أفلام قصيرة تبحر في الحالات الإنسانية في ضعفها وقوتها
لا يمكن لأثر الأفلام القصيرة أن ينتهي بعد عرضها، ولا يمكن للكتابة عنها أن تنحصر في توقيت عرضها، فهذه الأفلام تستحق التوقف عندها طويلًا.
لا يمكن لأثر الأفلام القصيرة أن ينتهي بعد عرضها بوقت قصير، ولا يمكن للكتابة عنها أن تنحصر في توقيت عرضها فقط، فهذه الأفلام، لفكرتها وتنوعها وغناها وأثرها، تستحق التوقف عندها طويلًا، لا سيما أنها ستعرض بعد وقت قليل في مهرجانات عربية وعالمية مقبلة، في هذا التقرير نقدم عرضًا لأفلام عربية قصيرة شاركت في "مهرجان دبي السينمائي" في دورته الثانية عشرة، تتنوع في التيمات والأشكال الفنية ومددها الزمنية، وهو ما يجعل تجربة التعرف عليها ومشاهدتها تجربة ملهمة.
فالفيلم القصير يبدو ملائمًا لإيقاع الحياة السريع وهو ما يتم تقديمه مكثفًا ومختصرًا بطريقة يحسد عليها الجمهور المهتم المخرجين، وفي هذه الدورة من مهرجان دبي حضرت الأفلام العربية من مناطق مختلفة من الإمارات سبعة أفلام وهي: "رائحة الخبر"، و"جرح مفتوح"، "أمنية"، "إلى بيتنا التحية"، "الرجل الذي التقى بملاك"، و"بشكاره"، ومن الخليج العربي حضرت 15 فيلمًا قصيرًا، ومن الدول العربية الأخرى حضرت أيضًا 15 فيلمًا، ومن هذه الأفلام ننتقى لكم أربعة تتنوع في موضوعاتها كما أشكالها الفنية.
"حار جاف صيفًا".. حياة فوتوشوب
يقدم المخرج المصري الشاب شريف البندري فيلمه الجديد والقصير (32 دقيقة) "حار جاف صيفًا" مقطعًا أفقيًا سريعًا من نموذجين للحياة داخل القاهرة، نموذج لفتاة مقبلة على الحياة وتستعد لحفلة عرسها، ونموذج لرجل سبعيني مصاب بالسرطان ويبدو مودعًا إياها وعادًّا أيامه الأخيرة.
في هذا الفيلم يقدم لنا المخرج رحلتان تتقاطعان في صيف وسط القاهرة القائظ حيث الزحام والحر والضجيج والأرواح المتعبة، الأولى للفنان القدير محمد فريد في دور العجوز الكبير الذي يتحضر لزيارة طبيب ألماني، والفتاة الشابة (في دور ناهد السباعي) التي تتحضر لتفاصيل يوم زفافها.
تتقاطع الحيوات والمصائر من خلال التاكسي حيث بالخطأ تأخذ العروس أوراق الرجل العجوز ليقوم برحلة البحث عنها، وعندما يجدها يبدأ التعارف غير المناسب لكنه يحقق علاقة إنسانية فريده، فعندما يتأخر العريس عن القدوم لاستوديو التصوير بسبب زحمة السير يقرر المصور أن يقوم العجوز بدور العريس في الصورة، وهو من ثم يعدل على الصور ببرنامج الفوتوشوب.
وما تبدو مصائر في طريقها للانهيار، حيث العروس وخلافاتها مع العريس والرجل المريض الذي استغرب الطبيب الزائر أنه مازال فعلًا على قيد الحياة، تصفع المشاهد بعد سنوات عندما يقفز المخرج بالزمن لسنوات، حيث العروس في منزلها ولديها الأطفال، والرجل المريض يستمتع في جلسة هادئة على شرفة منزلة القديم.
الفيلم وببساطة قدم لنا حالة من تحدى الحياة الواقعية، حيث يلجأ الناس إلى خيارات صعبة في سبيل التمكن من عيشها، وكل ذلك بمسحة من الطيبة والدفء، وبدون ذلك يبدو أن الحياة ستكون مستحيلة في يوم حار جاف صيفًا.
يذكر أن المخرج المولود عام 1978 في رصيده أفلام قصيرة كثيرة منها «صباح الفل» (2006) و«ساعة عصاري»، أما سيناريو الفيلم الموقع باسم نورا الشيخ فقد أجاد في دقائق قليلة من نقل القصة بسلاسة واقتصاد.
"جرح مفتوح".. ضربة قاضية
يقتصد فيلم المخرجة الإماراتية سراء الشحي في وقته، وكذلك في الحوار ليقدم للمشاهد في أقل من (6 دقائق) هي وقت الفيلم رسالته المحملة بالوجع ورد الاعتبار في المقابل.
قلنا، إن الفيلم لا يقول كل شيء، إنما يرينا فتاة عربية تسكن في أمريكا تتدرب على الملاكمة لنرى بعدها بقليل مشهد يديها المدميتين بالندوب والدم لكنها تحمل أغراضها وتضع حجابها وتعود للبيت، ذلك البيت الذي لا نرى تفاصيله باستثناء أمها التي تصرخ على ابنتها بصوت عال.
ندرك لاحقًا أن لهذه الفتاة جرح غائر حيث هناك من اغتصبها فيما يبدو لندرك لماذا تتدرب بعنف شديد على الملاكمة، ربما لتكون جزءًا من الحياة القاسية، حيث تتردد هذه الملاكمة الشابة قبل أن تدخل الغرفة على عمها المختنق بنقص الهواء لتضع يدها على حلقه في عملية خنق لا تتم، حيث تذهب وتجلب له الهواء من الآلة التي تستخدمها ذاتها، تحمل أغراضها وتسير في إشارة إلى أن الأمر لن يتكرر، وأنها بدت أقوى مما يظنه المجتمع تجاهها حيث سبب لها جرحًا مفتوحًا في قلبها.
