يجوب العالم يخطط ويرسم الخطوط العريضة ويضع التفاصيل الدقيقة لنقل الإمارات من عالم التبعية إلى عالم قطبية الدول الصغيرة.
يجوب العالم يخطط ويرسم الخطوط العريضة، ويضع التفاصيل الدقيقة لنقل الإمارات من عالم التبعية إلى عالم قطبية الدول الصغيرة، وهي ظاهرة ستنتشر بقوة، وتصبح جزءًا محوريًّا من نظام العالم الجديد، والأهم من ذلك أنه يفعل الكثير لمستقبل الدبلوماسية والسياسة والاقتصاد، والعلوم الإماراتية المستقبلية بعد أن أصبح متمرسًا كقائد في عدم توريط بلده في إطار الأحلاف طويلة الأمد التي لا تنتهي لأحلاف متعددة الأغراض تخدم بلده والمنطقة العربية والعالم الإسلامي، حتى أضحى أحد رواد سياسية التقارب المزدوج متعدد الأغراض وخيار القوة الضاربة من أجل السلام، والكلام عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حديث طويل ذو شجون لا ينتهي، وقد التف الشعب حوله في ملحمة وطنية رائعة، وخاطب كقائد ملهم روح الانتصار ورفض الخنوع والذلة لوضع حدود لطموح الجهات الطامعة في تطويق المنطقة، وأصبح يعرف بأنه ضمن نخبة خاصة هي من أهم من يحرك ويهدأ، رتم السياسة في المنطقة بانسيابية وقوى ناعمة وصلبة تسخّر من أجل الصالح العام وترك المجال والمساحة للأفعال، لكي تتحدث بدلاً عن الخطب والشعارات.
وعندما جاء وقت إعادة بناء طريق الحرير وعبور سور الصين العظيم وتعزيز علاقات الدولة بالصين لمستويات غير مسبوقة، وإعادة كتابة علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة مع الصين شدَّ الرحال -سموه- للأراضي الصينية خلال زيارة رسمية يفتح من خلالها آفاقًا جديدة لعلاقة البلدين وتعاونهم، وفي نفس الوقت وضع النقاط على الحروف في توجهنا المستقبلي مع الصين في دورها التي تلعبه وسوف تلعبه في المنطقة والعالم، وأين نقف نحن من كل هذا، فتم بحول الله توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المختلفة في مجالات التمويل والاستثمار، والخدمات اللوجستية والطاقة والتعليم والتكنولوجيا، وأمور أخرى تقتضيها المرحلة القادمة بين الطرفين، وهي فرصة لكلا الجانبين لتعزيز العلاقات في وقت يتطلع فيه كلا البلدين لمستقبلهما بطموح كبير.
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة هي المسؤولة عن ثلث التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وخمس التجارة الصينية العربية، ومن المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في نهاية العام الجاري إلى 100 مليار دولار، بعد أن وصل إلى حوالي 54.8 مليار دولار في عام 2014، ومن خلال بوابة الصين يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تلعب دوراً حاسمًا في الإسهام في زيادة رأس المال لتمويل السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ والمطارات، ومشروعات البنية التحتية الأخرى في مناطق أوراسيا في استثمار طويل الأمد.
ومن المعلوم أن هناك حضورًا مميزًا للبنوك الصينية في الإمارات، وأخرى في طريقها إلى الإمارات، وفي الوقت نفسه، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة نشطة جدًّا في القطاع المصرفي في الصين، وإنشاء فروع ومكاتب تمثيل لها هناك، وكان بنك الاتحاد الوطني البنك الإماراتي الأول لدخول الصين في عام 2007، وإنشاء مكتب في شنغهاي، ثم في عام 2012 من قبل بنك أبوظبي الوطني (NBAD) وبنك الإمارات دبي الوطني، كما أطلق بنك دبي التجاري منصة مصرفية له في الصين لتلبية متطلبات الأعمال والخدمات المصرفية الشخصية من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصين، وهناك أكثر من 4000 من الشركات الصينية أعضاء في غرف التجارة المحلية في الإمارات، وقد بدأت العديد من الشركات الصينية لاستخدام مركز دبي المالي العالمي جسرًا للوصول إلى أسواق أوسع في المنطقة، ويوجد حضور لأكبر شركات البترول الصينة في السوق الإماراتية بجانب البنك الصناعي والتجاري الصيني المحدود، وهو أكبر مصرف في العالم.
