تجاه الشرق والغرب والشمال والجنوب، أعطى للعلاقات الإماراتية- الصينية تميزاً خاصاً، حيث خدمت هذه الميزة تنمية العلاقات بين البلدين".
تحكم مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين منذ انطلاقها وحتى الآن سلسلة من الاتفاقيات الموقعة في العديد من مجالات التعاون المشترك، أبرزها اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين الدولتين الموقعة عام 1985، واتفاقية إنشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة، واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المشتركة، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية التعاون في مجال الخدمات الطبية عام 1992، وبروتوكول استيراد النفط من الإمارات، واتفاقية تجارية بين إمارة الشارقة ووزارة التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي الصيني في سبتمبر 1999، واتفاقية التعاون الثقافي والإعلامي بين الصين والإمارات في مايو 2001، واتفاقية تبادل المجرمين بين الدولتين في عام 2002.
وتأتي اهتمامات السياسة الخارجية الإماراتية بتطوير شبكة علاقاتها وتقوية تفاعلاتها الدولية للإفادة من الإمكانات والفرص المتاحة على مستويات عدة، بما يؤمِّن لها تحقيق الأهداف وضمان المصالح، وهو أمر يتطلب التفاعل والانفتاح على العالم الخارجي والابتعاد عن العزلة، مع التركيز على التوازن في العلاقات الدولية، من خلال اتجاهين، أولهما يعزز العلاقات بالعالمين العربي والإسلامي، وثانيهما يتحرك صوب الدول الأجنبية.
تعتبر علاقة دولة الإمارات بجمهورية الصين الشعبية نموذجا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول والشعوب في العصر الحديث. وذلك انطلاقا من كون العلاقات بينهما ترسخت على مدى ما يزيد على أربعة عقود وفق أسس ومبادئ ثابتة، ولا سيما أن الإمارات تتبنى سياسة خارجية تجاه دول العالم كافة، بما في ذلك الصين وضع أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وما زالت دولة الإمارات تسير عليها في ظل توجيهات رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
تعي دولة الإمارات أن الظروف التي يمر بها العالم في الوقت الراهن تفرض تحديات على الدول والحكومات، كما أنها تتيح الكثير من الفرص التي يفتح استغلالها آفاقاً واسعة أمام الشعوب لتعظيم مكتسبات التنمية الشاملة، ومن هذا المنطلق يأتي اهتمام القيادة الرشيدة في دولة الإمارات بدول الاقتصادات الصاعدة وعلى رأسها الصين التي سيقوم ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بزيارة رسمية لها بدءاً من اليوم الأحد.
وتنطوي الزيارة الحالية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان على عدد من الأمور المهمة أولها أنها تمثل محطة مهمة على صعيد العلاقات بين البلدين وفي إطار العلاقات التاريخية التي تجمعهما، وعمق الروابط المشتركة وتنوعها في مختلف المجالات، إذ إن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان سيلتقي خلالها الرئيس الصيني شي جين بينغ وكبار القادة الصينيين.
الأمر الثاني هو أن الزيارة ستشهد بحث تعزيز علاقات الصداقة وتطوير التعاون الاستراتيجي بين البلدين وهو ما يشكل فرصة لتوسيع نطاق التعاون بين الطرفين، وخاصة في الجانب الاقتصادي إذ ستتيح المزيد من الفرص لتطوير التبادل التجاري الثنائي الذي تتخطى قيمته حالياً نحو 55 مليار دولار سنوياً ويرجح أن يتخطى 100 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، هذا إلى جانب ما تفتحه الزيارة من فرص استثمارية متبادلة بين البلدين في القطاع الصناعي، وفي القطاعات الاقتصادية ذات الاهتمام المتبادل ما ينعكس إيجاباً على مصالحهما المشتركة.
أما الأمر الثالث هو أن الزيارة تفتح الباب أمام تنمية العلاقات الثقافية والاجتماعية بين الإمارات والصين، هذا إلى جانب مناقشة القضايا الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك. وستتناول الزيارة أوجه التعاون المشترك في مختلف المجالات ومنها الأمني والعسكري وقطاعات الطاقة النظيفة والمتجددة والتعليم والصحة ومجالات عديدة أخرى.
تنطلق دولة الإمارات في علاقاتها تجاه الصين وغيرها من دول العالم من مبادئ راسخة وثابتة تتمثل في الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وتعزيز السلام والاستقرار والأمن في الساحتين الإقليمية والدولية، والعمل على بناء أسس الحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات والأديان والشعوب المختلفة على قاعدة التسامح والانفتاح، بعيداً عن نزعات الصدام والتطرف والتعصب والعنف والاهتمام بالبعد الإنساني وتقديم الدعم والمساندة إلى الشعوب التي تحتاج إليها وخاصة في أوقات الأزمات والكوارث والحروب وما بعدها.
ويقوم السلوك السياسي الخارجي للدولة على مبدأ نسج علاقات إقليمية ودولية، ثنائية أو جماعية، وتوظيف كل المتغيرات المنظورة وغير المنظورة التي تسهم في إعلاء مكانة الدولة وضمان مصالحها. وخلق فرص جديدة لإمكانات أكبر للعمل الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، لتكون الدولة منطلقاً عربياً وخليجياً في تهيئة المناخ الإقليمي لإرساء الاستقرار والحفاظ على المصالح المشتركة، وخلق الترابطات الكفيلة بزيادة حجم التعاملات المختلفة، وإيجاد أطر مؤسسية للتفاعل المشترك.
