رجاء من بيروت.. أرملة تتحدى قسوة الزمن
ذهب زوجها ليتبرع بدمه لإنقاذ أحد المرضى، فاكتشفوا إصابته بسرطان الدم، وبدأت رحلة معاناة رجاء، التي دامت 12 عامًا.. ماذا حدث؟
لم تكن تعلم رجاء داوود أن الحياة تخبّئ لها كل هذه المفاجآت.
حياتها كانت تسير بشكل طبيعي وسط هدوء أسري لا يعكر صفوه سوى خضات بسيطة قد يمر بها أي إنسان ويتجاوزها.
ولكن فجأة وجدت نفسها أرملة مسؤولة عن تربية طفلين لا حول لها ولا قوة سوى رحمة الله، التي كانت في رأيها "أكبر من أن تشعر بفقدان الأمل".
كانت رجاء تعيش في المملكة العربية السعودية، حيث أمضت أكثر من عشر سنوات مع أسرتها. ولكن ظروف زوجها المادية دفعتها إلى الانتقال إلى بيروت والاستقرار فيها لمتابعة دراسة ولديها شادي وبلال. كان زوجها يزورها كل عام للاطمئنان عليها وعلى أولادها حيث يقضي عطلة الصيف إلى جانب أسرته.
وفي آخر زيارة له لبيروت قصد محمد المستشفى الذي تعمل به شقيقة زوجته لاصطحابها للتنزه معهم، وبينما كان ينتظرها في قاعة الاستقبال، علم أن هناك سيدة حامل بحاجة ماسة إلى دم تتناسب مع فئة دمه.
لم يتردد في تلبية هذا النداء، قصد المختبر فورًا وتبرع بالدم. وبما أن وحدات الدم التي يتبرع بها كل شخص تخضع للفحص المخبري للتأكد من سلامتها، تبين أنه يعاني من نقص حاد في كريات الدم البيضاء ونقص المناعة بشكل لافت.
فطلب منه المخبري أن يسارع إلى زيارة طبيب متخصص في الدم والأورام بعد أن تبين أن دمه غير سليم.
لم يأخذ محمد الموضوع على محمل الجد، ووسط إصرار زوجته على متابعة وضعه الصحي، خصوصا أنه خسر 30 كجم من وزنه خلال ثمانية أشهر، قصد محمد عيادة أحد الأطباء ليتبين أنه مصاب بـ"اللوكيميا"، أي سرطان الدم.
كان الخبر بمثابة الصاعقة عليه وعلى زوجته. ولكن كان لا بد من متابعة العلاج والرضوخ للأمر الواقع. فقرر أن يتابع علاجه في المملكة العربية السعودية لإجراء عملية زرع "نخاع العظام" بعد أن علم بأن أحد المستشفيات هناك يقدم العلاج بالمجان.
ولكن لم يُكتب لهذه العملية النجاح بعد أن ساء وضعه الصحي وتمكن المرض من الانتشار في كل أنحاء جسمه في غضون ثلاثة أشهر.
كانت رجاء بمثابة الشمعة التي تذوب أمام زوجها بعد أن بدأ يفقد حواسه شيئًا فشيئًا حتى وصل به الأمر إلى عجزه عن الكلام فكان يكتب لها على الورقة في كل مرة يريد أن يقول لها شيئا وهو ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر 29 عاما. ولتأمين مصاريف أولادها راحت رجاء تبيع الملابس لرواد المستشفى كي تتمكن من تغطية ولو جزء بسيط من حاجيات ولديها اللذين تراوح عمريهما آنذاك بين 7 و9 سنوات.
ما هي إلا أسابيع قليلة حتى انتقل زوجها إلى جوار ربه، وبمساعدة الخيّرين تمكنت من نقل جثمانه إلى بيروت حيث دُفن.
وهناك بدأت رحلة عذابها الثانية، فزوجها لم يترك لها سوى المنزل الذي يمتلكه في بيروت حيث سكنت فيه مع ولديه وراحت تبحث عن فرصة عمل.
فعملت في بادئ الأمر عند كاتب عدل وكان راتبها يغطي نصف نفقاتها، ولتغطية بقية مصاريفها عملت في مجال العقارات حيث كانت تكسب نسبة من كل زبون توفر له عقارًا للإيجار أو البيع.
وهكذا استطاعت أن تستكمل مشوار حياتها المرير دون أن تمد يدها لأحد. مضت الذكرى العشرون لزوجها بسرعة تمكنت خلالها من تخريج ولديهما في الجامعة، فالابن الأكبر شادي تخصص في مجال الهندسة، والابن الأصغر في إدارة الأعمال.
كل المحيطين برجاء لا يرون فيها سوى بطلة أسطورية، تحدّت الزمن وقسوة الأيام، وظلت صامدة حتى نجحت في أن تصبح مثار فخر وتندّر لكل من يعرفها.
aXA6IDE4LjE4OC41OS4xMjQg جزيرة ام اند امز