أمريكا.. "سطوة" الشركات تزداد وأهمية الانتخابات تتراجع
كيف أصبحت الديموقراطية في أمريكا مجرد أسطورة
موضوع تحليلي عن تحول سياسات واشنطن و بداية انهيار مبدأ الديموقراطية بها
إشارات تقديرات في سنة 2011 إلى أن الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق أثَّرت سلبًا على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير، ورغم أن قطاعًا كبيرًا من الأمريكيين كان رافضًا للحرب في سنواتها الأخيرة، ظلت الإدارة الأمريكية في تجاهل تام لمطالبهم في سحب القوات وإنهاء الحرب، فالكثير من المراقبين يرى الولايات المتحدة بأنها لم تعد تضع الديموقراطية، كأساس في سياساتها المحلية و الدولية، وإنها تتحول تدريجيًّا من دولة "ديموقراطية" إلى دولة "رأسمالية" تحكمها مصالح الشركات الكبرى بحسب رأي بعض المراقبين في الشأن الأمريكي، حيث أصبحت كبرى الشركات في الولايات المتحدة تتحكم بشكل فعلي في السياسات المحلية والدولية لواشنطن، ضاربة بعرض الحائط مطالب الشعب الأمريكي.
اتحادات العمال في الولايات المتحدة أصبح تتعرض لضغوط كثيرة من قبل التشريعات الفيدرالية التي تحاول إضعاف قوة التفاوض لنقابات العمال في الولايات المتحدة، التي طالما وقفت في وجه المستثمرين ورجال الأعمال لتحقيق مستويات أجور وبيئة عمل جيدة منذ تأسيسيها في الثلاثينات من القرن الماضي، فعلى سبيل المثال، واجهت النقابات العمالية في ولايات وسكونسون واوهايو ضغطًا كبيرًا من قبل حاكميهما لتمرير قانون يسمح بتحجيم دور النقابات في مسائل العمل والاضرابات، لكن تم رفض هذه القوانين باستفتاء محلي في كلتا الولايتين، حيث عبر 54% عن رفضهم لتمرير القانون في مقابل موافقة 31%.
يقول بروس ليفين، خبير السياسات المحلية في جريدة هفنجتون بوست، إن أسطورة الولايات المتحدة بأنها دولة ديموقراطية ليس لها أساس من الصحة، حيث إن أمريكا أسست كجمهورية يصبح الشعب فيها له السلطة عن طريق ممثلين منتخبين، والحقيقة اليوم هي أن الولايات المتحدة ليست دولة ديموقراطية ولا جمهورية من الأساس، بل تحولت إلى "كوربوراتكية" وتعني شراكة بين شركات ضخمة وغنية جدًّا ولها ممثلوها داخل الحكومة الأمريكية لتسيير مصالحها محليًّا ودوليًّا.
وعلى أرض الواقع، ناهضت الأغلبية من المواطنين الأمريكيين حروب واشنطن في أفغانستان والعراق عن طريق حملة "نحن المواطنون"، والتي لم تلق آذان صاغية من الحكومة الأمريكية، ففي مارس 2011 قامت قناة ABC الإخبارية وجريدة الواشنطن بوست بعمل استفتاء شعبي حول ما إذا كانت الحرب على أفغانستان تستحق الخوض فيها علمًا بالتكاليف المتصاعدة لتلك الحرب، فجاءت النتائج أن 64% من الأمريكيين صوتوا بأن الحرب غير مجدية في مقابل 31% قالوا، إنها مجدية، وتظهر تلك النتائج رفض الأغلبية لملف الحرب في أراض أجنبية من الأساس، لكن بسبب سطوة الشركات الكبرى في الولايات المتحدة، قام الإعلام الممول من قبل تلك الشركات، مثل شبكات سي بس اس والنيويورك تايمز ووارنر، بمحاولة لطمس تلك النتائج بتأويلها في نشرات الأخبار والتعبير عنها "بأن 64% من الأمريكيين يؤيدون الانسحاب التدريجي من أفغانستان" بدلًا من رفض مبدأ الحرب من الأساس.
ويضيف ليفين أن هذه الشركات تحولت إلى أنظمة استبدادية حديثة، حتى في ظل وجود انتخابات فعلية، فإن الحقيقة أن هذه الشركات، بالإضافة إلى النخب فاحشة الثراء، تحكم السياسات الحكومية لضمان استمرار مصالحهم الشخصية، وتعمل تلك المصالح كدافع رئيسي لهم أثناء الانتخابات، حيث يتم الدفع بأكثر من مرشح يحملون أجندات معينة تخدم مصالح الشركات داخليًّا ودوليا قبل الشعب نفسه؛ لذلك فهم يدعمون مرشحين من كلا الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، حيث إن دعم كلا الطرفين يصب في مصلحة هذه النخبة، وبما أنهم حزبان فقط، فسيخفض ذلك تكاليف الرشوة على حد قوله، وبالتالي فإن من مصلحة الحزبين وجود كلاهما فقط لضمان نسب الفوز وبالتالي التمويل المستمر في الانتخابات.
الاندماج بين الشركات الكبرى والحكومة الأمريكية يتخطى حل مشاكل البطالة، وتحول إلى تدخل مباشر في الحكومة نفسها، وظهر ذلك جليًّا في حكومات بوش وأوباما، حيث كان هنري بولسن، المدير التنفيذي السابق لشركة جولدمان ساكس، وزير الخزينة في حكومة بوش الابن، وقد عيَّن أوباما في حكومته لورانس سمرز، من مؤسسة دي أي شو، كمستشار اقتصادي و مدير جنيرال الكتريك السابق جيفري املت كمستشار اقتصادي اخر في نفس الحكومة – و كان املت لا يزال يحتفظ بمنصبه كرئيس تنفيذي لجنيرال الكتريك.
الولايات المتحدة لم تعد تحكم كجمهورية ديموقراطية، بل اصبحت تضع مصالح النخب الغنية و الشركات العملاقة كأولوية لتوجيه سياسات واشنطن المحلية و الدولية، و التي ولدت سيلا من الحروب العبثية و الازمات الاقتصادية. و على حسب ما يراه المراقبون، لذا فان الخطوة الاولى لاستعادة الديموقراطية الأمريكية في نظرهم هو الاعتراف بأن الولايات المتحدة لم تعد ديموقراطية ولا جمهورية، بل شراكة بين شركات كبرى ومسؤولون حكوميون موالون لتلك الشركات، فالديموقراطية التي أسست عليها الولايات المتحدة أصبحت حلمًا مستحيلًا لغالبية الأمريكيين في بلد أسس على فكرة الحرية والديموقراطية.
aXA6IDMuMTQzLjIzLjM4IA==
جزيرة ام اند امز