ومن هنا يأتي نمو العلاقات الصينية- الإماراتية على خلفية تنامي دور الإمارات وقوتها على الصعيد الدولي بشكل عام، وفي محيطها الآسيوي بشكل خاص، ولذلك أخذت الإمارات تركز على قوى آسيوية باتت تحتل مكانة مهمة في العلاقات الدولية، وهو ما يؤكد الأهمية الخاصة التي توليها الدولة لتنويع علاقاتها وتحالفاتها الدولية والموقع الذي تشغله الدائرة الآسيوية في أولويات الدبلوماسية الإماراتية.
وتأسيساً على هذا المنهج، فقد اتسمت العلاقات الإماراتية- الصينية بأبعاد استراتيجية اهتمت بتبادل وجهات النظر بين وزراء الخارجية، وتعميق العلاقات السياسية والثقة المتبادلة، بحيث تدعم الصين سياسات وتحركات دولة الإمارات المتعلقة بالسيادة الوطنية، بينما تدعم الإمارات سياسة الصين الواحدة، ترسيخاً لما يؤمن به البلدان من احترام لمبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وحل المشكلات بالوسائل السلمية.
الصين اليوم هي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي تعدّ الآن القوة الاقتصادية الثانية في العالم، ومنذ إصلاح السوق في الصين عام 1978 تمكّن الاقتصاد الصيني من النمو بمعدل 10% سنوياً، ويعتقد بعض الخبراء أن الصين سوف تتجاوز الولايات المتحدة في إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2040.
ويشكل النفط مدخلاً رئيساً في العلاقات بين الجانبين، ومن المتصور أن يصل استهلاك الصين من النفط إلى 400 مليون طن بحلول عام 2015، الأمر الذي يعني مزيداً من الاعتماد على النفط الإماراتي، لتأمين الاحتياجات النفطية الصينية. والصين اليوم ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ تُقدّر التجارة الثنائية بين البلدين في عام 2013 بحدود 40,4 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة قدرها 15% عن العام السابق.
وتدرك دولة الإمارات أهمية تدعيم العلاقات بين الإمارات والصين بمستوياتها المختلفة، بما يُفضي إلى تأسيس منظومة علاقات تتسم بالتكامل والتصاعد، وتزداد متانة كلما ازدادت مخرجاتها ونواتجها، وتسهم في توسيع آفاق المصالح القائمة أو تخلق مصالح مشتركة جديدة تماماً.
ومن هنا لا يمكن فصل التبادلات الثقافية والإعلامية عن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والإمارات، والتي تساعد على زيادة التفاهم المتبادل، وتتمتع بأهمية مماثلة للتبادلات الشاملة بين الجانبين. وكان الطرفان الصيني والإماراتي قد وقعا اتفاقية تعاون إعلامي بين وكالة أنباء الإمارات (وام) ووكالة أنباء «شينخوا» الصينية خلال عام 2001، أسهمت في تعرُّف كل من الجانبين على الآخر وثقافته، وتفعيل التواصل الإعلامي والثقافي والتعليمي بين الصين والإمارات، بما يُسهم في ترسيخ روابط الصداقة والتواصل والتفاعل الثقافي والحضاري بين البلدين، بحيث يكون منطلقاً لعلاقات متنوعة لا تقتصر على جوانب بعينها.
وتعد أهم أوجه التعاون العسكري وصول في 24 مارس 2010، إلى ميناء زايد بأبوظبي عدد من تشكيلة السفن الحربية الخاصة بحماية الملاحة في بحر الصومال التابعة للسلاح البحري لجيش الصين في زيارة لدولة الإمارات استغرقت أربعة أيام. وكان في استقبالها العميد الركن بحري طيار الشيخ سعيد بن حمدان آل نهيان نائب قائد القوات البحرية بالقوات المسلحة وسعادة قاو يويشنغ سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الدولة وسعادة العميد "تنغ هونغ" الملحق العسكري بالسفارة الصينية وعدد من كبار ضباط القوات البحرية من الجانبين وأبناء الجالية الصينية بالدولة الذين استقبلوا التشكيلة البحرية بالتقاليد الصينية المتبعة في مثل هذه المناسبات.
تسعى الصين لرفع التعاون العسكري مع دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مستويات أعلى وتحسين العلاقات الودية بين القوات المسلحة في البلدين. ووفق اتفاقية التعاون المشترك ما بين الصين والإمارات تم الاتفاق على تعزيز تبادل الزيارات العسكرية، والقيام بتبادلات بين الكليات الحربية، وتدعيم التعاون في نواحٍ مثل تدريب الأفراد، والمعدات الفنية، والصناعات العسكرية، والتجارة العسكرية.
وأصبحت دولة الإمارات الوجهة الأولي بين دول الشرق الأوسط للصادرات الصينية وللسياح الصينيين أيضا، كما يعيش في الإمارات أكبر جالية صينية في منطقة الشرق الأوسط.
aXA6IDMuMTQ0LjEyMi4yMCA= جزيرة ام اند امز