والشحي هي مخرجة إماراتية، من رأس الخيمة، تدرس حاليًا للحصول على درجة ماجستير في الفنون من جامعة نيويورك/ تيش، وهي أيضًا فنانة مؤثرات بصرية.
في المستقبل.. أكلوا البورسلين
الفيلم التجريبي للمخرجة الفلسطينية لاريسا صنصور والكندي سورين ليند يقارب موضوعًا فلسطينيًّا بجدارة، ولكن من مدخل فني مختلف، حيث يجمع بين الخيال العلمي والسياسة وعلم الآثار، مازجًا بين المشاهد الحية والصور المولَّدة بالحاسوب، ليستطلع دور الأسطورة في التاريخ والحقيقة والهوية الوطنية، يحكي الفيلم قصة مجموعة ترفض التاريخ المكتوب، وتعمل على دفن أوانٍ من الخزف (البورسلين)، على أنها تعود إلى حضارة متخيلة، بهدف التأثير على التاريخ، ودعم مطالبهم المستقبلية بحقوقهم في أراضيهم قبل أن تتلاشى.
هذا الفيلم الذي يبدو حلم أو قصيدة بصرية مدعومة بحوار بين شخصيتين متحاورتين بطريقة غير تقليدية تحاول أن تسأل كل ما له علاقة بالتاريخ والحق والأرض والمستقبل، وهو محاولة لمحاكمة التاريخ تارة ومحاكمة الاحتلال الذي زيف في علم الآثار لإثبات حقه، ويبدو أنه وسيلة لإدانة الاحتلال الذي يقوم على القتل وخنق المستقبل ويهدد حياة البطلة في الفيلم، وهو ما يدفعها لخلق تاريخ موازي لها.
السلام عليك يا مريم.. استيطان البشر
قبل الحديث عن مضمون أفضل فيلم ضمن مسابقة المهر القصير في مهرجان دبى السينمائي الدولي، فيلم "السلام عليك يا مريم" للمخرج الفلسطيني باسل خليل (14 دقيقة) ـ تجدر الإشارة إلى وصول الفيلم إلى القائمة القصيرة للأفلام المرشحة لـجائزة الأوسكار لأفضل فيلم قصير 2016، وإضافة إلى ذلك ينطلق "السلام عليك يا مريم" في دور العرض بالعالم العربي، في خطوة هي الأولى من نوعها لفيلم قصير، ويقدم الفيلم حكاية اقتحام عائلة يهودية صمت وسكينة دير راهبات فلسطينيات، منعزل، في الضفة الغربية، وما كان له أن يصبح مأساةً، تحوّل ملهاة مع رغبة الطرفين التخلّص من هذا اللقاء القسري، كوميديا ذكية عن المكان والناس والمصائر.
ويحكي الفيلم المصنف كوميدي درامي قصة 5 راهبات من دير راهبات الرحمة، حيث يؤدين صلاتهن في هدوء وسكينة لحين اصطدام سيارة مستوطنين بتمثال العذراء، ويحطمه ليبدأ الصراع على أشده حيث مشاهد احتقار العرب والعنصرية في سخرية لاذعة مصدرها مفارقات الحالة المأساوية، حيث التدين اليهودي المدعى وغير الحقيقي في سلوك فئات صهيونية متدينة.
يذكر أن مجلة "سكرين إنترناشونال" السينمائية أدرجت عام 2011 خليل ضمن قائمة "أفضل 10 مخرجين عرب يمكن ترقبهم"، وهو من مواليد مدينة الناصرة.
"غصرة" تونس
أما فيلم المخرج التونسي جميل النجار فيتناول موضوعًا دقيقًا وحيويًّا بذكاء وتميز شديدين، حيث يعرض لنا ما يواجهه سائق التاكسي التونسي معيقات تمنعه عن قضاء حاجته عند جذع شجرة وهي أبسط الحقوق، حيث نرى أن الجميع ضده ويشارك في عمليه خنقة والسيطرة عليه، فمن المرشح الانتخابي، إلى المشجع الكروي، وصولًا إلى المتطرف الديني الذي يلبسه ثوب داعش، ووصولًا إلى رجال الشرطة.
مدة الفيلم 26 دقيقة أما المخرج فيدرس السينما في «المعهد العالي للفنون والوسائط الإعلامية المتعددة»، وعمل مساعد مخرج، وأخرج ثلاثة أفلام قصيرة حتى الآن.
"آية والبحر"..الحلم المستحيل
أما من المغرب فيحضر في المهرجان فيلم المخرجة مريم توزاني (17 دقيقة) في عرضه العالمي الأول، حيث يقدم قصة آية التي تمضي أيامها في خدمة منزل سيدتها، ولا شيء يؤنس أوقاتها سوى مشاهدة التلفزيون وجارتها المقعدة، التي تحلم مثلها بالذهاب إلى البحر، وأمام إهمال المحيطين بهما، تسعيان لتحقيق حلمهما البسيط بطريقتهما الخاصة.
يروي الفيلم قصة الطفلة (آية ـ 10 أعوام) التي أجبرت على تحمل مسؤوليات كبيرة من خلال عملها خادمة في الدار البيضاء.
aXA6IDMuMTQwLjE4Ni4xODkg جزيرة ام اند امز