ويذكر أن الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الصين بلغت 1.15 مليار دولار أمريكي حتى نهاية عام 2014، وتبلغ قيمة استثمارات الشركات الصينية في الإمارات 2.3 مليار دولار وفق وزارة التجارة الصينية والشركات الإماراتية لديها نحو 650 مشروعًا في الصين، وتستورد الصين نحو 15 % (20 مليار دولار) من النفط من الإمارات، علمًا أنه في منتصف عام 2015، وقعت الشركة النفطية (CPEEC) اتفاق بقيمة 330 مليون دولار مع شركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية (أدكو) لمشروع التنمية في أحد حقول النفط في الإمارات.
والجانب الآخر الذي يجب أن لا يغفل عنه أن الصين بدأت تتجه بقوة للصرف على البحث العلمي والتطوير، وبما نسبته أقل من 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن تتفوق على الولايات المتحدة بحلول عام 2022، والتقدم العلمي الصيني ساهم بما مقداره 51.7٪ من النمو الاقتصادي للصين في عام 2011، والبلد تراهن أن الابتكارات التقنية يمكن أن تساعد في رفع مستوى قاعدتها الصناعية النوعية، والحد من تلوث الهواء بصورة كبيرة، ولدى الحكومة الصينية مشروع طموح "الابتكار المحلي" أطلق في عام 2006، بهدف تحويل البلد إلى "قوة العلم أو المعرفة" بحلول عام 2020 من خلال التركيز على رأس المال البشري، والمفاجأة التي يجهله الكثيرين أن العلماء الصينيين هم أفضل أجرًا من العديد من نظرائهم في الولايات المتحدة، فالعالم الصيني في علم الاجتماع مثلاً يحصل على ما نسبته 25٪ أكثر من علماء الاجتماع في الغرب، وهناك عوامل تكفل استمرار الظفرة العلمية الصينية، مثل وجود قاعدة ورأس مال بشري مؤهل كبير، كما أن أرباب العمل ينظرون بعين التفضيل للجدارة الأكاديمية، وعلماء المهجر الصينين في الشتات يخططون للعودة للصين، والحكومة المركزية على استعداد للاستثمار في مجال العلوم بالرغم من بعض ظواهر الفساد العلمي والاحتيال وعدم مرونة النظام الإداري.
ومن جانب آخر يعتبر نمو الجيش أو القوة العسكرية الصينية وتكنولوجيا القتال أمر مثير للإعجاب، وهناك قفزة في تكنولوجيا الليزر قد تعطي الجيش الصيني القدرة على تضليل أجهزة الاستشعار لصواريخ العدو أو الأقمار الصناعية حتى باستخدام جهاز محمول بحجم الحقيبة، بدلا من إصدار الحاويات ذات الحجم الكبير التي توجد عادة على السفن الحربية، ناهيك عن مهارة الجيش الصيني في الحرب الإلكترونية.
وقد وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة والصين اتفاقًا لإنشاء صندوق الاستثمار الاستراتيجي المشترك بقيمة 10 مليار دولار لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، مما يعكس الشراكة المتنامية والعمل بشكل وثيق في المساهمة في نمو الاقتصاد العالمي، وسيلعب الصندوق دورًا حاسمًا في دعم المبادرات الاستراتيجية الحيوية مثل مشروع "حزام واحد، طريق واحد" وستتم إدارة الصندوق المشترك بالتعاون بين البلدين، وذلك عن طريق شركة مبادلة للتنمية، والمملوكة من قبل حكومة أبوظبي وبنك الصين للتنمية وإدارة الدولة الصينية للنقد الأجنبي، وسوف يتم تمويل الصندوق مناصفة بين الطرفين بهدف بناء محفظة متوازنة من الاستثمارات التجارية المتنوعة، والجدير بالذكر أنه في يونيو المنصرم، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة عضو مؤسس في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهي مبادرة بنك تنموي متعدد الأطراف لتمويل مشاريع البنى التحتية في الدول الآسيوية، ويتوقع أن ينمو ليصبح منافسًا للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
فمن يريد أن يصبح لاعب مؤثر على الساحة الدولية، ويضمن الاستدامة في التنمية في بلده لا بد من أن يكون جزء من النظام المالي العالمي الجديد، والإمارات في عصر التنمية المعرفية، ووضع الإنسان أولاً تأخذ الصدارة على المستوى العربي، وذلك هو جوهر عبقرية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد فالإمارات ليس ما تشاهده من عمران وتحضر على المستوى الإنشائي ومستوى الحياة المرتفع ومشاريع طاقة نظيفة ومتجددة، وأقمار صناعية والسفر للمريخ فقط، ولكن محرك مهم لاقتصادات العالم الناشئة، وبالتالي تتدخل نفسها كدولة في عصر ما بعد النفط لتبقى وتيرة النمو والتقدم في تصاعد دائم والقافلة تسير...... .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة